القضاء التونسي يحكم بتزويج طفلة لشاب اغتصبها يشهد الرأي العام التونسي حالة من الغليان على وقع قرار قضائي بتزويج فتاة قاصر (13 سنة) من مغتصبها، قرار أثار ردود فعل تراوحت بين الاستهجان والرفض والتنديد بتزويج الضحية من مغتصبها، وبلغ التنديد درجة المطالبة بتغيير قوانين المجلة الجزائية في ما يتعلق بالاغتصاب والتحرش والعنف المسلط ضد الطفل والمرأة. العربسماح بن عبادة [نُشرفي2016/12/15، العدد: 10486، ص(21)] حين تعاقب الضحية مرتين تونس - بعد يوم من صدور حكم قضائي للمحكمة الابتدائية بمحافظة الكاف بالإذن لشاب عشريني بالزواج من الفتاة التي اغتصبها والبالغة من العمر 13 سنة، تواترت أنباء الأربعاء عن قرار النيابة العمومية بالاستئناف على هذا الحكم إثر تنفيذ عدد من أهالي الكاف ونشطاء في المجتمع المدني وقفة احتجاجية أمام مقر المحكمة. الأنباء المتواترة عن استئناف النيابة العمومية على الحكم القضائي، لم توقف سيل المواقف، ولم تحجب عمق القضية فالضحية طفلة حملت من مغتصبها وهي في شهرها الثالث حسب وسائل الإعلام التونسية، وما جعل وتيرة التنديد تتصاعد هو روح نص القانون الذي يسمح للمغتصب بأن يتزوج ضحيته حتى وإن كانت قاصرا ويعفيه من التتبعات العدلية والعقوبة على جريمته. حكم رأى فيه الرافضون الذين غصت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقاتهم تبسيطا وتجاهلا لجريمة الاغتصاب التي تسقط بعد موافقة عائلة الضحية على تزويجها من مغتصبها بقرار قضائي يأذن لها بذلك ويتخلص على إثره المذنب من التتبع، وذلك استنادا إلى المادة 227 مكرر من المجلة الجزائية التي تنص على أن “زواج الفاعل بالمجني عليها يوقف التتبع وآثار المحاكمة”. المنددون والمنتقدون لهذا القرار القضائي طرحوا تأثيرات هذا القانون وتداعياته على المجتمع والأسرة وعلى مبادئ العدالة وحماية حقوق الطفل والمرأة وذهب بعضهم إلى القول إن مثل هذه الأحكام ترجع حقوق المرأة والطفل في تونس أشواطا إلى الوراء، وما جعله صادما حسب تعبير العديد من رواد فضاءات التواصل الاجتماعي، أنه يمكن أن يشجع على الاغتصاب نظرا لغياب الردع والعقوبة التي يعفى منها المعتدي بمجرد زواجه من ضحيته. ورأى فيه بعض الحقوقيين أنه يمكن أن يفتح الباب أمام تزويج القاصرات وتزويج المغتصب من ضحيته، رغم أن تونس قد قطعت أشواطا في مجال حقوق الطفل والمرأة. نص القانون ليس مرضيا بالنسبة إلى التونسيين الرافضين لتزويج قاصر بمغتصبها ولتخليص المعتدي من العقاب ومن جهة أخرى، فإن توقيت هذه الحادثة والقرار القضائي الذي تبعها في زمن ما بعد الثورة التونسية التي رفعت منسوب الانتظارات لدى التونسيين والتونسيات على مستوى الحقوق والحريات والمساواة بين الجنسين والعدالة وفي الوقت الذي تنتظر فيه التونسيات مصادقة مجلس النواب على مشروع قانون جديد يشدد العقوبات في قضايا العنف والاعتداء على المرأة والطفلة، جعلها لافتة للرأي العام ومحفزة لنشطاء وجمعيات المجتمع المدني من حقوقيين ورجال قانون وغيرهم، ما جعلهم يشددون ويلحون على ضرورة التعجيل في تغيير القوانين الجزائية التي تضيع حقوق ضحايا العنف المادي والمعنوي من نساء وأطفال. وعبّرت العديد من المنظمات والجمعيات التونسية في بيان لها، الأربعاء 