«الوسواس القهري» فكر متسلط وسلوك جبري يظهر بتكرار لدى الفرد ويلازمه ويستحوذ عليه ولا يستطيع مقاومته، ويشعر بإلحاح داخلي للقيام بفعلٍ ما، قديماً.. لم يكن الأمر مفهوماً ولم يكن هناك داعٍ للذهاب إلى طبيب نفسي لمعالجة الأمر، لكن مع تقدم العلم، تمّ تعريفه على أنه مرض نفسي مرتبط ارتباطاً مباشراً باختلال كيميائي في المخ، أو قد ينشأ في الشخص وراثياً، وعلى الرغم من أن الكثير من الأفراد في مجتمعاتنا يعانون منه، إلا أن فكرة الذهاب إلى الطبيب النفسي ما زالت غير واردة للكثيرين، بل إن البعض يتغاضى عن الأمر باعتباره غير موجود! والوسواس القهري يصيب من 1-3 % من عموم الناس، في متوسط عمر 25 عاماً، لكن إحدى أهم معضلات هذا المرض هو عدم المعرفة الصحيحة بحقيقته أو طبيعته، وإدراك أنه مرض من الأساس، والوسواس القهري سُمي ذلك لأنه عبارة عن أفكار تسيطر على الشخص ويعجز عن قهرها والتخلص منها، ويجب التفرقة بين «الشخصية الوسواسية» و«الوسواس القهري»، فالشخصية الوسواسية ليس لها علاج وإنما يمكن إعطاء الشخص أدوية تقلل من حدتها، وتجعله قادر على التكيف مع الناس والمجتمع، هذه الشخصية تكون راضية عما تفعله وعما ينتابها من أفكار بغض النظر عن موقف الآخرين، أما المصاب بالوسواس القهري فهو يشتكي مما يحدث له ومما يفعله، وليس شرطاً أن تكون له شخصية وسواسية. التشخيص أول العلاج د.هشام عبدالرحمن، إخصائي الطب النفسي، يخبرنا بأن: «التشخيص الصحيح للمرض هو أول العلاج، فالكثير من المرضى بالوسواس القهري لا يعرفون أنهم مصابون به، والبعض يتصور بأن الجن يقومون بالتشويش على أفكارهم أو أنهم ضعيفوا الشخصية أوغيرها من التصورات، والمشكلة أن هذه التصورات لا تفيد في العلاج بل تؤدي إلى زيادة حدة المرض»، وفيما يخص المرض عربياً.. يضيف أن: «المشكلة الحقيقية هي أن المريض يُحرَج من أن يخبر أحداً بمرضه، كما يُحرَج من الذهاب للطبيب النفسي، إما لشعوره بأنه من العيب أن يذهب لطبيب نفسي أو خوفاً من أن يعتقد الناس أنه مجنون أو غريب الأطوار، وفي الوقت الذي يقابل البعض المرض بالعقلانية، فهناك كثيرون للأسف يقابلونه بالغضب أو باليأس». وتقول د.منال عبدالقادر، استشارية الطب النفسي وخبيرة العلاقات الأسرية إن «الوسواس منتشر في مجتمعنا لكن بنسب مختلفة من شخص لآخر، فالبعض موسوس حول الخوف من الإصابة بمرض ما، أو القلق على سلامة أحد أفراد أسرته، أو الخوف من ارتكاب خطأ قد يهدد بحدوث كارثة، ثمة أشخاص تسبب لهم هذه الأفكار قلقاً لفترات معينة، ثم تعود حياته إلى مسيرتها الطبيعية، أما الأشخاص المصابين بالوسواس كمرض، فغالباً ما تكون هذه الأفكار الدخيلة مستمرة وتثير لديهم قلقاً شديداً بحيث يعرقل مسيرة حياتهم الطبيعية». نحو حياة بلا وساوس الوسواس القهري عبارة عن مخاوف في عقل المريض وحده، ما يدعوه إلى القيام بتكرار سلوك معين لعدة مرات، المشكلة في أن بعض المرضى يظنون أن تلك الأفكار صحيحة، ولا يستطيعون التوقف عن فعلها لما يشعرون به من توتر وضغط نفسي، ويصل الأمر بالمريض إلى حالة من الاستحواذ الذهني مثل: الخوف من العدوى، أو حب النظافة المبالغ فيه وكراهية القاذورات، أو