أواخر عام 2014، وزع الديمقراطيون بمجلس الشيوخ لحفنة من الوكالات الفيدرالية نسخا من تقرير سري يتألف من 6700 صفحة عن شبكة سجون سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية أُنشئت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وقدَّم التقرير وصفا شاملا وصريحا للتعذيب الذي عانى منه العديد من المعتقلين في تلك السجون، كما سارعت وكالات الاستخبارات الأميركية لمعرفة ما إذا كانت هناك مؤامرات أخرى فيما يختص بأعمالها. وأعربت السيناتورة الديمقراطية ديان فينشتاين من كاليفورنيا، التي أشرفت على التقرير، عن أملها في أن يصبح التقرير وثيقة أساسية للعاملين في الأمن القومي لأجيال قادمة، وتذكيرا لفترة مظلمة ومخزية استسلمت خلالها الحكومة الأميركية للخوف. والآن يبدو أن التقرير وما يحتويه من معلومات تاريخية في خطر إذا ما بقي في طي الكتمان لأكثر من عقد من الزمان. وبتوجيه من وزارة العدل الأميركية وضع المسؤولون في وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية والبنتاجون ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية نُسخهم من التقرير في خزائن، وبالتالي أصبح التقرير غير مقروء. عندما استعاد الجمهوريون السيطرة على مجلس الشيوخ في يناير 2015، كتب السيناتور ريتشارد بور، الرئيس الجديد للجنة المخابرات الخاصة بمجلس الشيوخ وأحد منتقدي التقرير، رسالة إلى الرئيس باراك أوباما مطالبا بإعادة جميع النسخ إلى مجلس الشيوخ. كما أصدر تعليماته للإدارة الأميركية بعدم إدخال التقرير إلى سجلات السلطة التنفيذية، لأن ذلك من شأنه أن يخضع للاحتفاظ. ويعني أيضا أن التقرير يمكن في مرحلة ما أن يرى النور. في يوم الجمعة الماضي أبلغ البيت الأبيض فينشتاين بأنه ينوي الاحتفاظ بالتقرير بموجب قانون السجلات الرئاسية. وهذه الخطوة ستمنع الإدارة المقبلة من تدمير كل نسخ التقرير، وهو سيناريو يخشاه الديمقراطيون في مجلس الشيوخ. لكن الرئيس أوباما لم يذعن لرفع السرية عن التقرير، مما يعني أن التقرير سيظل سريا لمدة 12 سنة على الأقل. استمر الأميركيون في الموافقة على التعذيب في بعض الحالات، لأنهم غير مدركين للانتهاكات الفظيعة التي ارتكبت باسم الأمن القومي. في الأسبوع الماضي، أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نتائج استطلاع يُظهر أن 46% من الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم يوافقون على تعذيب العدو المقاتل الذي يتم القبض عليه، للحصول على معلومات عسكرية، وهذا بالطبع يُشكل انتهاكا للقانون الدولي، في حين رفض التعذيب 30% فقط. وردا على سؤال عما إذا كان التعذيب خطأ، أو لا مفر منه، قال 54% فقط ممن شملهم الاستطلاع إنه كان خطأ. يذكر أن البيت الأبيض قد حجب مجموعة من صور تعذيب المحتجزين بالقول إن نشر هذه الصور قد يعرَّض القوات الأميركية للخطر في الخارج. يمكن للرئيس أوباما، قبل أن يغادر البيت الأبيض، اتخاذ خطوات لمنع المزيد من تمويه هذا التاريخ.
مشاركة :