رغم تصاعُد شكوك مفاجئة ليل الاثنين حول ولادة الحكومة الجديدة في لبنان بلغت حدود التخوف من العودة الى المربع الأول من التعقيدات، بدا واضحاً أمس، ان العملية جارية نحو نهايتها ولو اقتضى فصْلها النهائي معالجة شكلياتٍ أدتْ الى بعض التأخير في استكمال وضع التشكيلة الحكومية. ولم تخلُ الساعات الأخيرة من المخاض الحكومي من دلالاتٍ سياسية نافرة استدعت تحويل مقرّ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري في بيت الوسط في بيروت الى غرفة للعناية الفائقة سعياً الى احتواء الصدمة السلبية التي أثارتها تصريحات زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية في حق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التي أطلقها من مقر البطريركية المارونية والتي سبقت زيارة فرنجية لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أبلغ اليه تنازُله عن حقيبة الأشغال الوزارية لتيار المردة منهياً بذلك ما سمي بعقدة حقيبة «المردة». ومع تَنازُل بري لفرنجية عن حقيبة الأشغال، تكون عملية تشكيل الحكومة قد تقدّمت الى أقرب نقطة قبل إعلان ولادتها، بدليل ان فرنجية سارع الى اعلان تولية الوزارة الى أحد أقرب مساعديه المحامي يوسف فنيانوس وهو المسؤول لدى تيار «المردة» عن العلاقات مع «حزب الله» وحركة «أمل» (بري) ومعروفٌ بصلته الوثيقة بأجهزة أمنية. لكن هذه الخطوة تَسببتْ بإثارة استياء واسعٍ لدى «القوات اللبنانية» وكذلك استياء مكتوم لدى رئاسة الجمهورية و»التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس) نظراً الى تفاجؤ «القوات» بالأسلوب الذي أدى الى نزع حقيبة الأشغال منها من دون استشارتها اولاً ولا التفاهم معها على حقيبة الصحة الوازنة التي تَقرر ان تعطى لها بديلاً من الأشغال. كما ان النبرة الاستفزازية التي طبعتْ تصريحات فرنجية في أعقاب لقائه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والتي رمى من خلالها كرة تحسين العلاقات بينه وبين عون او استمرار «المحاربة» بينهما في ملعب رئيس الجمهورية، أثارت غضباً مكتوماً لدى «الدائرة العونية». وسارع الحريري الذي كان تبلّغ من مساعد بري الوزير علي حسن خليل قبول بري بتخلّيه عن الأشغال لفرنجية مقابل حقيبة العمل او الزراعة، الى إيفاد مستشاره غطاس خوري ليل الاثنين الى معراب حيث اجتمع طويلاً مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وعمل على معالجة المشكلة الناشئة ومحاولة إقناع جعجع بقبول حقيبة الصحة وتَجاوُز الإشكال الأخير وصولاً الى تأكيده ان «الحكومة لن تتشكّل من دون موافقة «الحكيم» (جعجع)، وذل بعدما كان مستشار جعجع ملحم رياشي زار مرتين الحريري الذي تواصل هاتفياً ايضاً مع رئيس «القوات». وبدا من خلال المعطيات المتوافرة أمس، ان الأمور تسير نحو الاحتواء ولو بصعوبة اذ ان الثنائي المسيحي «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» ينظر بريبة واسعة الى الإخراج الذي اعتُمد في إظهار موقع بري مفصلياً في تشكيل الحكومة من جهة، كما ينظر بريبة أكبر الى تضخيم حجم الموقع السياسي لفرنجية ووضْعه في مستوى مقارعة رئيس الجمهورية على خلفية تحالُفه (فرنجية) الواضح مع بري. لكن الأوساط المواكِبة للمشاورات الجارية، ترى ان الأمور لن تعود الى الوراء لأنّ الجهات المعنية ولا سيما رئيس الجمهورية بالتحديد كان أساساً في أجواء المخرج الذي اعتُمد بإعطاء الأشغال لفرنجية ولم يكن معارضاً لذلك، كما لم تكن «القوات» بعيدة عنه. لكن ما أثار السلبيات المفاجئة نجم عن نبرةِ التحدي التي استعملها فرنجية والتي أوحت بأنه يراد لإعطائه الحقيبة التي كان يصرّ عليها ان تَظهر عملية ولادة الحكومة كانتصارٍ له ولحليفه بري ومن خلالهما الفريق السياسي العريض الذي يدعمهما، ناهيك عن إظهار ان الحلّ والربط في مسار التأليف ليس في يد رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية، وهو ما تصرّ «القوات» على وجوب معالجته في الشكل باعتبار انه يؤشّر الى منحى لطالما تحفّظتْ عنه ويتم عبره تجاوُز الدستور وآليات التأليف «لمصلحة تكريس أعرافٍ موروثة من زمن النسخة السورية من اتفاق الطائف التى طويت». لذا، توقّعت الأوساط إعادة تصويب العملية من خلال معالجةٍ دقيقة لاستكمال توزيع الحقائب في الساعات المقبلة، اذ يبقى تثبيت الحقائب العائدة لحصة الرئيس عون و»التيار الوطني» و»القوات» كما لحزب الكتائب. واذا تمكّن الرئيس المكلف من إنجاز هذه التوزيعة فان الولادة الحكومية تبقى واردة بقوة هذا الاسبوع، اما في حال تبيّنت صعوبات جديدة، فإن الأمور ستكون مقبلة على مزيد من المفاجآت ومن بينها احتمال العودة في ربع الساعة الأخير الى تركيبة من ثلاثين وزيراً بدلاً من 24، علماً ان تقارير تحدثتْ عن ان الحريري لم يعد يمانع الصيغة الثلاثينية وهو يعمل على وضع تركيبتيْن واحدة من 24 وأخرى من 30 بانتظار لقائه الحاسم مع رئيس الجمهورية. وتلفت الأوساط هنا الى إمكان ان تشهد عملية إنجاز الفصل الأخير من تأليف الحكومة دفعاً من خلال اللقاء المنتظر اليوم بين وفد من «التيار الوطني» والنائب فرنجية ضمن الجولة التي تقوم بها وفود من «التيار الحر» على القيادات السياسية للبحث في ملف قانون الانتخاب الجديد. ومع ان هذه الجولة محصورة بالملف الانتخابي، فان حصول اول لقاء بين التيار العوني وفرنجية قد يساهم في تطرية الأجواء المتوترة بين الفريقين بما يسهّل ضمناً الولادة الحكومية. وكان لافتاً ان عون أكد أمام زواره امس، أن الثقة الدولية بلبنان تتعزز يوماً بعد يوم، معتبراً أن الدعم الذي تلقاه لبنان منذ الانتخابات الرئاسية يؤشر إلى مستقبل أفضل في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، موضحاً «ان الاتصالات مستمرة لتشكيل الحكومة الجديدة وقد حققتْ تقدماً»، ومشيراً إلى «أن ورشة النهوض بلبنان تتّسع للجميع إلا لمَن يريد أن لا يشارك فيها». وأعرب عن أمله في أن تشهد فترة الأعياد المقبلة حركة ناشطة بدأت مؤشراتها بالظهور «من خلال ارتفاع عدد القادمين إلى لبنان لتمضية عيدي الميلاد ورأس السنة فيه».
مشاركة :