لم يصمد اتفاق الهدنة الذي أعلنت عنه روسيا مساء أول من أمس الثلاثاء، إلا ساعات قليلة قبل أن يعود القصف صباح أمس إلى الأحياء الشرقية في حلب، حيث سجّل سقوط عدد من القتلى والجرحى. وفيما أشارت معلومات إلى خلافات بين النظام وحلفائه بشأن الهدنة، فرضت إيران شروطا جديدة على الاتفاق، عبر ربط إجلاء المدنيين من حلب بفك الحصار عن بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين في محافظة إدلب. وبينما أكّدت مصادر في الجيش الحر، لـ«الشرق الأوسط»، أن «روسيا وقّعت الاتفاق، لكن يبدو أن إيران هي التي ترفضه»، قال كل من النظام السوري والإعلام الحربي التابع لما يسمى «حزب الله»، إن أي اتفاق بشأن الصراع في حلب ينبغي أن يلقى قبولا من كل الأطراف بما في ذلك روسيا وإيران. كما نقلت قناة «الميادين» عن مصادر عسكرية تابعة للنظام، قوله إن «أي اتفاق حول حلب يجب أن يحظى بموافقة جميع الأطراف وفي مقدمتهم الحكومة السورية»، معتبرا أن «استمرار حصار المسلحين مناطق مثل كفريا والفوعة يتطلب أن تكون المفاوضات شاملة». من جهتها، نقلت «شبكة شام» المعارضة عن مصدر مطلع «أن إيران عرقلت الاتفاق وقررت التصعيد للضغط باتجاه تنفيذ طلبها، والمتمثل بإخلاء كامل سكان مدينتي كفريا والفوعة في ريف إدلب، مقابل تسهيل تنفيذ اتفاق حلب». وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، إن فصائل المعارضة في إدلب ردّت على الشروط الإيرانية باستهداف البلدتين الشيعيتين المحاصرتين بعشرات القذائف، ما أدى إلى وقوع خسائر بشرية. وتداولت بعض المواقع المعارضة معلومات عن قصف روسي لمواقع إيرانية في ضاحيتي الزهراء والأسد من جهة ريف حلب الغربي، لكن القائد العسكري في إدلب، أبو علي عبد الوهاب، أكّد لـ«الشرق الأوسط» أن الفصائل لم تستهدف كفريا والفوعة يوم أمس، لافتا كذلك إلى أنه لم يتم التأكّد عما إذا كان قصف الضاحيتين كان من قبل طائرة روسية. وأشار في الوقت عينه إلى أن فتح معركة البلدتين، اللتين تشكّلان السلاح الوحيد بيدنا، بات موقع نقاش جدي بين قياديي الصف الثاني والثالث في الفصائل المعارضة الموجودة في إدلب، فيما سماها «انتفاضة داخلية»، وتعقد لهذا الهدف اجتماعات مكثفة، وقد يتم اتخاذ القرار بهذا الشأن في الساعات القليلة المقبلة. وأوضح أن مناطق إدلب تغلي بالمظاهرات اليومية التي تدعو الفصائل إلى التوحد ونصرة حلب والدعوة لعدم رفع علم غير علم الثورة ورفض كل الأعلام الأخرى. لافتا إلى «أننا لا يمكن بعد الآن أن نبقى مكتوفي اليدين أمام كل ما يحصل، وسنعيد الاعتبار للشمال السوري، بعدما كنا نتريث لعدم مقايضة المدنيين بالمدنيين». وانتقد عبد الوهاب ما يقال حول انقسام بين حلفاء النظام، إيران وموسكو، حول الهدنة بالقول: «هناك توزيع أدوار فيما بينهما، الأولى اعترضت والثانية استكملت مهمة القصف». وقبل أن تعيد طهران اتفاق حلب إلى نقطة الصفر عبر إدراج بند فك حصار الفوعة وكفريا، كانت وعبر حاجز لقواتها، قد منعت عبور الدفعة الأولى ممن تم إجلاؤهم ليلا، وهو ما أشار إليه رئيس الهلال الأحمر التركي كريم كينيك، قائلا لـ«وكالة الأناضول»: «نحو ألف شخص من حلب كان قد تم إجلاؤهم خلال الليل بعد اتفاق وقف إطلاق النار، محتجزون عند نقطة تفتيش تابعة لمقاتلين إيرانيين خارج المدينة السورية». وأضاف: «كانوا قد عبروا نقطة التفتيش الروسية، وبعد ذلك تم إيقافهم عند نقطة تفتيش ثانية يقف عندها مقاتلون إيرانيون ولا يزالون ممنوعين من العبور»، مشيرا إلى أن المحادثات تجري للسماح للحافلات التي تقل المدنيين بالتحرك صوب محافظة إدلب التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة. وكان الآلاف من المدنيين ومقاتلو المعارضة انتظروا فجر أمس وسط برد قارس بدء إجلائهم من شرق حلب بموجب الاتفاق الروسي التركي، بعدما تمكنت قوات النظام من