حلب التي اختطفت ولحق بها عقاب لا تستحقه ستضع في كل وقت سؤال الثورة موضع استفهام. الانتصار على حلب ليس فخرا. مثله في ذلك مثل الاحتماء بأسوارها من أجل الثورة. لقد ارتكب طرفا الصراع، النظام ومعارضته جريمة في حق الإنسانية حين صنعا من حلب ساحة لحرب، لم تكن المدينة مخيرة في التورط فيها. وإذا ما كان المعارضون قد سعوا إلى ابتزاز الضمير العالمي من خلال تسليط الضوء على مشاهد الدمار الشامل الذي ضرب المدينة فإن النظام كان عاجزا عن التدقيق في هوية مَن يقاتله من داخل المدينة، فكانت الحرب على حلب ومن خلالها في الوقت نفسه. لقد حرم ضجيج الحرب المدينة من أن تقول رأيها في ما يحدث لها. أنا على يقين من أن الحلبيين لو خيروا بين الحرب والسلم لاختاروا الأخير. ذلك لأن المدينة التي عرفت بعشق سكانها للغناء لم تكن تنتسب إلى المناطق التي يمكن تسميتها مجازا بالمناطق المحرومة. حلب غنية بناسها وثرواتها وتجارتها ومهارات سكانها الاقتصادية. لذلك فإنها لا تحتاج إلى أن تصرخ لكي يسمع الآخرون صوتها. كان همسها كفيلا بإرباك النظام في دمشق. مَن لا يستمع إلى نداء حلب لا يليق به أن يحكم في دمشق. لذلك صعبت الحالة في حلب مقارنة بسواها من المدن السورية الكبيرة. ما يؤلم فعلا في حالة حلب أن المعارضة السورية التي كانت توصف بالمعتدلة والتي كانت طرفا في الحوار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة كانت تعرف جيدا أن ما يجري في حلب ليس جزءا من الثورة السورية. لقد اقتطعت حلب من الجسد الرسمي لسوريا في الوقت نفسه التي تم فك ارتباطها بالثورة. وكان الفاعل في الحالين واحدا. لقد سيطرت التنظيمات الإرهابية المدعومة من قطر وتركيا على المدينة. وما الاتفاق الروسي التركي على ترحيل المقاتلين المهزومين من حلب إلا دليل أخير على هيمنة تركيا على التنظيمات المسلحة التي كانت تقاتل في حلب. وليس من باب الشماتة القول إن الهزيمة في حلب كانت شهادة وفاة متأخرة للثورة السورية. اما المعارضة المعتدلة فقد حفرت قبرها بنفسها حين سكتت عن التصريح بهوية الجهة التي استدعت القصف الروسي. الآن يعد أن دمرت حلب صار المعارضون يلقون على الإسلاميين اللوم في ما حدث للمدينة. أما كان الأشرف وطنيا أن تعلن تلك المعارضة موقفها هذا قبل سنوات؟ أكان ضروريا أن تضحي المعارضة بحلب من أجل استمرار ثورة، سُلمت مفاتيحها منذ بداياتها إلى جهات خارجية، كانت صريحة في تبنيها للتنظيمات الدينية المتشددة؟ فاروق يوسف
مشاركة :