الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة في المنطقة بشكل عام، وبالداخل المصري بشكل خاص، باتت تهدد بريقه، الذي استمده من أعداد الناشرين المشاركين به، بالإضافة إلى عدد زواره، الذي يزيد على 2 مليون زائر سنويا. تحديات كثيرة يشهدها المعرض في دورته هذه، منها ارتفاع أسعار أدوات الطباعة من ورق وحبر وآلات الطباعة أمام دور النشر، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة إقامة المعرض، إذ أن سعر إيجار المتر الواحد خلال فترة إقامته، بلغ 500 جنيه للناشر المصري (28 دولارا تقريبا)، و176 دولارا للناشر الأجنبي، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن، وتأثر فئات كبيرة من المصريين بالظروف الاقتصادية الراهنة، ما قد يدفعهم إلى العزوف عن زيارة المعرض. حل المشكلة الحالية للمعرض، يتمثل في ضرورة دعمه من وزارات ورجال أعمال وتخفيض الرسوم المقررة على أجنحة العرض وبحسب مراقبين، فإن أزمات معرض القاهرة للكتاب تنقسم إلى شقين؛ الأول متعلق بالحالة المصرية وتأثرها بالقرارات الاقتصادية الأخيرة، والثاني بمشاركة دور النشر العربية والأجنبية، التي تجد صعوبة في الترويج لمنتجها الثقافي، بعد انخفاض قيمة الجنيه، ما قد يعرضها لخسائر فادحة في حال عزوف المواطنين عن الشراء. ومع استمرار الأزمة، حذر اتحاد الناشرين العرب، من احتمال تقليص المشاركة في المعرض هذا العام، فمن المتوقع أن تنخفض إلى نحو 200 دار نشر عربية، ومثلها من دور النشر المحلية، من إجمالي حوالي 800 دار نشر كانت تشارك كل عام. لكن انخفاض أعداد المشاركين ليس هو الهاجس الوحيد، بل هناك مشكلة أخرى، تتمثل عموما في تدني حجم إنتاج دور النشر من الكتب، إذ بينما كان متوسط ما تصدره دار النشر الواحدة في مصر، يتراوح بين 60 و80 كتابا سنويا، فإن هذا المتوسط انخفض إلى ما بين 25 و30 كتابا فقط في السنة. نداءات عاجلة يقول عادل المصري، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، لـ”العرب”، إن القارئ المصري والعربي سيدفع فاتورة غالية هذا العام للتفاعل مع المعرض، فضلا عن الناشرين، فالمعرض هذه السنة سيشهد تراجعا كبيرا في عدد العناوين، نتيجة ارتفاع سعر الورق وتعويم الجنيه. ويؤكد المصري أن قرارات مصر الاقتصادية الأخيرة تنعكس في شكل زيادة في سعر الكتاب المطروح للقارئ العربي، وبالتالي يزداد إحجام القراء، الذين تعاني الأغلبية منهم بالفعل من الظروف المعيشية الضاغطة، وهو ما سيؤدي بدوره إلى كساد صناعة الكتاب بشكل عام. ويوضح ضيفنا أن إنقاذ معرض الكتاب العام الحالي سيكون من خلال إصرار الناشرين المحليين والعرب على المشاركة فيه، إذ أنه يعد الأكبر من حيث الإقبال والنشاط، وبالتأكيد هم يقدرون الظرف العصيب الذي تمر به العواصم العربية وخاصة القاهرة. بدورهم وجه العديد من المثقفين والكتاب المصريين والعرب، نداءات عاجلة للحكومة المصرية، والرئيس عبدالفتاح السيسي بالتدخل لإنقاذ المعرض، والذي يعد أكبر فرصة لتنمية صناعة النشر المصرية، وملتقى لرواد النشر العربي، وهو المعرض الأضخم بالمنطقة، إذ يعد عرسا ثقافيا وسياسيا فريدا تشهده العاصمة القاهرة كل عام. قرارات مصر الاقتصادية الأخيرة تنعكس بزيادة في سعر الكتاب وأسعار أجنحة العرض وبالتالي إحجام القراء والناشرين وطالبوا بتخفيض الرسوم المقررة على أجنحة دور النشر، والتي يبلغ إجمالي قيمتها 7 ملايين جنيه (نحو 400 ألف دولار تقريبا)، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات في سدادها، بجانب إدخال بعض الرعاة من الوزارات والهيئات ورجال الأعمال للمعرض، بحيث يستطيع الارتقاء بمستوى الأماكن التي تستضيف المعرض كل عام. ومعرض القاهرة الدولي هو الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وفي عام 2006 