جمال سلطان:الدلالات الخطيرة لبيان داعش ورواية الداخلية

  • 12/14/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

البيان الذي أصدره تنظيم داعش أمس والذي أعلن فيه مسئوليته عن تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة وكشفه عن أنه قام بالعملية من خلال انتحاري بحزام ناسف أثبت صحة ما توصلت له الأجهزة الأمنية ، وقطع أي شكوك في الرواية الرسمية التي طالتها ألسنة التشكيك ، الآن تأكد الجميع من تلك الرواية ، وإن بقيت تفاصيل حول اسم القاتل الذي ارتدى الحزام الناسف وفجر نفسه ، لأن بيان داعش لم يذكر اسما وإنما ذكر لقبا أو كنية ، وهي مختلفة عن الكنية التي أعلنتها وزارة الداخلية للشاب العشريني المنتمي لمحافظة الفيوم ، غير أن الاختلاف حول الاسم لا قيمة له من الناحية الجوهرية في دلالات الحادث وفي توابعه . أصبحنا أمام مأساة من نوع آخر الآن ، وهي أن البيانات الرسمية حول الأحداث أو الجرائم أصبحت موضع تشكيك دائما ، هناك غياب للثقة واضح جدا ، وبدون شك أن تكرار أخطاء في البيانات والروايات الرسمية حول بعض الحوادث المهمة كان سببا رئيسيا في انتشار تلك الظاهرة ، ظاهرة التشكيك في الرواية الرسمية وخاصة الأمنية ، وما جرى في واقعة الباحث الإيطالي جوليو ريجيني كانت أوضح ما تكون ، لأن الناس واجهت أكثر من رواية وأكثر من حدوتة واتضح أن جميعها أكاذيب وتلفيقات لا صحة لها ، رغم اندفاع الإعلام الموالي للسلطة لتسويقها أمام الرأي العام ، فأضر بالجهاز الأمني أكثر ، كما أن هناك ظاهرة الخبراء الأمنيين التي انتشرت مؤخرا ، من ضباط متقاعدين وقيادات أمنية وعسكرية سابقة ، وكل منهم يحل ضيفا على برنامج لقناة فضائية ويطلق تصريحات وبيانات ومعلومات على أنها من مصادره الأمنية يتضح في النهاية أنها أكاذيب ، مثل الرواية التي سوقها هؤلاء الخبراء عن جريمة تفجير الكنيسة بأنها كانت عملية تفخيخ قامت بها سيدة مجهولة أدخلت حقيبة مليئة بالمتفجرات ثم هربت ، وآخرون تحدثوا عن أن سيدة هربت المتفجرات في حاملات الصدر الخاصة بها للهروب من التفتيش ، وكل تلك الروايات اكتشف الناس أنها أكاذيب وخيالات لا تتصل بالحقيقة ولا الواقع ، وكل ذلك مما أضر بسمعة الجهاز الأمني ، بل بالدولة وخطابها بالكامل . الإيجابي فيما جرى هو سرعة الكشف عن طبيعة الجريمة وعن المتورط فيها ، والفضل في ذلك ينسب للتقنية وأدواتها الحديثة ، وهذا لعله يلفت السلطة إلى أهمية تجاوز مرحلة الكسل الأمني المعتمد على التعذيب واستسهاله ، والدخول في مرحلة التفوق العلمي والتقني الذي تستخدمه كل أجهزة الأمن في الدول الكبرى الآن ، فالكاميرات كانت من أهم أدوات كشف الجريمة ، كما أن الأجهزة الحديثة التي حصلت عليها مصلحة الطب الشرعي كانت مهمة للغاية في حسم شخصية الإرهابي ، فبعد أن كانت لدينا أجهزة عتيقة تحتاج إلى سبعة أيام أو أكثر لاستخراج النتائج ، أصبح لدينا ـ حسب توضيحات رئيس المصلحة ـ أجهزة حديثة يمكن الوصول إلى النتائج فيها خلال خمس ساعات فقط . لكن الخطير في الحادثة هو ما كشفت عنه عن تغلغل التنظيمات الإرهابية في عموم البلاد ، وفي العاصمة الضخمة ، ووجود خلايا صغيرة غير معروفة يمكنها ارتكاب أعمال