العرب يقتطعون تدريجيا من نفوذ إيران في أفريقيا التوغل الإيراني الذي أفرز الطائفية وخلّف الفوضى والانقسام في الشرق الأوسط لا يبدي اكتفاءه، حيث تركّز طهران في منطقة القرن الأفريقي على تعزيز ولاءاتها بواسطة آليات براغماتية يتم زرعها وعبرها يتم نشر التشيع والعروض النفطية والمساعدات، غير أن ترحيب هذه المنطقة (القرن الأفريقي) باستعادة الدعم العربي الذي يجسده الدور الموكول لدول الخليج ما فتئ يعمل على سحب البساط من إيران خاصة وينبئ بنجاح الدول العربية في بسط نفوذها بالمنطقة الذي تجلى أكثر عقب الأزمة اليمنية وعاصفة الحزم. العرب مهدي العموري [نُشرفي2016/12/12، العدد: 10483، ص(6)] التشيع آلية طهران الجديدة في بسط نفوذها في أفريقيا تُعتبر منطقة القرن الأفريقي، سواء بحدودها الضيقة أو الواسعة، منطقة استراتيجية، كونها تطل على خليج عدن وتشرف على باب المندب، وهي منطقة مقابلة لآبار النفط في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي وملاصقة لإقليم البحيرات العظمى في وسط أفريقيا، الذي يتميز بغنى موارده المائية والنفطية والمعدنية، ولهذا كانت هذه المنطقة محل جذب للمتنافسين من مختلف القوى الإقليمية الكبرى. وتحلت طهران ببراغماتية منذ نجاح الثورة الإيرانية، حيث سعت إلى تصدير ثورتها إلى خارج حدودها بدءا بالمناطق المجاورة في منطقة الشرق الأوسط، ثم تمادت إلى أن وصلت إلى أفريقيا سلاحها في ذلك نشر التشيع و”الاختراق الناعم”، فيما لا يخفى عن المتابع الرغبة التركية في محاصرة النفوذين المصري والإيراني في منطقة القرن الأفريقي من خلال الدبلوماسية الناعمة. ولا يخفي العملاق الروسي، أيضا، رغبته في إحياء نفوذه في المنطقة ما جعل موانئ القرن الأفريقي ساحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية. دون الغفلة عن القواعد العسكرية التي تقيمها إسرائيل في المنطقة، والتي تهدد أمن العرب وإيران على حد سواء. وعلى خلاف باقي الدول الأفريقية تلعب الدول الواقعة في منطقة القرن الأفريقي دورا إقليميا ودوليا محوريا بحكم موقعها الاستراتيجي، حيث أن منطقة القرن الأفريقي هي المنطقة الشرقية من أفريقيا والمتحكمة بمنابع النيل ومدخل البحر الأحمر الجنوبي وخليج عدن وباب المندب، وهي المنطقة التي تربط بين أفريقيا وأوروبا وآسيا عبر مضيق باب المندب الذي يعتبر شريان المبادلات التجارية الدولية بين المحيط الهندي والبحر الأحمر إلى جانب كونه مدخلا لقناة السويس. ولعبت الأهمية الاستراتيجية التي يحظى بها موقع القرن الأفريقي دورا في عملية تقسيم القوى الإمبريالية للقارة الأفريقية بعد مؤتمر برلين عام 1885، حيث سيطرت بريطانيا على شمال الصومال، في حين احتلت فرنسا جيبوتي موفرة لنفسها منفذا على البحر الأحمر، وأطبقت إيطاليا على إريتريا قاطعة الطريق أمام تمدد فرنسا. وفي حقبة الحرب الباردة شهدت المنطقة تنافسا بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي، حيث أقام الاتحاد السوفييتي قاعدة عسكرية على ميناء بربرة ليُطرد منه بعد ذلك وتؤول السيطرة عليه للأميركان. ولا تقتصر أهمية دول القرن الأفريقي على الموقع الاستراتيجي الذي يميزها، بل تمتد إلى كون المنطقة غنية بالموارد الطبيعية كالذهب والنفط والغاز الطبيعي. بالإضافة إلى كونها تزخر باحتياطات كبرى من المعادن التي تصلح للصناعات الثقيلة مثل اليورانيوم. المطامع الإيرانية ليس خافيا أن إيران تعمل منذ سنوات على التواجد بمنطقة القرن الأفريقي التي تتكون من إريتريا والصومال وجيبوتي نظرا إلى أن الحكومات في هذه الدول لا تزال طيّعة. تطوير العلاقات الدبلوماسية بين الأنظمة الخليجية ودول القرن الأفريقي