في نقد العقل السني العراقي: قصور عن فهم الداخل وتصور خطر الآخر بقلم: أسعد البصري

  • 12/13/2016
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

العراق في طور التحول إلى بلد شيعي بشكل كامل، وعلى السنة التحلي بنوع من الواقعية وتقبل هذا الأمر دون ردات فعل جهادية، فقد اكتشف سنة العراق أنهم في الحقيقة وحيدون ويريدون العيش بسلام محنة مشابهة لمحنة الشيعي العراقي عام 1980 حين طلب منه صدام حسين أن يحمل السلاح ويقاتل الإمام الخميني، أن يطلق الرصاص على جنود ينادون “يا حسين” لأجل الوطن. هنا جلس رجل واسع الحكمة والحيلة صاحب كرسي حوزة النجف المرجع آية الله أبوالقاسم الخوئي وقال للشيعة لا بأس قاتلوا الخميني، حتى لا يقول التاريخ خنتم وطنكم وحكومتكم وجيشكم، حتى لا يُقال تبع الشيعي إمامه الفارسي وترك شريكه في الوطن نهبا للغزاة. هكذا حمل الشيعة سلاحهم في الأعم الأغلب (هناك استثناءات ومواقف شخصية) بسبب عدم وجود فتوى من النجف تحرم طاعة الحكومة. وصوبوا بنادقهم وعيونهم غارقة في الدموع وقتلوا آلاف الآلاف من الإيرانيين. ليست محنة سهلة عليهم حينها، والطقوس الشيعية ممنوعة، والأخ معدوم شنقا بشبهة حزب الدعوة. والأم تعضّ الحجر وتبكي في الحمّام. والأب يدفع ثمن الرصاصات ويتسلم جثة ولده خائن العروبة والوطن عميل المجوس. مع هذا لا مشكلة على الإطلاق؛ تنتهي إجازتك وتلتحق بالجبهة لتلبية الواجب، تذبح جنود إمامك بيديك، وترقص على جثث الفرس في صور من المعركة، محنة وجدانية. لقد قاتل الشيعة وما خانوا الوطن بفتوى من النجف، وهكذا حافظ الخوئي على المذهب الشيعي ولم يعرضه لانتقام سلطان تدعمه الأنظمة السنية والولايات المتحدة حينها. سنة العراق اليوم لا يمتلكون مرجعا بهذه الإمكانية، وجاءتهم المِحنة نفسها. لا يتحملون الانضباط ضد عاطفتهم المباشرة، لا يستطيعون أن يسيروا مع الحكم الشيعي على السمع والطاعة. وهنا وقع ذلك الخيار المدمر وهو التمرد والسلاح والتطرف والجهاد وداعش، ولهذا كتبت بأن المذهب السني قد يزول من العراق بعد تحرير الموصل. بحسب الإحصائيات العالمية فإن خسائر إيران في حرب الثمانينات من القرن العشرين قدرت بتريليون دولار ونصف مليون قتيل ونصف مليون معاق. هل تعرف ما معنى نصف مليون قتيل إيراني؟ الإحصائيات العالمية نفسها تقول إن خسائر سوريا حتى الآن 300 ألف قتيل سوري من الجانبين النظام والمتمردين. بمعنى قتلى سوريا حتى اليوم هم نصف قتلى إيران في تلك الحرب. وتقول التقارير إن خسائر العراق في حروبه وحصاره حتى عام 2003 حوالي مليونَي مواطن وأكثر من تريليون دولار بكثير، وإلى حد هذه اللحظة لم يستفد لا شيعة إيران ولا شيعة العراق من ثرواتهم النفطية والطبيعية التي كانت ستؤهلهم للعيش بمستوى الخليج. تم تحميل سنة العراق المسؤولية عن صدام حسين واعتبروا أداة الجريمة، بدليل أنه حين خرج الشيعة والأكراد وانتفضوا على صدام حسين بالسلاح عام 1991 بتحريض من الرئيس بوش الأب كانت محافظات السنة “بيضاء” ولم تشارك في “صفحة الغدر والخيانة” وإلى اليوم بَعضنا يحب صدام حسين، إذن هو محسوب علينا. صانع السجاد الإيراني جر الصين إلى تحالف اقتصادي مباشر، وجر موسكو لتكون سيدة المنطقة والحوار وقائدة التحالف. على واشنطن وضع خطط مختلفة تماماً لا علاقة لها بإيران بل عليها التعامل مع روسيا سنة العراق في نظر الشيعة الذراع التي أشعلت الحرب العراقية الإيرانية، وغزت الكويت، وجلبت الحصار والجوع، وهدرت ثروات البلاد ومستقبل الأجيال. لهذا حين استلموا الحكم بصفقة عام 2003 كانوا يريدون الحجة للبطش بالسنة الذين من جهتهم لم