يحتاج الراعي إلى صلاحيات ومقومات كي يستطيع السيطرة على القطيع، كما يحتاج كل قائد إلى صلاحيات تمنحه الطاقة والقوة كي يستطيع تحقيق أهدافه، تلك أهم أبجديات الإدارة التي يستطيع من خلالها أي مسؤول أو صاحب قرار أن يتحكم في سير إدارته حسب اتجاه أهداف المؤسسة التي يديرها، والتغلب على العابثين بأنظمتها الذين قد يتسببون في بث الفوضى وحالة من اللااتزان وعدم الاستقرار، الأمر الذي يؤدي إلى فشل ذريع في تحقيق أهداف تلك المؤسسة. لن يستطيع أي مسؤول في أي قطاع سواء كان (حكومياً أو عسكرياً أو حتى أهلياً) أن يضبط حركة مؤسسته ما لم يملك صلاحيات يسيطر من خلالها على سير العمل الذي يديره ويرأسه، حتى الأب إن لم تكن له سلطة وكلمة في بيته لضاعت العائلة؛ لذلك جعل الله في قرآنه الكريم صلاحيات الذكر على الأنثى، والأب على الأبناء، والكبير على الصغير. تلك قوانين ربانية لا تحتاج إلى نقاش، وذلك لعلمه سبحانه وتعالى المسبق بحيثيات إدارة الأمور، ليس تحقيراً للأنثى أو الصغير ولكنها صلاحيات إلهية حسب القدرات التي وضعها فيمن يستطيع أن يدير منزلاً وبالتالي مجتمعاً يستطيع أن يحقق سعادته والسيطرة على فوضويته وحفظ شتاته، فلو لم تكن لموسى -عليه السلام- عصا لما تحرك غنمه حيث أراد. كذلك هو التعليم؛ فالمعلم والطالب أصبحا بمنزلة توم وجيري كونهما المحك الأساسي للعملية التعليمية، وفي تسارع مستمر ينتظر كلاهما سقوط الآخر، ويتربص أحدهما بالآخر، مستخدمين الأنظمة التعليمية والتربوية أسلحة هجوم ودروع حماية، الذي نأمل أن يتمخض عنه قادة مبدعون ومنتجون بخلق إسلامي، يستطيعون خدمة مجتمعهم وتشريف وطنهم ورسم صورة مضيئة لدينا. لا شك أن الإعلام قد احتضن ذلك العراك العقيم، وجعل من أحدهما (توم) والآخر (جيري)، إما لتحقيق سبق صحفي أو «حصرنة» فضائية، أو غير ذلك، دون تلمس أو اهتمام بما سينتج عنه من مخرجات، ودون الاهتمام بمصلحة الوطن ومستقبله، الذي ساعد بذلك أنظمة الوزارة التي أحكمت الخناق على المعلم، وسلبت منه كل عتاد يتقوى به على ضبط الحركة التعليمية وتحقيق هدفها، حتى على مستوى البيئة التعليمية الصغيرة في الحجرات الدراسية، نجد أن المدرس لا يملك أي صلاحيات يستطيع من خلالها السيطرة على طلابه وضبط الشاذين منهم؛ لتحقيق ما يخدم التربية والتعليم ويحقق أهدافها، ولا نجد سوى اجتهادات شخصية تتأرجح بين النجاح والفشل. بل مع الأسف زاد الأمر سوءاً بما استحدثته الوزارة من أنظمة وقرارات أفقدت المعلم شخصيته وسلبته قوته حتى أُصيب بجلطة شلت حركة أعضائه، فكيف لقائد هزيل مشلول ضبط كتيبته؟! فسيدنا سليمان حكم عاماً كاملاً وهو ميت متكئ على عصاه، ولو لم ينخرها السوس لأصبح يحكم حتى يومنا هذا، (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)، في حين أن الحكمة تقول (من أمن العقوبة أساء الأدب). لست ضد الأبناء من الطلاب، أو أطالب بالضرب والترويع؛ فأنا ضد ذلك تماما، ولكن بالمقابل يجب أن يكون رب البيت قوياً بما يملكه من صلاحيات منظمة ومقننة؛ كي يستطيع إدارة بيته وتربيته والسيطرة على ساكنيه بما ينفعهم ويبني مستقبلهم ويؤمن حياتهم، حتى يجعل منهم أفراداً ينتفع بهم مجتمعهم (فخير الناس أنفعهم للناس) كما قال رسولنا -عليه الصلاة والسلام-، ولكنني أتحدث بمنظور ديني بحت ومصلحة وطن بحجم المملكة العربية السعودية.. أرجو لها ولمستقبلها أن تصبح في مصاف الأمم المتقدمة، فلا الطالب (توم) ولا المعلم (جيري).
مشاركة :