لندن: «الشرق الأوسط» قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة واعتماد تقنيات مثل استخراج الغاز الصخري ينبغي أن يعتليا صدارة الأولويات السياسية لأوروبا، واصفا أزمة القرم بأنها «صيحة تحذير» للدول المعتمدة على الغاز الروسي. وهددت التوترات المتصاعدة بين الشرق والغرب بشأن ضم روسيا لمنطقة القرم الأوكرانية أمن الطاقة لبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا التي تعتمد بكثافة على إمدادات الغاز الروسية. وبحسب «رويترز» أبلغ كاميرون الصحافيين على هامش قمة للأمن النووي أمس في لاهاي بهولندا أمس «بعض الدول يكاد يعتمد اعتمادا كاملا على الغاز الروسي، لذا أعتقد أنها كانت صيحة تحذير». كان اجتماع عقد على عجالة للدول الصناعية السبع الكبرى يوم الاثنين قد تمخض عن اتفاق على أن يعمل الوزراء معا للحد من الاعتماد على النفط والغاز الروسي. وأشار كاميرون إلى احتياطيات الغاز الصخري في جنوب شرقي أوروبا وفي بولندا وإنجلترا كأداة لتعزيز الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة للمنطقة بأسرها. وقال: «أعتقد أنها فرصة جيدة.. الاكتفاء الذاتي في الطاقة واستخدام شتى مصادر الطاقة ينبغي أن يكونا في صدارة القضايا السياسية من الآن». ويواجه استغلال الغاز الصخري احتجاجات في بريطانيا بسبب الآثار البيئية للتقنية التي تتضمن تفجير الصخور تحت الأرض باستخدام سائل عالي الضغط. وتمنع فرنسا وبلغاريا استخدام هذه التقنية. وتشتري بريطانيا كميات ضئيلة من الغاز من موسكو لكن روسيا تزود الاتحاد الأوروبي بنحو ثلث احتياجاته من النفط والغاز ويمر نحو 40 في المائة من ذلك الغاز عبر الأراضي الأوكرانية. وفي الأسبوع الماضي اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على تسريع جهودهم لتعزيز أمن الطاقة عن طريق دراسة استيراد الغاز من الولايات المتحدة وتجميع قوتهم الشرائية لتدعيم موقف الاتحاد في المفاوضات مع موسكو. وفي بداية العام عبرت بريطانيا عن عزمها خفض الضرائب التي سيجري فرضها على إنتاج الغاز الصخري إلى النصف، رغم المخاوف البيئية من عمليات استخراج الغاز والتحذير من الانبعاثات الغازية. وأوضح وزير الخزانة البريطاني حينها جورج أوزبورن أنه سيخفض الضريبة من 62% إلى 30% على إنتاج الغاز الصخري، وأنه يريد أن يجعل من النظام الضريبي البريطاني «الأكثر كرما مع إنتاج الغاز الصخري على مستوى العالم». وتأمل الحكومة البريطانية أن يمثل إنتاج الغاز الصخري ثورة في سوق الطاقة لديها كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة. يذكر أن الغاز الصخري أصبح بمنزلة ثورة جديدة في مجال الطاقة بالولايات المتحدة، حيث يستقطب استثمارات ضخمة وأدى إلى خفض أسعار الطاقة. وكان تقرير رسمي قد ذكر الشهر الماضي أن بريطانيا تمتلك احتياطيات من الغاز الصخري تفوق بكثير التقديرات السابقة. وأفاد التقرير الصادر عن مؤسسة المسح الجيولوجي البريطانية بتكليف من حكومة لندن أن بريطانيا تمتلك نحو 1300 تريليون قدم مكعبة من الغاز الصخري (36.8 تريليون متر مكعب) في وسط بريطانيا، وهو ضعف التقديرات السابقة تقريبا. وأشار إلى أنه لم تتضح بعد كمية الغاز التي يمكن استخراجها من هذه الصخور بالفعل، مضيفا أن هذا يتوقف على عوامل اقتصادية وجيولوجية واجتماعية. وتضيف نتائج هذا المسح المزيد من الزخم إلى الجدل الدائر في بريطانيا حاليا حول استغلال هذه الصخور. ويقول مؤيدو استغلال الغاز الصخري إنه سيجعل بريطانيا أكثر اكتفاء من الطاقة في ظل ارتفاع وارداتها من مصادر الطاقة إلى مستويات قياسية حاليا، مشيرين إلى أنه مصدر طاقة أقل إنتاجا للغازات الكربونية. لكن هناك جماعات بيئية تعارض بشدة استغلال الغاز الصخري بنظام التكسير. ويقول المعارضون إن عملية تكسير الصخور لاستخراج الغاز والتي تشمل ضخ مزيج من الكيمياويات والمياه مع ضغط مرتفع إلى طبقات الصخور على عمق مئات الأمتار تحت الأرض، يمكن أن تسبب زلازل ضعيفة. ويقولون إن هذه العملية يمكن أن تؤدي أيضا إلى تسميم المياه الجوفية، مع الخوف من احتمالات تسرب غاز الميثان الناتج عن العملية إلى الهواء. وكانت مجموعة «توتال» الفرنسية أعلنت في بداية العام إبرام صفقة لاستكشاف الغاز الصخري في بريطانيا في خطوة من شأنها أن تعزز التقنية التي وفرت طاقة رخيصة للولايات المتحدة ولكن تلقى معارضة شديدة من النشطاء المعنيين بالدفاع عن البيئة. وقالت المجموعة الفرنسية التي صارت أولى شركات النفط والغاز الكبرى التي تبرم مثل هذه الصفقة في بريطانيا إنها اشترت حصة نسبتها 40 في المائة في ترخيصين للاستكشاف بشمال إنجلترا مقابل ما يصل إلى 48 مليون دولار. وجاءت مشاركة «توتال» بعد عمليات استحواذ على موارد للغاز الصخري قامت بها شركتا «سنتريكا للمرافق» و«جي.دي.إف سويس». وتساهم صفقة الشركة الفرنسية في وضع بريطانيا على الخارطة بصفتها دولة تتمتع بإحدى أكبر إمكانات تطوير موارد النفط والغاز غير التقليدية في أوروبا. ورغم ضآلة هذه الاستثمارات مقارنة بحجم القطاع إلا أن بعض الخبراء يقولون إنها تمهد الطريق أمام شركات نفط وغاز كبرى لتحذو حذو «توتال». ويقدر حجم موارد الغاز الصخري في بريطانيا بما يزيد 400 مرة على حجم الاستهلاك السنوي للغاز في البلاد وألقت الحكومة بثقلها وراء عمليات الاستكشاف في وقت صار فيه ارتفاع أسعار الطاقة قضية سياسية ساخنة. وفي الولايات المتحدة غير استكشاف الغاز الصخري ملامح سوق الطاقة، إذ تسبب في هبوط حاد للأسعار ووضع البلاد على المسار الذي يقودها نحو الاستقلال في مجال الطاقة. ورغم ذلك لقيت هذه التقنية معارضة شديدة من نشطاء معنيين بحماية البيئة، إذ يخشون تلوث المياه وإفساد المناظر الطبيعية وزيادة حدة الاحتباس الحراري. وتتضمن التقنية ضخ مواد كيماوية ومياه في باطن الأرض تحت ضغط عال لكسر التكوينات الصخرية. ورغم ذلك تدعم الحكومة البريطانية استكشاف الغاز الصخري سبيلا لتقليص اعتماد البلاد المتزايد على واردات الغاز ولزيادة الواردات.
مشاركة :