فيه تعزيز للأمن الإقليمي والبحري وكان الرئيس الإيراني السابق المثير للجدل، محمود أحمدي نجاد على رأس هذا التوجه الذي كان صرّح في وقت سابق أن “لا حدود لتوسيع الروابط بين إيران والدول الأفريقية”. وخاض الدبلوماسيون والجنرالات الإيرانيين خطوات للتواجد بالقارة الأفريقية، حيث تم توقيع مجموعة من الصفقات التجارية والدبلوماسية في مجال الدفاع بالعديد من الدول الأفريقية، حيث ركزت طهران على تعزيز ولاءاتها عبر نشر التشيع والعروض النفطية والمساعدات. وتعتبر إيران إريتريا بوابتها الرئيسية في نشر التشيع في أفريقيا، كما أنها ما فتئت تبحث لنفسها عن منافذ بحرية من خلال سعيها الواضح للسيطرة على الممرات المائية كمضيق هرمز وباب المندب. ولا يخفى السعي الدؤوب لإيران لفتح ممرات بحرية وبرية تسهل عليها إيصال العتاد العسكري لوكلائها، وفي هذا الإطار تشكل إريتريا منفذا مهما لها يُمكّنها من مد المتمردين الحوثيين في اليمن بالسلاح، كما يدعم موقع إريتريا المميز تسلل بعض العناصر من الحرس الثوري إلى الداخل اليمني، مما يتيح لإيران الضغط على دول مجلس التعاون الخليجي وبشكل خاص المملكة العربية السعودية، عبر تهديد أمنها القومي. وتشكل إريتريا بوابة إيران الأولى إلى منطقة القرن الأفريقي، حيث سمحت هذه الدولة الأفريقية بإقامة 3 قواعد عسكرية إيرانية وسمحت بتدريب عناصر موالية للحوثيين على أراضيها. وفي المقابل أبرمت إيران اتفاقية تعاون نفطي مع إريتريا، وزودت طهران البحرية الإريترية بالأسلحة ما جعلها أشبه بحديقة خلفية لإيران ووكلائها في المنطقة. الترحيب بالدعم العربي بدأت دول العربية مؤخرا تهتم بمنطقة القرن الأفريقي في ظل تزايد التهديدات الإقليمية والدولية التي تستهدف الحكومات العربية، وذلك عبر وضع حد لاستمرار المخططات التي تستهدف الأمن القومي العربي والتي تسعى إلى جعل الدول العربية أشبه بكانتونات مفصولة عن بعضها البعض، بل أكثر من ذلك تتقاتل في ما بينها. ولفت محمود علي يوسف، وزير خارجية دولة جيبوتي إلى أنه “ليس هناك أي سبب سياسي” للتأخير في بدء عملية تطبيق مشروع إقامة قاعدة سعودية في بلاده، قائلا إن “حكومة جيبوتي وافقت بل شجعت على أن يكون للمملكة ولأي دولة عربية وجود عسكري في جيبوتي نظرا لما يحدث في المنطقة”. وفي إطار لعبة بسط النفوذ بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، تمكنت الدول العربية من سحب البساط من تحت أقدام الإيرانيين. وعلى سبيل المثال، في إريتريا التي كانت تحوم في الفلك الإيراني، أبرمت البلاد اتفاقية مع دولة الإمارات العربية المتحدة تتيح للأخيرة تأجير ميناء ومطار عصب لمدة 30 عاما، وإقامة قاعدة عسكرية إماراتية في إريتريا، إلى جانب السماح بتدريب قوات موالية للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في إريتريا. وفي المقابل تقوم دول الخليج بزيادة إمدادات الوقود لإريتريا، وتعمل على تطوير مطار العاصمة سمرا، بالإضافة إلى التزامها بإنشاء بنية تحتية في البلاد، وبالتالي يستفيد النظام الإريتري من الاستثمارات الخليجية ومن فك العزلة الدولية كنوع من الاعتراف بشرعيته، كما أن التقارب مع دول مجلس التعاون الخليجي يتيح لإريتريا أن تكون حليفا في الحرب على الإرهاب والتطبيع مع العالم العربي في شكله الأوسع. وأبرم الصومال في ديسمبر عام 2015، اتفاقية مع شركة “موانئ دبي العالمية” من أجل تحويل ميناء “بربرة” إلى مرفأ تجاري محوري في القرن الأفريقي. كما تقدّم الإمارات دعما اقتصاديا وأمنيا وعسكريا لدول القرن الأفريقي في مواجهة الحركات الإرهابية مثل “حركة الشباب الصومالية”، حيث أقامت في مايو عام 2015 مركزا للتدريب