السيطرة مؤخرا على أكثر من 90 في المائة من الأحياء التي كانت منذ 2012 تحت سيطرة الفصائل المعارضة. وأكد مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن، لوكالة الصحافة الفرنسية، اندلاع «اشتباكات عنيفة على خطوط التماس بين الطرفين يرافقها قصف عنيف». وأفاد التلفزيون السوري الرسمي بمقتل سبعة مدنيين بقذائف للفصائل السورية المعارضة. وتزامن هذا التصعيد مع إعلان مصدر قريب من النظام تعليق اتفاق الإجلاء من شرق حلب الذي كان يفترض أن يبدأ تطبيقه فجر أمس الأربعاء. وعزا المصدر التعليق بـ«ارتفاع عدد الراغبين بالمغادرة من ألفي مقاتل إلى عشرة آلاف شخص»، مضيفا أن الحكومة «تطالب أيضا بالحصول على قائمة بأسماء جميع الأشخاص المغادرين، للتأكد من عدم وجود رهائن أو سجناء». في المقابل، أكد ياسر اليوسف، عضو المكتب السياسي لحركة نور الدين الزنكي، أبرز الفصائل المعارضة في حلب، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «الاتفاق الأساسي لم يتضمن تزويد النظام بأسماء المغادرين» من شرق المدينة. في موسكو، أعلن الجيش الروسي في بيان أن «مقاتلين متمردين اغتنموا الهدنة فتجمعوا عند الفجر وحاولوا خرق مواقع القوات السورية في شمال غربي حلب»، مؤكدا أنه «تم صد هجوم الإرهابيين، واستأنف الجيش السوري عملياته لتحرير أحياء شرق حلب». وكان من المفترض أن تبدأ عملية إجلاء المقاتلين والمدنيين المتبقين في شرق حلب أمس الأربعاء عند الساعة الخامسة صباحا. وانتظرت عشرون حافلة حكومية خضراء اللون كان من المقرر أن تقل المغادرين منذ ليل أمس قرب حي صلاح الدين الذي يتقاسم الجيش والفصائل المقاتلة السيطرة عليه. وقالت صحافية في وكالة الصحافة الفرنسية، إن السائقين أمضوا ليلتهم نائمين في الحافلات، فيما لم يصل أي مدني أو مقاتل معارض إلى الجوار. وفي حي المشهد، أحد آخر الأحياء تحت سيطرة الفصائل، تجمع عدد كبير من المدنيين منذ الفجر منتظرين أي معلومات بشأن الحافلات التي كان يفترض أن تقلهم. وأمضى كثيرون منهم ليلتهم على الأرصفة. ويتكدس آلاف المدنيين في هذا الحي وأجزاء من أحياء أخرى في شرق حلب لا تزال موجودة فيها فصائل المعارضة، بعضهم لا مأوى له، ينامون في الشارع. ويعاني الجميع من الخوف والجوع والبرد. وأعلنت كل من موسكو وأنقرة أول من أمس (الثلاثاء) التوصل إلى اتفاق لإجلاء المقاتلين والمدنيين من شرق حلب، دخل على أثره وقف لإطلاق النار حيز التنفيذ في المدينة المنكوبة. ويتضمن الاتفاق، وفق ما أوضح ياسر اليوسف، أن يغادر المدنيون والجرحى والمقاتلون مع سلاحهم الخفيف إلى ريف حلب الغربي أو محافظة إدلب (شمال غربي). وبموجب الاتفاق يخرج المدنيون والجرحى في الدفعة الأولى، وفق اليوسف. وأحرزت قوات النظام السوري تقدما سريعا خلال شهر داخل الأحياء الشرقية، وبات مقاتلو المعارضة محصورين داخل بقعة جغرافية صغيرة. وبعد ساعات على إبداء الأمم المتحدة خشيتها من تقارير وصفتها بالموثوقة تتهم قوات النظام بقتل عشرات المدنيين بشكل اعتباطي، بينهم نساء وأطفال، في شرق حلب، طالبت منظمة «أطباء العالم» غير الحكومية، أول من أمس، بإجلاء آخر الناجين على وجه السرعة بعد تحول حلب إلى «جحيم حقيقي». وقالت رئيسة المنظمة فرنسواز سيفينيون لوكالة الصحافة الفرنسية: «تشهد حلب أوضاعا خطيرة للغاية... لا يزال مائة ألف شخص محتجزين على أراض لا تتعدى مساحتها خمسة كيلومترات مربعة». وعقد مجلس الأمن الدولي مساء أول من أمس (الثلاثاء) جلسة طارئة حول حلب طالبت خلالها المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامانثا باور بنشر «مراقبين دوليين حياديين» في حلب للإشراف على إجلاء المدنيين بـ«أمان تام». وقالت إن المدنيين الراغبين بالخروج «خائفون، وهم محقون في ذلك، من تعرضهم للقتل على الطريق أو من نقلهم إلى أحد معتقلات النظام».
مشاركة :