ترتيب الأشياء بنظام معين ونمط محدد، أوعدم الرغبة في التسليم باليد، أو لمس الأشياء لتجنب التلوث والعدوى، أو التأكد المستمر من إغلاق الأبواب، أو تكرار الوضوء أكثر من مرة لاعتقاده بأنه أخطأ أو لأنه يريد أن يتقنه، البروفيسور الألماني «فريتس هوهاجين»، عضو الجمعية الألمانية للطب والعلاج النفسي وطب الأعصاب، يقول: «إن تكرار الأفكار المزعجة وعديمة القيمة يعد مؤشراً على الوسواس القهري، ويكون المرء مصاباً بالوسواس القهري في حال استمرار هذه الأعراض لمدة أسبوعين على الأقل ودوامها لساعات يومياً، مع شعور المصاب بعبء نفسي كبير، كما أن اضطراباته تستنزف طاقة المريض وتتسبب في إهدار وقته، ما يمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي». د.هالة حماد، استشارية الطب النفسي، مديرة المركز الاستشاري البريطاني للأطفال والمراهقين، تقول: «يحتاج مريض الوسواس إلى العلاج النفسي لتشخيص المرض ولطمأنته وتشجيعه ومحاولة الكشف عن الأعراض التي أدت إلى هذا المرض، حيث يحتاج المريض أحيانا إلى تغيير المكان خاصة، وإن كان له علاقة بالوسواس، لكن هذا النوع من العلاج وقتي ولا يقضي على المرض نهائياً لأن الاعراض تعود مرة أخرى على الرغم من تغيير البيئة، هذا إلى جانب العلاج الدوائي فهناك عقاقير مضادة للقلق والاكتئاب تفيد في اختفاء القلق والاكتئاب المصاحبين للوسواس وهناك بعض أدوية الاكتئاب التي أثبتت فاعليتها في العلاج وهذا يتم تحت إشراف الطبيب ومتابعته للحالة، وهناك العلاج السلوكي، وهو ناجح جداً في معالجة الوساوس، عن طريق عدم اتباع الوساوس ومقاومتها واستبدالها بأفكار وأفعال مختلفة»، وتضيف «حماد»: «بالنسبة للوسواس في الدين فيجب على الإنسان ألا يبتعد عن التعبد وذكر الله، يجب ألا يستسلم لأفكاره، فمثلاً يجب عليه الوضوء مرة واحدة في كل صلاة، وإن راودته بعض الأفكار السيئة عن الدين أثناء صلاته فعليه أن يكمل صلاته، في الواقع فإنه بجانب العلاجات السابقة أصبحت نسبة الشفاء من الوسواس القهري عالية وسريعة». والمشكلة الحقيقية تكمن في أن ثقافتنا في البلاد العربية تنظر إلى أعراض الوسواس القهري على أنه نوع من أنواع تلبس الجن أو المس الشيطاني أو الكفر بالله، ويبدأ العلاج بزيارة الدجالين والمشعوذين كعلاج، على الرغم من أن هذه الأمراض لا تحتاج إلا لزيارة الطبيب النفسي والبدء في العلاج الحقيقي والبعد عن تلك الهراءات التي لا تجدي نفعاً. ولأن الوسواس القهري من الأمراض العصبية الشائعة، فإن هناك الكثير من المشاهير المصابين به، من بينهم نجمات عالميات، أبرزهن: «كاميرون دياز»، التي تغسل يديها مرات عديدة في اليوم ولا تمسك أبداً بمقابض الأبواب منعاً لنقل الجراثيم إليها، أما النجمة «جيسيكا ألبا» فتعاني من وسواس قهري حيال إقفال الأبواب في المنزل وفك الأسلاك الكهربائية قبل النوم أو قبل خروجها من المنزل، في حين أن «ميغان فوكس» فمصابة بوسواس قهري من الحمامات العامة ولا تحب الدخول إليها نهائياً خوفاً من أن تلتقط أي بكتيريا منها، أما «جوليان مور» فتعاني من الألوان، خاصة اللون الأحمر، حيث كانت تتحاشى الوجود في أماكن تحتويه.
مشاركة :