العسكري لمواجهة الإرهاب. ومنذ اندلاع ثورات ما يعرف بالربيع العربي وإقدام طهران على توغلها في المنطقة، في سوريا واليمن والعراق وإثارة القلاقل في البحرين، إضافة إلى توصلها لتوقيع اتفاقها النووي مع الدول الكبرى، وأزمة إعدام رجل الدين السعودي الشيعي نمر النمر وما أعقبها من اعتداءات على سفارة المملكة العربية السعودية في إيران، بات وضحا أن عملية الشد والجذب بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي ماضية في طريق لا رجعة فيه. ويأتي التحول في علاقة دول مجلس التعاون الخليجي بمنطقة القرن الأفريقي، نتيجة لرغبة جامحة في إحداث موقع استراتيجي ولملء الفراغ الأمني والعسكري واحتلال موقع متقدم في الصراع الإقليمي مع إيران، إلى جانب تأمين سبل الدفاع عن المملكة العربية السعودية شرقا وغربا. كما أن منطقة القرن الأفريقي يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في الضربات الجوية التي تشنها قوات التحالف التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين. لا يخفى سعي إيران الدؤوب لفتح ممرات بحرية وبرية تسهل عليها إيصال العتاد العسكري لوكلائها في المنطقة ويساهم تطوير العلاقات الدبلوماسية بين الأنظمة الخليجية ودول القرن الأفريقي في تعزيز الأمن الإقليمي والبحري عند باب المندب، إلى جانب تحجيم عمليات القرصنة التي تشنها المجموعات الإرهابية عبر البحار، كما يدعم أيضا السيطرة على عمليات تهريب السلاح إلى اليمن أو مناطق الصراع الأخرى في الشرق الأوسط. المنافسة التركية الروسية تبحث القوى الإقليمية الكبرى عن موطئ قدم في منطقة القرن الأفريقي ما وجه أنظار كل من موسكو وأنقره إلى هذه الرقعة الجغرافية في منافسة محتدمة لاغتنام نصيبهما منها، فبدا اهتمام أنقرة بأفريقيا يتزايد بشكل عام في منحى يتخذ دبلوماسية ناعمة. ويذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حاول تطوير علاقات بلاده مع دول هذه المنطقة إثر زيارة أداها في يناير عام 2015 إلى كل إثيوبيا والصومال وجيبوتي وإريتريا. وقد طغت التوجهات الاقتصادية على تعاملات الأتراك مع دول المنطقة، التي كانت غايتها الترفيع في الصادرات التركية إلى منطقة القرن الأفريقي والعمل على تحقيق نفاذ شركاتهم إلى الأسواق الأفريقية إلى جانب تنفيذ جملة من المشاريع الاستثمارية هناك. وفي المقابل وجهت موسكو اهتمامها بمنطقة القرن الأفريقي نظر للأهمية التي تشكلها المنطقة في التجارة البحرية العالمية، خاصة تجارة النفط. ويبدو أن توجه موسكو لإعادة إحياء نفوذها في المنطقة لا يبعد كثيرا عن ملفي ضم الأخيرة لشبه جزيرة القرم، بالتوازي مع التدخل الروسي على الأرض في سوريا التي تشهد حربا أهلية متواصلة منذ خمس سنوات. وترى موسكو أن تواجدها في منطقة القرن الأفريقي يندرج في إطار سعي الأخيرة لمحاصرة الإرهاب العابر للحدود، الذي تمثله “حركة الشباب” الصومالية ونشاط القرصنة. وتعتبر روسيا الدول الأفريقية حليفا بإمكانه أن يؤيد توجهات موسكو في ملفي الأزمتين الأوكرانية والسورية اللذين تراهن عليهما موسكو بشدة من أجل العودة إلى لعب دور ريادي على الصعيد الدولي، وتحويل العالم من القطبية الأحادية التي تكون فيها الولايات المتحدة اللاعب الأبرز في القضايا العالمية إلى قطبية ثنائية تاريخية كانت قائمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قبل الحرب الباردة. كاتب ومترجم من تونس :: اقرأ أيضاً روسيا تسعى لمد هيمنتها إلى المغرب العربي الثأر موروث تاريخي للجماعات المسلحة في مواجهة الدولة المصرية حلب المنعطف الحقيقي للحرب في سوريا المولد في تونس: من الصنوبر الحلبي إلى المديح النبوي
مشاركة :