اعتبر ثاني أكبر معرض في العالم، بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وكانت أول دوراته في عام 1969، آنذاك كانت القاهرة تحتفل بعيدها الألفي، فقرر وزير الثقافة وقتها، ثروت عكاشة، الاحتفال بالعيد ثقافيا، فعهد إلى الكاتبة والباحثة المصرية الراحلة، سهير القلماوي، بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب. وهناك جانب آخر لمعرض القاهرة للكتاب، هو البعد القومي، حيث مثلت بداياته، دعما عربيا ثقافيا لمصر، عقب هزيمة 1967، بعد أن أصرت الدول العربية على المشاركة فيه، لتقديم الدعم المعنوي والثقافي للدولة المصرية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، إلى أن أصبح بعد ذلك يشكل أهم روافد دور مصر الفاعلة في الثقافة العربية على مدار عقود طويلة. ويجد العديد من الناشرين العرب والمصريين المعرض فرصة ثمينة لعرض منتجاتهم الثقافية مع بداية العام، ما يمثل أهمية قصوى بالنسبة إليهم، كما أن أعداد المقبلين عليه سنويا تجعله السوق الثقافية الأكبر على مدار العام. وكان عدد الدول المشاركة في المعرض العام الماضي قد بلغ 35 دولة، من بينها 24 دولة عربية وأفريقية و11 دولة أجنبية، كانت ممثلة بثماني مئة وخمسين ناشرا، من بينهم 250 ناشرا عربيا و550 ناشرا مصريا. لكن يتوقع عدد من الناشرين العرب، أن يكون الوضع بالنسبة إلى العام الحالي مختلفا، إذ أن تأثير الظرف الراهن سيكون أكبر وطأة خاصة على الناشرين العرب والأجانب الذين يحلون ضيوفا على المعرض، والذين يضعون أسعار كتبهم بالدولار، فالكتاب الذي كان يباع في العام الماضي بعشرة دولارات مثلا، (حوالي 80 جنيها حينها)، سيكون هذا العام سعره 180 جنيها أو أكثر، وهو ما سيجعل الإقبال على الشراء ضعيفا. ومن جانبه يقول فتحي البس، رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين، في تصريحات إعلامية “أكاد أقول إننا كناشرين أردنيين لن نشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته المقبلة، بسبب الصعوبات التي نواجهها”، لافتا إلى أن ذلك يرجع إلى ارتفاع التكلفة الهائلة على الناشر، سواء في الشحن والإقامة، أو في أجرة الجناح والنفقات. ويؤكد محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، أن أزمات معرض القاهرة للكتاب لا تنفصل عن تفاقم أزمات صناعة النشر العربية بشكل عام، ملفتا إلى أن الناشرين العرب، يعانون من أوضاع صعبة، نتيجة ما يحدث في المنطقة من مشاكل سياسية واقتصادية معلومة للجميع. وطالب رشاد القائمين على إدارات المعارض المختلفة للكتاب بضرورة المساواة بين الناشرين العرب، وعدم تجاوز رسوم الاشتراك في أي معرض لحاجز الـ110 دولارات للمتر الواحد، وهدد بإعادة النظر في علاقته مع إدارات المعارض استنادا إلى مدى التزامها بتنفيذ تلك التوصيات بدءا من عام 2017. وتواجه صناعة النشر في العالم العربي العديد من التحديات، أهمها ضعف الاهتمام بتنمية عادة القراءة لدى الأفراد منذ الصغر، وارتفاع نسبة الأميّة، وتفشي ظاهرة التزوير، بالاعتداء على حقوق الملكية الفكرية للمؤلف والناشر، والتي أضحت ظاهرة تقوم عليها عصابات منظمة في جميع البلدان العربية. قرارات مصر الاقتصادية الأخيرة تنعكس في شكل زيادة في سعر الكتاب المطروح للقارئ العربي، وبالتالي يزداد إحجام القراء، الذين تعاني الأغلبية منهم بالفعل من الظروف المعيشية الضاغطة ويعد “الناشرون العرب” أعمدة المعارض العربية، وسفراء التبادل الثقافي بين الدول العربية والعالم، لأنهم ينتقلون طيلة العام من دولة إلى أخرى، مساهمين بفاعلية في إنجاح المعارض، التي يفترض أنها نشاطات ثقافية تفخر بها الدول وتتباهى بإقامتها، احتفالا بمناسبات وطنية ولوضع بلدانها على قائمة الدول الأكثر تقدما وعناية بالثقافة. المعرض ومعركة