دموية مروعة بعيدا عن أعين الجهات الأمنية ، كما أنه من الواضح أن تلك الخلايا تملك دعما لوجستيا مهما أيضا من خلال تجهيز الأحزمة الناسفة باحتراف عال وأماكن الاختباء ومصادر للتمويل ، إضافة إلى أن ظاهرة العمليات الانتحارية جديدة على مصر بالفعل ، وهناك صعوبة بالغة في وقفها أمنيا إلا بالوصول إلى الخلية نفسها قبل تنفيذ العمليات الإجرامية ، أيضا كشفت الواقعة عن أن التيارات الإرهابية أصبحت تمتلك جيلا جديدا صغير السن أكثر اندفاعا وأغلبه بطبيعة الحال غير معروف لأجهزة الأمن ، وبالتالي صعب مراقبته أو الوصول إليه ، والشاب المتهم بجريمة الكنيسة كان طالبا في السنة الأولى بكلية العلوم ، كما أنه لم يعرف أمنيا إلا بالقبض عليه أثناء مسيرة رافضة لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي ، وبطبيعة الحال هناك آلاف غيره لم يتم ضبطهم ولكنهم ينشطون في هذا الظلام الدامس ، والمحزن أن هذا الشاب ـ حسب تقارير الأمن ـ تم ضبطه بأسلحة نارية وذخائر وقنبلة ، ثم أخلي سبيله ، بينما المئات من شباب ثورة يناير وصحفيون ونشطاء ومصورون ، ضبطوا بكاميرا تصوير أو لوحة بها هتاف ضد التعذيب أو الاعتقال ، يتم حبسهم احتياطيا لقرابة العامين ، فضلا عن سجن بعضهم سنوات طويلة بهذا الجرم ، بما يعني أن أحد أوجه الخلل الأمني يتمثل في أن الدولة اهتمت بملاحقة ثورة يناير السلمية ونشطائها واستفرغت جهد جهازها الأمني أو معظمه هنا ، مما سمح لتمدد خلايا العنف والإرهاب بسهولة أكثر في طول البلاد وعرضها ، حتى وصلنا لتلك المرحلة بالغة الخطورة . أيضا ، ثبت من رواية الداخلية ، ومن صورها المنشورة ، ومن الحوارات التي تم نشرها إعلاميا مع أسرة الشاب المتهم بالجريمة ، أنه كان شابا مسالما وهادئ الطبع ومتفوقا في دراسته وعلى علاقات طيبة مع جيرانه ، وأن أول تحوله للغضب كان بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي ، بما يعيدنا إلى نقطة البدء بأن الأزمة في مصر أزمة سياسية بالأساس ، وأن الاحتقان السياسي هو الذي يمهد الأجواء لمناخ الغضب ثم العنف ، أيضا تثبت الصور والروايات أنه بعد اعتقاله تعرض لتعذيب شديد حتى كسرت أنفه كما هو واضح في صور الداخلية نفسها ، إضافة لما قالته عائلته ونقلته رويترز أنه تعرض لانتهاك جنسي في محبسه ، وهذا ما جعله يختفي ويهرب بعد إطلاق سراحه ، ثم يذهب إلى حضن الجماعة الإرهابية ، السياق واضح ، ولا يحتاج إلى خبراء لتفسيره ، ولا يحتاج لسفسطة كهنة الاستبداد الذين يهربون من مواجهة الحقيقة للبحث عن شماعة الأزهر وتجديد الفكر الديني والتراث وابن تيمية وابن خزعبلان والهلفطة الفارغة بالكلام الفارغ ، الواقعة تحتاج فقط صدقا مع النفس ومع الحقائق الواضحة في أرض الواقع ، وتحتاج إلى مخلصين جادين في هذا الوطن يحددون جذور الأزمة ، ويعترفون بالخطأ ، ويضعون الرؤية السديدة والحقيقية والجادة للخروج بالوطن من أفقه المسدود إلى فضاءات السلام الاجتماعي والعدالة وأنفاس الحرية التي تطهر ربوع البلاد من التطرف والتعصب والكراهية ، وتقطع الطريق على حركات العنف وتحرمها من عوامل جذب الأنصار أو الانتحاريين الجدد . جمال سلطان المصريون [emailprotected]

مشاركة :