حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية ... يأفل

  • 12/14/2016
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

ثمة من يتمسك بحل الدولتين بعد 23 عاماً على اتفاقات أوسلو التي أرست السبيل إلى الدولة الفلسطينية. وعبارة حل الدولتين لطالما كانت واعدة بتحسين مصير الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم الأساسية تحت الاحتلال الإسرائيلي. ولكن من يرفع لواء التفاوض، ثم التفاوض، هو كمن يتجنب الإقرار بأكبر إخفاق ديبلوماسي منذ الحرب العالمية الثانية. فرنسا تسعى إلى حشد تأييد مشروع حل الدولتين لتحمل الفلسطينيين والإسرائيليين على استئناف المفاوضات، وموسكو عادت إلى الشرق الأوسط حين تدخلت عسكرياً في سورية، وحاولت التوسط بين رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء الإسرائيلي. وانتخاب دونالد ترامب يشرّع الأبواب على المجهول. وعلى رغم أنه يقول إنه يرغب في إبرام الاتفاق الأمثل في حرب لا يبدو أنها ستنتهي، المقربون منه وثيقو الصلة باليمين الإسرائيلي. والبرنامج الجمهوري الذي أقر في تموز (يوليو) المنصرم لا يتناول الحاجة إلى دولة فلسطينية. والإحصاءات هي مرآة مكانة النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي في سلم الأولويات الأميركية، ففي 2010، خصص الرئيس الاميركي باراك أوباما 1083 كلمة للنزاع هذا أمام الجمعية العامة الأممية، ولكن في 2016، اقتصرت كلماته حول المسألة على 31 كلمة. ولكن هل يحاول أوباما محاولةً سياسية أخيرة قبل تسليم خلفه الرئاسة في نهاية كانون الثاني (يناير) 2017؟ عجلة الديبلوماسية تدور مخافة وقوع الأفظع: الإقرار بأن الأمل في دولة فلسطينية - تعترف بها 138 دولة - يذوي شيئاً فشيئاً، ويتبدد. وحين اغتيال متطرف يهودي رئيسَ الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين في 1995، كان عدد المستوطنين في الضفة الغربية 150 ألفاً، وعددهم اليوم 400 ألف، من غير احتساب 250 ألف مستوطن يعيشون في القدس. ولم يعد ثمة احتلال في الضفة الغربية، بل قضم إسرائيلي كامل لها. وأعلن بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة، في 15 أيلول (سبتمبر) المنصرم، في ذكرى 23 عاماً على اتفاقات أوسلو، أن حل الدولتين قد يطوى ويُستبدل بأمر واقع: دولة مجبولة من عنف مزمن واحتلال. وعلى رغم أن التقرير الصادر عن اللجنة الرباعية، الأمم المتحدة وروسيا وأميركا والاتحاد الأوروبي، في تموز (يوليو) الأخير، لا يتناول «الضم كأمر واقع»، يصف شكل هذا الضم من غير لبس: المنطقة جيم الواقعة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي الكاملة تشكل 60 في المئة من الضفة الغربية وتشمل شطراً راجحاً من الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية. وحوالى 70 في المئة من المنطقة هذه صادرها إسرائيليون واحتكروا استثمارها والاستفادة منها». وهذا التقرير يتناول القضم الإسرائيلي المتواصل للأراضي الفلسطينية. واختفت عبارة معسكر السلام من النقاش العام الإسرائيلي، وصارت تشير فحسب إلى عدد من المثقفين أو الناشطين الموصومين بوصمة «اليساريين». وفي الانتخابات التشريعية في آذار (مارس) 2015، دعت المعارضة العمالية، ويغلب عليها نازع أمني، إلى الانفصال عن الفلسطينيين، وكأن في وسع مبضع سحري حل كل شيء. ولكن ما السبيل إلى مثل هذا الانفصال في وقت يعمل 100 ألـــف فلسطيني في إسرائيل؟ وفي 15 أيلول (سبتمبر) المنــصرم، سعى المعلق آري شافيت في «هآرتز» - واضـطر أخيراً إلى الاستقالة- إلى الدفاع عن «حل ثالــــث»، ودعـــا إلى اعتراف معسكر السلام بأخطائه وبفشـــل اتفاقات أوسلو... واستبدال الحملة القديمة مـــن أجل السلام بصهيونية جديدة، أي اقتراح سيـــرورة طويلة، وتقسيم تدريجي للأرض لا يستند إلى اتفاقات منهكة بل يرسي تقسيماً غير عادل...». والمجتمع المدني حافل بمبادرات من أجل السلام، ولكنه لا يلقى صدى. وأبصرت النور مبادرة جديدة اسمها: «أنقذوا إسرائيل، أوقفوا الاحتلال». وتسعى المبادرة هذه إلى جَسْر الهوة بين المجتمع المدني والإسرائيليين في الشتات، الذين ينتقدون أكثر فأكثر التوجه القومي والديني في الدولة العبرية. وجمعت هذه المبادرة توقيعات 470 شخصاً، منهم الكاتب ديفيد غروسمان وآموس عوز وقدامى المسؤولين في الجيش أو السلك الديبلوماسي الإسرائيلي وعلماء. ولسان حال المبادرة أن الاحتلال يقوض أسس إسرائيل الأخلاقية والديموقراطية، ومكانتها في المجتمع الدولي. وترى جيسيكا مونتيل، مديرة المشروع، أن الذكرى الخمسين على الاحتلال في حزيران (يونيو) 2017، قد تحمل الإسرائيليين على إدراك ما يجري، وأن الوقائع على الأرض ليست ما يحول دون حل الدولتين بل إحباط الرأي العام وخطاب الافتقار إلى شريك فلسطيني. وبعض الإسرائيليين يحضون الحكومة على المبادرة إلى خطوات أحادية، وعدم الاكتفاء بإدارة أزمة مزمنة. وفي أيار (مايو) المنصرم، أعلن 200 جنرال متقاعد من القوات المسلحة والـ «شين بت» (جهاز الأمن الداخلي) والموساد (الاستخبارات) خطة مفصلة ترمي إلى تحسين أمن البلاد، وأرفقوا الخطة بخريطة تفصل سبل التنفيذ. ويرى هؤلاء أن حل الدولتين لم يعد ممكناً اليوم، واقترحوا إجراءات أمنية واقتصادية لخفض مستوى التوتر، ونصحوا بإقرار قانون يتوجه إلى المستوطنين ما وراء «البوابة الأمنية» ويحثهم مالياً على المغادرة والانتقال إلى مستوطنات كبيرة ستعود إلى إسرائيل في تقاسم نهائي، أو إلى داخل إسرائيل. ولكن المبادرة هذه لم تجد صدى. ويعتقد نفتالي بينيت، وزير التربية الإسرائيلية، أن انتخاب دونالد ترامب هو فرصة تاريخية لدفن اتفاقات أوسلو. وهو زعيم الحزب القومي الديني، البيت اليهودي، ووضع قبل سنوات خطة تقضي بضم المنطقة جيم الواقعة في الضفة الغربية إلى إسرائيل، أي الإقرار رسمياً بما يجري. وهو قال في صحيفة «لوموند» في نهاية أيلول (سبتمبر) أن عدد الفلسطينيين في المنطقة جيم أقل من مئة ألف نسمة، واقترح أن تُعرض عليهم الجنسية الإسرائيلية أو إقامة دائمة. ودعا إلى ضم إسرائيل إليها كبرى الكتل الاستيطانية، مثل أرييل، والتزام خطة محفزة تحاكي خطة مارشال في المناطق ألف وباء حيث السلطة الفلسطينية نافذة. ولم تنعقد ثمار استراتيجية محمود عباس، وقوامها لفظ العنف وتدويل النزاع، في الضغط على إسرائيل. ويبدو أن تجاوز الحرب الداخلية بين «فتح» و «حماس» متعذر، وانتهى إلى نشوء منطقتين فلسطينيتين، في الضفة الغربية وغزة. ولا حل بديلاً في الأفق عن حل الدولتين. وفكرة الكونفيديرالية مع الأردن مطروحة على النقاش. ويرفض محمد اشتيه في مكتبه في رام الله، النقاش هذا، ويقول إن الكونفيديرالية وغيرها من الأفكار لا تقوم لها قائمة. فالسبيلان المتاحان اليوم هما إما دولة فلسطينية أو نشوء دولة أبارتايد (فصل عنصري) إسرائيلية. ويسند قوله بأرقام تفيد بأن عدد المستوطنين في الضفة الغربية هو 650 ألف نسمة، أي 22 في المئة من السكان. ويرى أن نتانياهو يسعى إلى زيادة عددهم إلى مليون في 2020، ليرسي حل دولتين في الضفة الغربية: دولة للمستوطنين ودولة للفلسطينيين. ولكن هذه خطة مآلها الفشل والخسارة، فالفلسطينيون اليوم بين نهر الأردن والبحر 52 في المئة من السكان، وإسرائيل تخسر طابعها اليهودي والديموقراطي إذا أسقطت حل الدولتين. يقول عمر شعبان، وهو من أبرز الخبراء الفلسطينيين في غزة، إنه لا يرى أن حل الدولتين قابل للحياة: «انظروا إلى شبكة المواصلات ومياه الاستخدام، كلها متداخلة. وإذا كنت أملك الحق في الدولة من غير وجود دولة، فلا بأس. ويجب التوصل إلى صيغة حل ربما يكون الفيديرالية. ولكن لا أحد يقترح بديلاً من حل الدولتين، في وقت يتبدد الحل هذا». ودعا إسرائيليون، منهم الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، الليكودي السابق، ويوسي بيلين العمالي، إلى كونفيديرالية إسرائيلية– فلسطينية تجمع الشعبين بمؤسسات مشتركة، في وقت يكون لكل منهما حكومة خاصة به.     * مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 27-28/12/2016، إعداد منال نحاس

مشاركة :