14 ديسمبر 2016، عن استغرابها للقرار القضائي الصادر عن محكمة الكاف والقاضي بتزويج طفلة الثلاث عشرة سنة من مغتصبها، واعتبرت أن مثل هذه القرارات تعدّ تجاهلا للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحامية لحقوق الطفل ومسا من كرامة الطفلة والمرأة عموما وخرقا للدستور التونسي الضامن لحقوق الطفولة وتشجيعا على اقتراف المزيد من الاعتداءات، مطالبة بالتراجع عن الإذن القضائي وإبطال زواج الطفلة من المعتدي وحمايتها نفسيا واجتماعيا، وبالإسراع بتنقيح الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية وإلغاء فقرته التي تخوّل زواج القاصر بالمعتدي لإبطال التتبع، إضافة إلى التسريع بالمصادقة على مشروع القانون الأساسي للقضاء على العنف ضد المرأة. ومن جهتها، أعلنت وزارة المرأة والأسرة والطفولة عن انشغالها إزاء وضعية الطفلة المعتدى عليها، وقالت في بلاغ صادر عنها إنها سعت منذ ورود الإشعار بالتحرك في اتجاه الرجوع في الإذن القضائي وإبطال الزواج نظرا للمصلحة الفضلى للطفلة باعتبار أن وضعيتها تنطبق على أحكام الفقرة “هـ”* من الفصل 20 من مجلة حماية الطفل، مشددة على الالتزام عبر هياكلها وبالتنسيق مع مصالح الوزارات الأخرى المختصة بالتعهد بمرافقة الطفلة الضحية من أجل توفير الإحاطة النفسية والصحية الضرورية، وتقديم المساعدة الاجتماعية لها ولعائلتها بما يضمن رعايتها وإدماجها اجتماعيا. ودعت وزارة المرأة مجلس نواب الشعب إلى ضرورة التعجيل في النظر في مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الذي يهدف إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف، وذلك بالوقاية منه وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا ومساعدتهم، داعية كافة وسائل الإعلام إلى الحرص على عدم الكشف عن المعطيات الشخصية للطفلة. في حين أكد المحامي عبدالناصر العويني في حوار إذاعي مدافعا عن صحة القرار القضائي بشكل يتطابق مع قوانين المجلة الجزائية، أن الفصل 277 مكرر ينظم حالتين لجرائم المواقعة للقصر، تتعلق الأولى بالقاصر دون سن 15 سنة وأكثر من 13 سنة وتبلغ أقصى العقوبة في هذا الإطار 6 سنوات سجنا، أما الحالة الثانية فتتمثل في مواقعة أنثى سنها دون الـ20 سنة وفوق 15 سنة وتبلغ أقصى العقوبة في هذه الحالة 5 سنوات سجنا. وقال إنه “في جريمة مواقعة قاصر برضاها هناك القاصر المميز والقاصر غير المميز ويقول الفصل 277 مكرر إن زواج الجاني بالمجني عليها يوقف المحاكمة ثم في نفس الفصل هناك فقرة قام بإضافتها المشرع سنة 1993 تقول إذا تم الرجوع في الزواج بالطلاق في ظرف سنتين فإن التتبعات تستأنف آليا وهذا إجراء حمائي لمؤسسة الزواج الناتجة عن عملية مواقعة قاصر برضاها”. هذا التوضيح القانوني يرفع اللوم عن السلطة القضائية من زاوية تطبيقها والتزامها بالقوانين، لكن نص القانون في حد ذاته ليس مرضيا بالنسبة إلى التونسيين المنددين به والرافضين لتزويج قاصر بمغتصبها والرافضين تماما لتخليص المعتدي من العقاب. :: اقرأ أيضاً باحثون: الذكيات فاشلات في الحب وغير جذابات تصاميم شانيل من القرن الماضي اضطراب جينات الأب سبب آخر للولادة القيصرية التمارين الرياضية تحد من آثار السكتة الدماغية
مشاركة :