يفهموا، وأخذوا راحتهم في مقاومة الاحتلال الأميركي والفارسي واتهام الشيعة بالخيانة ثم الطعن في عقيدتهم. لم يدركوا أن شيعة العراق وإيران يحملونهم المسؤولية عن ضياع مستقبلهم وهدر ثرواتهم. العراق رفع الحصار الاقتصادي بالاحتلال، فحاصروه بالمفخخات والإرهاب والقاعدة، لهذا الشيعي حاقد، لأننا لا نفهم سبب حقده. إنه يعلم أننا لن نكون سوى هدر ل دمه وثرواته وتوريطه في حروب بالوكالة نيابة عن الأثرياء، وأننا لن نجلب الخير للعراق. الشيعة لا يمتلكون مهارات إدارية للحكم، ولم نعطهم فرصة للتعلم، نغرقهم في الدماء ولو بدمنا. نتأثر بالتحريض والمخابرات والمساجد. لهذا هم مصممون على إلغاء المذهب السني في العراق، فهو في نظرهم أداة العرب لهدر دماء الشيعة وثرواتهم، تماما كما نرى نحن المذهب الشيعي أداة إيران لتهديد العرب. قرار من الحكومة بتعويض كل عراقي كان في رفحاء والأرطاوية، راتب تقاعد مدى الحياة، مع مبلغ معقول لبداية حياته يقدر بحوالي 30 ألف دولار. لماذا؟ لأن السعودية وضعتهم في مخيمات عزل ولم تدخلهم إلى الرياض ونجد كما فعل حافظ الأسد مع العراقيين. لهذا السبب شعر الشيعة بالإهانة وما زالوا يذكرونها. حقيقة الدولة الإيرانية قال كيسنجر منذ زمن بعيد إن على إيران أن تختار؛ فإما أن تتصرف كدولة، وإما أن تتصرف كعقيدة. الحقيقة بعد عقود على مقولة كيسنجر أثبتت إيران قدرتها على أن تكون دولة وعقيدة في الوقت نفسه. وهنا المشكلة. ماذا تريد إيران بالضبط؟ والتر راسل ميد أجاب عن هذا التساؤل في جملة واحدة “إيران تريد قلب الهيمنة السعودية في الشرق الأوسط، وزعزعة السلطان القوي للسنة العرب بسلطان جديد مركزه طهران”. وبعبارة أخرى إيران محكومة بقدر وطموح بعيدين جدا. قال كيسنجر منذ زمن بعيد إن على إيران أن تختار، فإما أن تتصرف كدولة، وإما أن تتصرف كعقيدة، الحقيقة بعد عقود على مقولة كيسنجر أثبتت إيران قدرتها على أن تكون دولة وعقيدة في الوقت نفس. الذي أزعج الولايات المتحدة أنها كانت ترخي الحبل لإيران حتى تظن أنها اللاعب الوحيد في المنطقة، ثم تأتي أميركا وتصطادها متورطة في المصيدة. الذي حدث هو أن إيران كانت تعلم ذلك. وساعدت روسيا على بسط نفوذها في المنطقة حيث قدمت لموسكو رجالا على الأرض وثلاث حكومات شيعية هي إيران والعراق وسوريا إضافة إلى لبنان. ومنحت لأول مرة قاعدة عسكرية لدولة أجنبية على الأراضي الإيرانية. وفاجأت واشنطن بأن البيت الأبيض هو الذي يظن نفسه اللاعب الوحيد في العالم، وأن روسيا قد أصبحت مستعدة اليوم للجلوس إلى الطاولة ومناقشة قضايا الغاز الطبيعي وسوريا وأوكرانيا إضافة إلى أمن حلفائها. هذا الأمر قلب الطاولة تماما فكل الكتب الأميركية كانت مبنية على أن إيران دولة شيعية تدعم الإرهاب وتضطهد الأقليات، ويحكمها آيات الله بنظام ولاية الفقيه، وعندها طموحات توسعية وأن أميركا ستشدد العقوبات عليها لينهار اقتصادها، واستدراجها لارتكاب حماقة مشابهة لحماقة صدام حسين في احتلال الكويت، ثم تدميرها وتجويعها بحجة حقوق الإنسان وأسلحة الدمار الشامل ثم يتم حمل مجاهدي خلق على دبابة أميركية إلى طهران. هذا السيناريو كله تحطم لأن صانع السجاد الإيراني جر الصين إلى تحالف اقتصادي مباشر، وجر موسكو لتكون سيدة المنطقة والحوار وقائدة التحالف. على واشنطن وضع خطط مختلفة تماماً لا علاقة لها بإيران بل عليها التعامل مع روسيا. لم تتخيل واشنطن أن تصل الجرأة بوزير الدفاع الروسي إلى أن يقول إنه سيسقط أي طائرة تعتدي على الجيش السوري. ولم تتخيل واشنطن أن المشورة بين موسكو وطهران كانت مستمرة وهناك تنسيق مع فلاديمير بوتين، وفي اللحظة المناسبة انبثق العملاق الروسي في المنطقة. مسألة سوريا بالنسبة إلى موسكو هي مسألة حياة أو موت، إذا انهار النظام وتم مد أنابيب الغاز والنفط ينهار اقتصاد موسكو.