الإرهاب شدد المثقفون العرب، على أن مقاومة الأفكار المتطرفة، تتطلب تقديم الدعم الحكومي الأكبر لمخرجات الثقافة العربية، لأنها هي حامية الهوية العربية، وأداة مقاومة التخلف، وأساس التنمية الاقتصادية المستدامة. كما أن المعركة مع الإرهاب، التي تخوضها مصر، واهتمامها بتجديد الخطاب الديني لمواجهة التطرف، يستلزمان تقديم يد العون لنشر الأفكار المستنيرة، من خلال تقديم تسهيلات إدارية ومادية تسهل رواج المعرض، باعتباره سلاحا حقيقيا في مواجهة التطرّف الفكري والإرهاب. وأكد المثقفون على أن معرض القاهرة الدولي للكتاب، يعد المتنفس الوحيد للشباب المحبين للاطلاع والمتطلعين إلى المعرفة، إذ أن الإحصائيات الرسمية لوزارة الثقافة المصرية، تشير إلى أن النسبة الأكبر من رواد المعرض، والتي تمثل 29 بالمئة من رواده في العام الماضي، كانت من الفئة العمرية، بين 18 و30 سنة، والفئة التالية ونسبتها 22 بالمئة كانت ما بين 30 و39 سنة، أي أن رواد المعرض الحقيقيين، هم تلك الفئة العمرية المستهدفة من فكر التطرّف الديني، الذي أوصلنا إلى مرحلة الإرهاب. وبدورهم، يشير سياسيون مصريون إلى أن معرض القاهرة الدولي للكتاب، كان ضمن أهداف جماعة الإخوان، لتوصيل أفكارها وتثبيتها في وجدان الشعب المصري والشعوب العربية، وبالتالي فإنها حرصت خلال توليها مقاليد الحكم في مصر لمدة عام على إقامته والاهتمام به، بالرغم من هدمها لأنشطة ثقافية أخرى، وترصدها لدار الأوبرا المصرية، ومعارضتها لإقامة فنون الباليه عليها. القارئ المصري والعربي سيدفع فاتورة غالية هذا العام تقول سكينة فؤاد، الكاتبة المصرية ومستشارة الرئيس السابق عدلي منصور، لـ”العرب”، إن استمرارية معرض الكتاب بقوته، تعد أمرا ضروريا بالنسبة إلى أي حاكم في مصر، إذ أنه يمثل قوى أساسية من قوة مصر الناعمة، بالإضافة إلى كونه موسما للتلاقي العربي والدولي، وتوقعت أن الدولة المصرية، ستكون حريصة على إقامته بشكل لائق هذا العام. وتضيف فؤاد أن الظروف الراهنة التي تعيشها مصر، سواء في ما يتعلق بظهور أصوات شاذة داخل البرلمان، لا تفرق بين الإبداع وخدش الحياء، أو بالحاجة الماسة إلى تجديد الفكر الديني، بالإضافة إلي استمرار معاناة السياحة المصرية، والحاجة إلى وجود فعاليات تجذب المزيد من الأجانب للداخل المصري، كل ذلك يُعد دوافع قوية لإنجاح الدورة الحالية من المعرض مطلع 2017. وتوضح فؤاد أن هناك ظروفا اقتصادية فرضت على مصر خلال الفترة الحالية، جعلت من اهتمامها بالجانب الفكري والثقافي أمرا ثانويا، في مقابل الأزمات المعيشية والاقتصادية التي تواجهها، إلا أنها تأمل في بذل محاولات جادة، من قبل الحكومة المصرية، للإبقاء على المعرض، كرمز يجسد المعاني التراثية والحضارية والثقافية للدولة المصرية. ويأمل الكثير من المثقفين المصريين في أن يكون هناك دعم عربي للمعرض، من خلال زيادة المشاركة فيه وإنجاحه، في إطار منظومة عربية شاملة للتعاون الثقافي، وتحديدا في الظروف الراهنة، التي تعانيها العديد من البلدان العربية، وأن يتم التوسع بشكل أكبر في إقامة الندوات والفعاليات المشتركة، لإثراء الفكر الثقافي العربي في مواجهة الفكر التشددي الظلامي الذي بات يهدد الجميع. ويرى عادل المصري أن حل المشكلة الحالية للمعرض، يتمثل في ضرورة تقديم وزارتي الثقافة والتجارة والصناعة المصريتين الدعم له، كونه يعتبر حدثا داعما للسياحة، نظرا إلى عدد الناشرين الذين يحضرون إلى مصر من أجله، من خلال تخفيض قيمة اشتراكات المعرض، لتخفيف الحمل على الناشرين والجمهور. :: اقرأ أيضاً ساحر من إيرثسي أول عمل يناقش مدرسة السحرة مقالات نقدية في جماليات قصيدة النثر النسوية ذئاب منفردة.. متعة الاكتشاف في وسط الانهيار الكوني بير كيركبي رسام الزمن المعلق في عري مطلق
مشاركة :