عرفت القمة الشتوية في بروكسل أمس نقاشات صعبة وساخنة حول ملفات عدة، تخللتها مواقف صلبة من جانب بعض الدول الأعضاء، لكن رغم ذلك فقد نجح قادة دول الاتحاد الأوروبي في تحقيق تقدم في بعض الملفات، وباستخدام أسلوب الحلول الوسط لبعض الملفات الأخرى. وشكل ملف الهجرة أحد الملفات الرئيسية، وفي هذا الصدد قال رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس، إنه سيضغط على زملائه من القادة الأوروبيين لإنهاء الجمود بشأن خطط توزيع نحو أكثر من ستين ألفا من طالبي اللجوء في اليونان، وقال للصحافيين إنه «علينا الحفاظ على تضامننا، واتخاذ قرارات تتعلق بالمشاركة في تحمل العبء والمسؤوليات»، مشددا على أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي الحفاظ على الاتفاق مع تركيا، التي أوقفت بشكل كبير تدفق المهاجرين إلى اليونان «خصوصا فيما يتعلق بالمسألة اليونانية، حيث أعتقد أنه حان الوقت لإحداث انفراجة، وستتاح لي فرصة لمناقشة هذا الأمر مع كثير من الزملاء. أعتقد أنه يمكننا إحراز تقدم دون ابتزاز ومع احترام سيادة هذا البلد». واتفقت دول الاتحاد الأوروبي العام الماضي على خطة لتوزيع طالبي اللجوء في إيطاليا واليونان على أنحاء الاتحاد، لكنها طبقت بشكل محدود، إذ رفضت عدة دول، وبشكل رئيسي في الشرق الذي كان يخضع للحكم السوفياتي سابقا، قبول أعداد كبيرة، ولم تسفر المفاوضات التي استمرت شهورا بشأن تحقيق «التضامن والمشاركة» في تحمل عبء المهاجرين حتى الآن عن التوصل إلى تسوية ترضي جميع الأطراف. وقد حذر مسؤول أوروبي كبير قبل القمة من «أننا نسير في حقل ألغام، فثمة نقاط نقاش كثيرة على جدول الأعمال يمكن أن تسير في اتجاه خلافي». أما بالنسبة لتوافد المهاجرين بأعداد كثيفة إلى السواحل الإيطالية، فسيطالب القادة بمواصلة الجهود الأوروبية من أجل التوصل إلى اتفاقات مماثلة مع الدول الأفريقية. وبدأ الزعماء الثمانية والعشرون القمة باستعراض ما تم التوصل إليه بشأن التعامل مع الأزمة التي تفجرت العام الماضي عندما وصل إلى أوروبا ما يزيد على مليون شخص، جلهم لاجئون سوريون، وأغلبهم وصل عبر تركيا بقوارب إلى الجزر اليونانية. وفي ظل تأكيدات من الزعماء الأوروبيين على التزامهم بالحفاظ على تعهداتهم للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، رغم الغضب من الحملة التي شنتها السلطات التركية على معارضيه، بعد محاولة الانقلاب التي وقعت قبل ستة أشهر. وعقب لقاء تقليدي مع رئيس البرلمان الأوروبي بدأت النقاشات حول ملف الهجرة والتدابير التي اتخذت حتى الآن في هذا الصدد، ومنها حماية الحدود الخارجية، وتوفير آليات مالية لدعم دول العبور والمنشأ، وتوحيد سياسات اللجوء. كما تم في الإطار نفسه استعراض ملف الاتفاق مع تركيا في هذا الصدد، إلى جانب ملف المفاوضات مع أنقرة حول عضوية الاتحاد، وأيضا تطورات مسألة تحرير التأشيرة للأتراك لدخول دول الاتحاد. وأشار دونالد تاسك، رئيس الاتحاد الأوروبي، إلى الخطوات المهمة التي تحققت فيما يتعلق بحماية الحدود الخارجية لمواجهة الهجرة غير الشرعية والقضية الأوكرانية. وفي هذه النقطة بالذات عمل القادة على إنهاء تحفظات بعض الدول بشأن الملفات المطروحة، ومنها الموقف الهولندي الرافض لاتفاقية الشراكة مع أوكرانيا، وأيضا رفض إيطاليا زيادة العقوبات ضد روسيا، وقالت مصادر مقربة من الاجتماعات إنه «لم يكن من الصعب أن يتوصل القادة الثمانية والعشرون إلى توافق على تمديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو منذ 2014، إثر إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية (إم إتش 17) فوق المنطقة التي يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا في شرق أوكرانيا، مما أسفر عن سقوط 298 قتيلا، وهو ما طالبت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند». ويقوم الاتحاد الأوروبي، الذي يدين ضم روسيا القرم والانتهاكات الروسية لوحدة وسلامة أراضي أوكرانيا، بتمديد هذه العقوبات بانتظام منذ سنتين. وكانت بعض الدول مثل إيطاليا تبدي تحفظات على مواصلة فرض هذه العقوبات إلى ما بعد يناير (كانون الثاني) المقبل، إلا أن مسؤولاً ألمانيا توقع قبل الاجتماعات «أن يتم توافق» بين الدول الثمانية والعشرين حول هذه النقطة. كما اجتمع أمس قادة الدول السبع والعشرين على مأدبة عشاء للاتفاق على كيفية خروج بريطانيا من الاتحاد. وقال دبلوماسيون ومسؤولون شاركوا في إعداد المجلس الأوروبي ربع السنوي، إن التوصل إلى إجماع بشأن الإجراءات التي ستقرها الدول السبع والعشرون الأعضاء فور إعلان رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي خطط انسحاب بريطانيا رسميا من الاتحاد، يعد من بين القضايا التي لا تشهد انقساما كبيرا على طاولة البحث. وأطلعت رئيسة وزراء بريطانيا شركاء بلادها في الاتحاد الأوروبى على خططها لبدء محادثات بحلول مارس (آذار) المقبل حول خروج بريطانيا من الاتحاد، مع التركيز على وضع الترتيبات الخاصة بالمفاوضات. وأكد مساعد لماي قبل الاجتماع أن رئيسة الوزراء عاقدة العزم على أن تفتح خلال ثلاثة أشهر المفاوضات التي ستستمر عامين حول آليات الانفصال، رغم الشكوك التي أثارتها دعوى قضائية تسعى لزيادة تحكم البرلمان في عملية الخروج. وقال المساعد للصحافيين إنهم «يواجهون حقيقة أن المملكة المتحدة ستغادر الاتحاد الأوروبي، وذلك يعني أنهم سيكونون في حاجة لمعرفة كيف سيتعاملون مع الأمر». ويتوقع أن ينهي زعماء الاتحاد الأوروبي نقاشهم بإصدار بيان يعبرون فيه عن استعدادهم لبدء المحادثات مع لندن، والالتزام بتعهدهم بسرعة التفاوض بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد، بعد الاستفتاء الذي أجرته بريطانيا في هذا الصدد. وتعهد زعماء الاتحاد الأوروبي أيضا بعد الاستفتاء بالحفاظ على الاتحاد، وضمان ألا تحتفظ بريطانيا بمزايا الاتحاد الأوروبي. أما في ملف الشؤون الخارجية فقد كان التركيز على ملف أوكرانيا والسياسات الدفاعية والأمنية ومفاوضات التسوية في قبرص، إلى جانب ملفات اجتماعية واقتصادية، خصوصا فيما يتعلق بتشغيل الشباب والاتحاد النقدي والاقتصادي.
مشاركة :