شيعة العراق رغم كل الدعم الأميركي لهم، وتلك الجهود التي جلبتهم إلى الحكم، فإنهم لا يثقون بالولايات المتحدة ويعلنون تحالفهم الصريح مع طهران. وفوق ذلك الولايات المتحدة عمليا مجبرة على دعمهم في القضاء على داعش، ومجبرة على هدم المدن السنية العراقية بالطائرات لتسهيل مهماتهم القتالية على الأرض. إذا رفضت دعمهم في مكافحة الإرهاب فإن روسيا ستعمل على توفير الدعم الجوي. وشيعة العراق شكلوا علنا وبكل جرأة غرفة عمليات رباعية مشتركة بين سوريا وإيران وروسيا والعراق لمكافحة الإرهاب، وجعلوا مركز تلك الغرفة في بغداد عمدا. هذا كله نسيج إيراني واضح. نقطة الضعف الوحيدة هي أن شيعة العراق استلموا الحكم بصفقة مع الأميركان، هناك خيانة لمبادئهم في هذا الموضوع. كان مشروع الخميني أساسا الاستقلال السياسي بتأميم النفط والغاز، وطرد الشركات الاحتكارية. لم يكن عند شيعة العراق خيار بسبب بطش صدام حسين الطويل والحصار والجوع، لهذا وافقوا على السلطة مقابل تسليم الثروات النفطية والغاز إلى الشركات الأميركية. وهذا شكل حالة تناقض بين مبادئ الخميني الثورية وبين الحكم الشيعي العراقي. العراق في طور التحول إلى بلد شيعي بشكل كامل، وعلى السنة التحلي بنوع من الواقعية وتقبل هذا الأمر دون ردات فعل جهادية عبر هذا التناقض عن نفسه بشكل واضح من خلال انقسام شيعي سياسي بين أتباع إيران وأتباع أميركا. أتباع الخميني يقولون خنتم مبادئ محمد باقر الصدر وبهشتي والخميني، وأتباع أميركا يقولون الاستقلال السياسي معناه العقوبات الاقتصادية والحصار والجوع والقصف وفقدان السلطة. هذا التناقض تم احتواؤه حتى الآن بواسطة المرجعية الشيعية التاريخية التي حرمت الدم الشيعي على الشيعي. إن أوضح مثال على هذا الانقسام داخل البيت الشيعي تأسيس الحشد الشعبي كقوة رديفة قانونية مشابهة للحرس الثوري الإيراني، وقد تدير اقتصاد العراق. الخلاصة هي أن العراق في طور التحول إلى بلد شيعي بشكل كامل، وعلى السنة التحلي بنوع من الواقعية وتقبل هذا الأمر دون ردات فعل جهادية، فقد اكتشف سنة العراق أنهم في الحقيقة وحيدون ويريدون العيش بسلام، خصوصا وأن الدولة الشيعية لا ترفض الناس إذا استسلموا للواقع الجديد وتقبلوه، بدليل أنه لا يوجد عنف مشابه ضد سنة إيران مثلا. في النهاية علينا القبول بالخسارة والبحث عن لقمة العيش في الدولة الجديدة بعد تحرير العراق من الإرهاب. يؤسفني أن أكون ناقلا لهذا النوع من الأخبار. فلنتذكر طبقة النبلاء بعد الثورة الفرنسية، معظمهم هرب إلى لندن خوفا من المقصلة الرهيبة التي دحرجت الرؤوس، وفي محاولتهم الفاشلة للعودة إلى الحكم وإسقاط الثورة كانوا يسهرون في حفلات باذخة واجتماعات حتى الصباح كل يوم تقريبا؛ قال عنهم المؤرخ الفرنسي رينان “لم ينسوا شيئا، ولم يتعلموا شيئا”. ربما هذا بالضبط ينطبق على سنة العراق منذ صدمة فقدان السلطة عام 2003. لكأننا عاجزون حقا عن تحريك الزمن، وكأن حزب البعث يأسرنا إلى الأبد بأفكاره وأناشيده، وكأن سلطته موجودة حتى بعد فقدانه كل سلطة. نحن بحاجة إلى نسيان الماضي بشكل عملي، إلى تعلم أشياء جديدة لأجل البقاء والتوقف عن تفجير أنفسنا. كاتب عراقي :: اقرأ أيضاً إلى متى نبقى أسرى معادلة إما التكفير وإما التغريب من البادية إلى عالم النفط.. سيرة وزير تختصر تاريخ الخليج والثروة ما جدوى المال: أقدم سؤال طرحته البشرية منذ اكتشاف الملكية

مشاركة :