الوفاء بالعهد... شيمة الرجال وصفة العظماء - إسلاميات

  • 12/16/2016
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

الوفاء بالعهد هو: عدم النكث به، بل تنفيذه، والوفاء بالعهد شيمة الرجال، وصفة العظماء، هكذا أمرنا الله تعالى أن نكون، وعلى هذه الصفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان عليه من مكارم الأخلاق، كان صلى الله عليه وسلم يفي بعهده، ولم يعرف عنه في حياته أنه نقض عهداً قطعه على نفسه، وكان صلى الله عليه وسلم ترجمان القرآن قال الله تعالى في كتابه الكريم: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» [النحل: 91، 92]. شر الدواب وقد جعل الله تعالى من ناقض العهد بمنزلة الحيوانات قال تعالى: «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ» [الأنفال: 55 - 58]. قال ابن سعدي في تفسير هذه الآيات الكريمة: «إن هؤلاء الذين جمعوا هذه الخصال الثلاث: الكفر، وعدم الإيمان، والخيانة، بحيث لا يثبتون على عهد عاهدوه ولا قول قالوه هم (شر الدواب عند الله) فهم شر من الحمير والكلاب وغيرها. فإذا وجدتهم في حال المحاربة بحيث لا يكون لهم عهد وميثاق فنكل بهم، وأوقع بهم من العقوبة ما يصيرون به عبرة لمن بعدهم. وإذا كان بينك وبين قوم عهد وميثاق على ترك القتال، وخفت منهم خيانة بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة ﴿ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ ﴾ عهدهم. أي ارمه عليهم وأخبرهم أنه لا عهد بينك وبينهم، حتى يستوي علمك وعلمهم بذلك، ولا يحل لك أن تغدرهم أو تسعى في شيء مما منعه موجب العهد حتى تخبرهم بذلك». أوفى الأوفياء وقد كان صلى الله عليه وسلم أوفى الأوفياء بالعهود، ودلائل وفاء محمد صلى الله عليه وسلم لا تنتهي عند المواقف والأحداث التي كان يفي فيها بما التزمه، فقد شهد له أعداؤه بأنه يفي بالعهود ولا يغدر، فحين لقي هرقل أبا سفيان، وكان أبو سفيان على عداوته لمحمد صلى الله عليه وسلم سأل هرقل أبا سفيان عن محمد صلى الله عليه وسلم عدداً من الأسئلة، كان مما سأله فيه قوله: فهل يغدر؟. قال لا. ومن الوفاء: إنجاز الكلمة وحفظ الصداقة فيقال: إنسان وفي، إذا حفظ حق الصحبة، وإنسان لا وفاء عنده. إذا تنكر للصحبة. وقد قال الشاعر معرّضاً بمن اغتنى وتنكر لأصدقائه الذين كان معهم في مرتبة واحدة من ضيق ذات اليد. العهد والوعد وقد كان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في كل مكارم الأخلاق ومنها هذه الصفة التي عزت في هذه الأيام، (كان محمد صلى الله عليه وسلم يفي بعهده ولم يعرف عنه في حياته أنه نقض عهداً قطعه على نفسه. ويلتزم محمد صلى الله عليه وسلم الوفاء مع المخالفين حتى وهو يتعامل مع أتباعه والمستجيبين له فلا يقبل منهم أن يخل بعهد التزم به، وقد شهد له أعداؤه بأنه يفي بالعهود، والفضل ما شهدت به الأعداء. فالوفاء بالوعد أو العهد أدب رباني وخلق كريم وسلوك إسلامي نبيل، والوفاء بالعهد هو قيام المسلم بما التزم به؛ سواء كان قولاً أم كتابة، فإذا أبرم المسلم عقداً فيجب أن يحترمه، وإذا أعطى عهداً فيجب أن يلتزم به. فالعهد لا بد من الوفاء به، كما أن اليمين لا بد من البر بها، ومناط الوفاء والبر أن يتعلق الأمر بالحق والخير، وإلا فلا عهد في عصيان، ولا يمين في مأثم، فلا عهد إلا بمعروف. أنواع العهود أولاً: عهود بين الله والناس: قال الله تعالى «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» [الأحزاب: 23]. ثانياً: عهود بين الناس مع بعضهم. مثل عهود الزواج وحقوق الجوار وحقوق الأخوة. وقد تتابعت آيات القرآن الكريم تحض على الوفاء وتخوف من الغدر قال الله تعالى «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً» [الإسراء: 34]. ومن الشؤون التي اهتم بها الإسلام ونوه كثيراً بقيمة الوفاء بها، الديون، فإن سدادها من آكد الحقوق عند الله تعالى، حتى إن الشهيد يغفر الله له كل شيء إلا قضاء الدين. وبالرغم من ذلك التحذير لخطر الدَّين في الدنيا والآخرة، إلا أن بعضاً من الناس قد استهانوا بالديون فاقترضوها لشهوات الغي والبطون والفروج عن طريق الربا المحرم تحريماً باتاً فنكبوا نكبات جائحة في ديارهم وأموالهم. شرف الكلمة والعرب في الجاهلية كانوا يتحلون بشرف الالتزام بالكلمة وما أكثر القصص التي تدل على هذه المكرمة في نفوس الجاهليين، وفي لقاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع عمرو بن معدي كرب رضي الله عنهما، قال عمرو: سأحدثك يا أمير المؤمنين عن أحيل رجل لقيته، وعن أشجع رجل، وعن أجبن رجل. كنت - في الجاهلية - في الصحراء، أركض فرسي، علني أجد رجلاً أقتله، إذا أنا بسواد بعيد، فركضت فرسي إليه فرأيت فرساً مربوطاً، وصاحبه في الخلاء، فصحت فيه:خذ حذرك فإنني قاتلك، ثم نهض متقدماً نحوي، فقال: من أنت؟ قلت عمرو بن معدي كرب، قال: أبا ثور، ما أنصفتني؛ أنت راكب وأنا راجل، قال: أنت آمن حتى تركب، فلما وصل إلى فرسه جلس واحتبى، قلت: خذ حذرك فإنني قاتلك، قال: ألم تقل لي: إنك آمن حتى تركب؟ قال: بلى، قال: فلست براكب، فانصرفت عنه، فهذا أحيل رجل يا أمير المؤمنين. ولما جاء الإسلام، عزز هذه الصفة، صفة الالتزام بالكلمة والوفاء بها، فهي من مكارم الأخلاق التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ليتممها. وما أكثر القصص التي تدل على الوفاء بالعهد في المواقف الإسلامية في السلم والحرب. وخلاصة الموضوع أن يكون المسلم وفياً بالعهد مع الله تعالى لهذه الكلمة الطيبة، التي تخرج المرء من النار خالداً فيها أبداً إلى الجنة خالداً فيها أبداً، وذلك بالتوبة النصوح التي لا نقض لعهدها.

مشاركة :