كدرع يحمي غرب الجزيرة العربية تنتصب سلسلة جبال غرب السعودية، من تبوك شمالاً إلى نجران جنوباً، لتتصل مع جبال اليمن. إلا أن جبالاً تتناثر في مناطق أخرى من البلاد. ويقدر عددها جميعاً بـ190 جبلاً. وتحظى بعض الجبال بمكانة دينية إضافة إلى هويتها التاريخية المتوارثة على مر العصور، وتنسج حول بعضها الأساطير. وتتمتع هذه الجبال بطبيعة ساحرة ومعالم أثرية، فضلا عن قلاعها الأسطورية التي تعانق الغيوم وأجواءها الرائعة، ما جعلها وجهة مفضلة لدى شرائح من السياح، من داخل البلاد وخارجها. وتتكون المرتفعات الغربية من سلاسل جبلية، وتمتد بمحاذاة ساحل خليج العقبة والبحر الأحمر في حدودها مع الأردن شمالاً، إلى الحدود مع اليمن جنوباً، وتعد من أهم الظواهر التضاريسية في المملكة، لأهميتها وتنوعها. فيما تتميز المرتفعات الجنوبية الغربية بالارتفاع النسبي في معدلات الأمطار مقارنة مع باقي مناطق السعودية. وتقسم هيئة المساحة الجيولوجية السعودية المرتفعات الغربية إلى ثلاثة أقسام رئيسة، هي: جبال السروات التي تمثل القسم الجنوبي من هذه المرتفعات، وتمتد على الحدود مع اليمن، حتى شمال مدينة الطائف تقريباً، وتعد من أعلى الأقسام وأكثرها تضرساً، فيما تمثل جبال الحجاز القسم الأوسط من المرتفعات، إلا أنها تعد أقل تضرساً وارتفاعاً من الأولى، وأخيراً جبال مدين التي تمثل القسم الشمالي. وتضم السعودية عدداً كبيراً من الجبال، يبلغ ارتفاع أعلى قمها حوالى 3015 متراً عن مستوى سطح البحر، أبرزها علواً جبل السودة الذي يقع شمال غرب مدينة أبها، وتغطيه الغابات، ولا ترتفع درجة الحرارة فيه عن 15 مئوية، ما يمنح زواره صيفاً شعوراً بأنهم بعيدون عن حرارة طقس المملكة الصحراوي في غالبه. ويعد جبل اللوز في تبوك (شمال غرب المملكة) قرب الحدود الأردنية، والذي يبلغ ارتفاعه 2549 متراً من أكثر الجبال برودة ويشهد سقوط الثلوج شتاءً، لكونه يتأثر أحياناً في المنخفضات الجوية المقبلة من بلاد الشام، وتكون أحياناً مترافقة مع كُتل هوائية باردة من مناطق قطبية، فضلاً عما يتمتع فيه من مكانة أثرية، إذ تنتشر فيه رسومات محفورة على الصخر يعود تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد، إضافة إلى نقوش إسلامية. ومن الجبال أيضاً جبل النور الذي يقع شمال شرق المسجد الحرام في قلب مدينة مكة المكرمة، ويبلغ ارتفاعه 642 متراً، ويشبه البعض قمته بـ«الطربوش» أو «سنام الجمل». ويكتسب الجبل مكانة مهمة لدى المسلمين، إذ شهد غار حار الواقع فيه نزول الوحي لأول مرة على النبي محمد «صلى الله عليه وسلم»، حين كان يتعبد في الغار. وتحيط في مكة جبال عدة، يصل عددها إلى 45 جبلاً، منها قضا شمالاً، وغرباً تقع جبال لآلي، وجيفان، والقنا، أما مرتفعات الوسط فأبرزها: جياد، وأبي قبيس المطل على الحرم الذي كان يقع عليه مسجد الصحابي بلال بن رباح، إضافة إلى جبل هندي. ويُطل جبل أحد على المدينة المنورة من الجهة الشمالية، ويتمتع بمكانة دينية لما شهده من أحداث تاريخية بعد ظهور الإسلام، لعل أهمها «غزو أحد». وكان يبعد عنها حوالى ثلاثة أميال ونصف الميل في صدر الإسلام، قبل أن يتصل عمرانياً في المدينة حالياً. وينسج الأهالي قصصاً تصل إلى مستوى الأساطير عن بعض الجبال في السعودية، ومنها قصة تسمية جبلي أجا وسلمى في حائل، إذ يروي الأهالي أن سبب تسمية الجبلين بهذا الاسم أن أجا كان رجلاً من إحدى قبائل العماليق التي كانت تسكن الجزيرة العربية، وكان يعشق فتاة تُدعى سلمى، وهي تبادله العشق. ولكن أهلهما رفض تزويجهما، بسبب أعراف قبلية. إلا أن سلمى هربت مع رفيقها أجا، فطاردهما ذووها، حتى أمسكوا بهما في موقع بين الجبلين، وهناك قتلوهما وصلبوهما، أجا على الجبل الغربي، وسلمى على الشرقي، فحملا هذا الاسم حتى الآن. ونظراً لما تتمتع فيه هذه المواقع الجبلية من إرث تاريخي عريق ومعان روحانية، بادرت هيئات وجهات معنية إلى تطوير المواقع الجبلية أو المناطق التي تقع قربها وتحيط فيها. وصدرت توجهات ملكية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بأن يرعى في البناء على سفوح الجبال في منى احترام قدسية المكان والتماشي مع طبيعة الجبال. فيما كشفت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عن خطة تطوير المنتزهات الواقعة قرب الجبال، ومنها تطوير منتزه «الديسة» في منطقة تبوك، إضافة إلى توجهات للمحافظة على المحميات الطبيعة، ومنها محمية جبل شدا الأعلى الذي يُعد امتداداً لجبال السروات في الغرب. وضمن مشروع خادم الحرمين للعناية في التراث الحضاري للمملكة، أعلن رئيس «السياحة والتراث الوطني» الأمير سلطان بن سلمان في العام 2015 عن تسجيل 10 مواقع في قائمة التراث العالمي لدى منظمة «يونيسكو»، منها مناطق تراثية تقع على قمم جبلية، مثل قرية ذي العين التي تقع جنوب غرب الباحة، وقرية الفاو التي تقع على بعد 700 كم جنوب غرب الرياض، وعرفت بهذا الأسم لأنها تقع في المنطقة التي يتقاطع فيها وادي الدواسر مع جبال طويق عند ثغرة في الجبل تسمى «الفاو»، إلى جانب منطقة بئر حمى التي تقع بين نجران ووادي الدواسر، والتي تتميز بانتشار الكتابات والرسوم الصخرية المتنوعة على جبالها. يُذكر أن اليوم العالمي للجبال يصادف في الـ11 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، ويأتي في خطوة لتسليط الضوء على تنوع الثقافات الجبلية والترويج لمجموعة واسعة من الهويات الجبلية، مع ضمان الاعتراف في الحقوق المحلية واستمرار الأساليب التقليدية، وذلك لتحفيز وحماية مكانة الجبال التاريخية والسياحية والثقافية الثرية عبر القرون.
مشاركة :