مياه بطعم العلقم تحت جسر القمة المقبلة

  • 12/14/2016
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

ستشهد القمة العربية الثامنة والعشرون، في حال انعقادها في عمّان أواخر آذار (مارس) المقبل، إثارة من نوع مختلف، وستقدم مؤشراً إلى مآلات الملفات العالقة في المنطقة، وفي مقدّمها المأساة السورية. فقبل التئامها بأشهر، راحت أصوات تعلو في العاصمة الأردنية، داعية إلى تخصيص مقعد لنظام بشار الأسد، باعتباره نظاماً «شرعياً»، وأنّ التغيير في حال حدوثه، هو من شأن السوريين أنفسهم، ويذكّر هذا الفريق بمقولة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني «داعش قبل الأسد» التي أطلقها في 2014، في إشارة يفسّرها هؤلاء باعتبار أنّ الأولوية لدحر «داعش» وقوى الإرهاب المماثلة، ثم بعدها ننظر في مصير الأسد. وتعلو الأصوات المقاربة لهذا الطرح، رويداً رويداً، على وقع «الانتصارات» الروسية والإيرانية في حلب، ويمنّي أصحاب هذه التصورات أنفسهم بأن تشهد «الشهباء» خطاب النصر الذي يلقيه «الرئيس» أمام ما تبقى من حجارة وجماجم في المدينة المحرّرة. ولا يبدو أنّ الأردن سيكون في مأزق في ما يتصل بمقعد سورية في القمة، فهو ملتزم المزاجَ العربي الأقرب إلى الغالبية من حضور الأسد، أو من يمثله في القمة المقبلة. لأنّ هذا الأمر يدخل في باب الاحتمالات لأكثر من سبب، أولها أنّ عمّان على الأرجح لن تدعو الأسد الى حضور القمة (وهو لن يقبلها)، فهي حريصة على عدم تفجير هذا الحدث وتجويفه أكثر مما هو مجوّف وفاقد أهميته وجدواه، فدول الخليج، باستثناء عُمان، ربما، موحّدة لجهة عدم الاعتراف بنظام قاتل يزعم أنه يحارب الإرهاب، مع أنه راعيه الأكبر في المنطقة. وثاني هذه الأسباب أنّ الأردن شريك، اعترف أم لم يعترف، في الحرب التي تُشنّ ضد نظام الأسد، كما أنه مؤثر في التوازنات والتحالفات العربية والدولية لجهة تسهيل الجهود السياسية والعسكرية واللوجستية التي تهدف إلى القضاء على ما يمثله نظام دمشق، وقد سبق لعمّان أن طردت سفير النظام الذي كال، وما انفك، للمملكة وقادتها أقذع الاتهامات والشتائم. وأما السبب الثالث، فيتمثل في حرص عمّان على عدم إغضاب الرياض من جهة وعدم سلوك أي مسار يتعارض مع سياسة واشنطن من جهة أخرى، فالعاصمة الأردنية تزن الأمور بدقة، وربما ظنّ بعضهم أنّ هذه الدقة تدخل في باب التناقض السياسي، لكنها أقرب إلى «الغموض البناء» الذي جعل صانع القرار الأردني منذ اندلاع الحرب في سورية حذراً في تصريحاته ومواقفه، لأنه الأكثر تضرراً من تداعيات الحرب ومآلاته المدمّرة، ففضّل الوقوف على الضفاف، من دون الخوض في لجّة المياه العاصفة! بيْد أنّ المشهد الآن، بعدما أنجزت القوات البرية الإيرانية وميليشياتها، مدعومة بالطيران الروسي، تقدماً لا يُنكر في حلب، وسواها من المدن السورية المحورية، فإنّ تصدعات سياسية سترافقه، لجهة الامتثال للوقائع على الأرض، والتي لم تكن لتتحقق بالمجهود الفردي لـ»حماة الديار» الممتنّين، بلا ريب، للروس والإيرانيين وحلفاء الآخيرين من لبنانيين وعراقيين، وسواهم. وقد علت أصوات في «المعارضة السوريّة» تقرّ بما يمكن تسميته «الأمر الواقع»، وراح فريق يدعو إلى ضرورة النقد الذاتي لما اعتبروه «هزيمة»! أضحى التدخل العسكري، بعد موقعة حلب، عصياً على الأطراف الإقليمية المناوئة لنظام الأسد، إلا إذا أرادت أن تخوض مواجهة عسكرية مفتوحة مع روسيا وإيران، ما سيحمل في الأيام المقبلة، دعوات إلى تفاهمات سياسية إكراهيّة، ربما يدشّنها ترامب في أولى مهامه، بعد أن يستقر في البيت الأبيض الشهر المقبل. وقد تسبق ذلك تفاهمات ربما يكون أقصى منتهاها تحقيق الحد الأدنى من مؤتمر جنيف 2. ولعل من المهم التذكير بتصريح أطلقه «وزير المصالحة الوطنية السوري» علي حيدر أواخر 2013: «لا تتوقعوا شيئاً من جنيف 2، فلن يحل جنيف 2 أو جنيف 3 أو 4 الأزمة السورية. الحل بدأ وسيستمر عبر الانتصار العسكري للدولة»! أمامنا نحو ثلاثة أشهر لانعقاد قمة عمّان. وعلى الأرجح أنّ مياهاً كثيرة ستجري تحت الجسر، وقد تكون مياهاً بطعم العلقم!     * كاتب وأكاديمي أردني

مشاركة :