"السنكروترون" مشروع علمي بلا نظير يقلب موازين الصراعات السياسية في الشرق الأوسط

  • 12/13/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

مصر وإيران وإسرائيل وتركيا، خصوم أشداء على أرض السياسة في الشرق الأوسط فرقتهم الحروب والصراعات منذ عقود طويلة. وها قد حانت اللحظة التاريخية التي ينظرون فيها إلى الأمام ويضعون السياسة جانبا، فالعلم يتحدث الآن. هذه الدول وغيرها في الشرق الأوسط قررت بناء أكبر مسرع إلكتروني (سنكروترون) في المنطقة بغرض دعم الأبحاث العلمية وسبر أغوار المادة. مشروع المسرع الضوئي لأبحاث العلوم التجريبية والتطبيقات في الشرق الأوسط (سيزام) هو أول مركز أبحاث دولي يقع في الشرق الأوسط ويجمع دوله بعيدا عن الخلافات السياسية الطاحنة حول أهداف علمية بحتة تساهم في نشر السلام وخلق مستقبل أفضل لشعوب المنطقة. ويقع هذا المركز العلمي قريبا من مدينة السلط الأردنية. والمشروع مؤسس على مثال المركز الأوروبي للأبحاث النووية (CERN) في سويسرا وبرعاية اليونيسكو. الدول المساهمة في هذا المشروع العملاق الذي من المقرر أن يفتتح في 16 مايو/أيار العام 2017، هي مصر وإيران وإسرائيل والبحرين والأردن وباكستان وتركيا وفلسطين وقبرص. إضافة لعدد كبير من الدول التي تشغل صفة المراقب كالصين والبرازيل والاتحاد الأوروبي وسويسرا والولايات المتحدة والسويد وبريطانيا. هذه الدول التي تفرقها السياسة ويجمعها العلم قررت بناء هذا السنكروترون العملاق والمكلف بهدف واحد: سبر أغوار المادة. ما هو السنكروترون؟ المسرع الدوراني التزامني الضوئي هو مصدر قوي لأشعة-إكس الناتجة عن الإلكترونات المسرعة داخل دائرة كبيرة (سنكروترون) تحتوي على حقلين أولهما مغناطيسي (لتحريك الجسيمات بحركة دورانية) وثانيهما كهربائي (لزيادة سرعة الجسيمات). ويستخدم في الفيزياء لدراسة اصطدام الجسيمات بذرات مواد مختلفة كالحديد والألومنيوم وقياس نتائج الاصطدام، وكذلك في التصوير الإلكتروني وفي الطب لعلاج الأورام الخبيثة بالأشعة السيكلوترونية. السنكروترون سيستخدم الحزم الضوئية للإلكترونات المسرعة في دراسة وفهم المخطوطات والبرديات من الحضارات القديمة وكيف تشكلت وما هي الحيوانات والنباتات التي استخدمت في صناعتها والمواد الأولية التي ساهمت في عملها وحفظها، كما يقول يان غونفيغ، 77 عاما، الباحث والمتخصص في دراسة مخطوطات البحر الميت في الجامعة العبرية بالقدس في تصريح لجريدة لوموند الفرنسية. هذا السنكروترون ليس مصمما فقط لدراسة ناتج تصادم الذرات وتحليل الجزيئات للجسيمات الأولية كما يفعل مسرع إل إتش سي التابع لمركز سيرن (CERN) الشهير في أوروبا، ولكن أيضا لصناعة وإنشاء أقوى الميكروسكوبات الموجودة على الإطلاق. الكيميائي الإيراني الشاب مايديه دارزي يحلم بتطبيق التقنية الجديدة على مخطوطات متحف طهران، يقول أريد مقارنة الوسائل والتقنيات بين الثقافات المختلفة، من مخطوطات القرآن إلى مخطوطات التوراة ما هو المشترك وما هو المختلف؟ وإنشاء قاعدة معلومات أساسية وضرورية للعمل ولبحث الأركيولوجي. هذا المركز يضم علماء بيولوجيين وكيميائيين لا يهدفون فقط لدراسة تركيب المخطوطات وإنما أيضا لدراسة الأمراض المستعصية وإنتاج الأدوية، فهناك باحث مصري يدرس تأثير النباتات المصرية التقليدية على النسيج العصبي لمرضى الزهايمر. وآخر فلسطيني، أحمد بصلات، يرغب في تتبع آثار ملوثات المياه الجوفية في الأراضي الفلسطينية وتحليلها والتي تسمم هذه المياه وتمنع الاستفادة منها. الباحثة المصرية جيهان كامل مسؤولة وحدة الأشعة تحت الحمراء بدأت العمل في وحدتها حتى قبل أن يكتمل بناء السنكروترون وقبل إطلاق وحدة مسرعات الإلكترونات، تتحدث عن كثافة الطلبات للعمل مع وحدتها في كافة المجالات الطبية، بيولوجيا النباتات والبيولوجيا البحرية والطب البيولوجي. وإذا ما سار كل شيء على ما يرام فإن التشغيل المبدئي لوحدة التسريع ستكون قبل بداية العام 2017 أما وحدتا الأشعة تحت الحمراء وإطلاق وامتصاص أشعة-إكس فسيدخلان إلى العمل قبل بداية الصيف. يقول محمود عبد اللطيف أحد المسؤولين: نفكر في افتتاح السنكروترون العام المقبل لكن العمل يسير بخطى أكثر من المتوقع وهذه فعلا معجزة هناك ما يزيد عن ستين سنكروترون في أنحاء العالم تدرس تركيب وأسرار المادة وتعمل على مجالات مختلفة مثل البيئة والبيولوجيا والصيدلة والكيمياء وعلم الآثار وتطبيقات تكنولوجيا النانو. صور من داخل مشروع السنكروترون العملاق في الشرق الأوسط © SESAME © SESAME © SESAME © SESAME © SESAME © SESAME © SESAME © SESAME تحقيق السلام في المنطقة أليعازر رابينوفيتشي الفيزيائي الإسرائيلي نائب رئيس سيزام يروي لنفس المصدر (جريدة لوموند) قصة هذا المشروع قائلا: طوال حياتي تربيت على فكرة ضرورة بناء وتحقيق السلام مع جيراننا، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة السنكروترون عصر يوم داخل مقهى السيرن أثناء احتسائي القهوة مع أحد زملائي سيرجيو فوبيني الذي اقترح إنشاء وحدة تعاون علمية للشرق الأوسط. في العام 1995 بدأ رابينوفيتشي رحلة لمصر حيث التقى في مدينة دهب بشبه جزيرة سيناء بالعلماء المشاركين في لجنة التعاون العلمي الشرق أوسطي، مجموعة من المصريين والفلسطينيين والإسرائيليين والأردنيين والمغاربة كما يقول، كانوا متحمسين لفكرة التعاون العلمي وغادروا بعد انتهاء الاجتماع مع عشرات الأفكار. وفي العام الذي تلاه جاءت حملة عناقيد الغضب العسكرية الإسرائيلية على لبنان لتضع حدا لتعاون المصريين الذين انسحبوا من اللجنة. من هنا كان الجميع مقتنعا أن هذا المشروع لن يتحقق إلا إذا كان ذا أهداف علمية بحتة وهي الفكرة التي التزم بها جميع المشاركين في هذا المشروع. وقد تكرمت المملكة الأردنية الهاشمية برعاية المشروع واستقباله على أراضيها نظرا لأنها الدولة الوحيدة التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية قوية مع كافة المشاركين. المشكلة الوحيدة هي أنها غير قادرة على تمويل المشروع بمفردها وهو ما دعا المنظمين إلى إطلاق مبادرة جمع الأموال اللازمة للمشروع تحت رعاية اليونسكو والأمم المتحدة وخاصة أن الكلفة قد تتخطى المئة مليون يورو. هذه المبادرة كانت نتيجتها تبرع إسرائيل وتركيا والأردن بمبلغ خمسة ملايين يورو لكل دولة، الاتحاد الأوروبي خمسة ملايين يورو وإيطاليا مليون ونصف المليون يورو. فهل سيجمع العلم ما فرقته السياسة وتلتقي في النهاية دول وشعوب المنطقة حول أهداف يستفيد منها الجميع لتحقيق السلام والرخاء؟ هذا ما ستكشف عنه السنوات والعقود المقبلة شرط التحلي دائما بالأمل. حسين عمارة نشرت في : 13/12/2016

مشاركة :