يرى وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى أن من الضروري إلغاء التخصصات التي لا تناسب سوق العمل، وهذا -في رأيي- توجه صائب، مع التقدير لمن لا يرى ذلك. هناك من يرى أن يكون «العلم من أجل العلم»، بصرف النظر عن احتياجات سوق العمل لأننا سنظل بحاجة إلى التخصصات التي تثري حياتنا الفكرية والثقافية حتى لو لم يطلبها سوق العمل. هذا الرأي يقوم على أساس أن الاستسلام لاحتياجات سوق العمل سينتهي بنا إلى حالة من «التصحر» الفكري، كما أن تجفيف الجامعات من التخصصات غير المطلوبة حالياً سيخلق أزمة مستقبلية وندرة في هذه التخصصات بعد سنوات من الآن مما يجعلنا نعتمد على الغير مرة أخرى وربما استقدام أصحاب تلك التخصصات من خارج البلاد. المشكلة في هذا الرأي، المقدر بالطبع، هو أنه يركز على أحد الجوانب المهمة دون بقية الجوانب المهمة الأخرى. فواقع الحال أن كل إنسان، أياً كان تخصصه، سيسعى في نهاية المطاف من أجل «لقمة العيش»، وعندما يكون تخصص ذلك الإنسان غير مطلوب في سوق العمل فلن يجد وظيفة، وعندما يتعذر عليه الحصول على وظيفة سينتهي به الأمر إلى أن «يَصُفَّ» في طابور العاطلين، فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. نعم من حق الإنسان، من الناحية النظرية، أن يتخصص في المجال الذي يعجبه طالما أنه يملك التأهيل اللازم لدراسة ذلك التخصص حتى لو كانت دراسته مثلاً عن عادات قبائل الزولو في أفريقيا أو عن أنواع الديناصورات المنقرضة في أستراليا، ولكن هل من حق ذلك الإنسان مطالبة المجتمع بعد تخرجه بوظيفة في مجال تخصصه حتى لو لم تكن مطلوبة!؟ بالطبع يمكن إعادة تأهيل وتدريب هذا الشخص كي يكتسب معارف جديدة ويدخل معترك العمل، لكن ذلك ينطوي على تكاليف إضافية. وبالمنطق الاقتصادي فإن تلك التكاليف غير مبررة لأن هذا الإنسان كان بإمكانه أن يذهب منذ البداية إلى التخصص المطلوب دون أن يُحَمِّل المجتمع تلك التكاليف. أعتقد أن التحدي ليس فقط إلغاء أو تقليص التخصصات غير المطلوبة في سوق العمل، وإنما أيضا رفع جودة التعليم حتى في التخصصات المطلوبة، فما أكثر المتخصصين الذين لا يجيدون تخصصاتهم بسبب رداءة المناهج وطرق التدريس مما أوجد مخرجات تعليمية رديئة غير منتجة لا تلبي احتياجات البلاد من الكوادر البشرية. بالطبع لن يحل ذلك وحده مشكلة البطالة التي وصلت مؤخراً 12.1 بالمائة ولا مشكلة الاستقدام المليوني الفادح، فهذا يتطلب تعاون جميع أجهزة الدولة وليس جهازاً واحداً، لكن من الظلم تخريج طلاب في تخصصات غير مطلوبة ثم إلقائهم في سوق عملٍ لا يحتاج لتخصصاتهم فينتهي بهم الأمر إلى مجرد أرقام في معدلات البطالة.
مشاركة :