أثار ازدراء الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتقرير سري أعدته وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» عن تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية، قلقا لدى بعض الخبراء، الذين أصبحوا يتخوفون من إحداث فجوة غير مسبوقة في العلاقات بينه وبين الوكالة، التي تعد مصدر المعلومات الرئيسي للبلاد. ويرى مسؤولون كبار سابقون في جهاز الاستخبارات أن رفض ترامب لاستنتاجات الوكالة حول تنفيذ موسكو هجوما إلكترونيا استهدف حواسيب الحزب الديمقراطي، ونشر معلومات لترجيح كفة ترامب، سيلحق ضررا في نهاية المطاف بعملية وضع السياسات الأميركية، إلا في حال تحسنت العلاقات بين ترامب والوكالة. ولكنهم يقولون: إن ترامب صب الزيت على النار عبر سخريته من «سي آي إيه» ورفضه تلقي تقارير يومية سرية ترفع للرئيس الأميركي من مستشاريه الأمنيين الكبار. وفي هذا السياق قال المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية مايكل هايدن لتلفزيون «سي إن إن»: «أعتقد أن الرئيس المنتخب هو المسؤول الأميركي البارز الوحيد الذي لم يعترف بعد بأن الروس قاموا بشن حملة واسعة النطاق وخفية ضد الولايات المتحدة». ومن جهته، حذر هايدن ومدير الاستخبارات السابق ليون بانيتا من أن ازدراء ترامب للوكالة مؤشر على بداية صعبة لعلاقة هامة، ورأى أن «الاستخبارات يجب أن تدعى لوضع الأسس والحدود لخيارات سياسية عقلانية»، معتبرا أن «احتمال حدوث ذلك يبدو صعبا بعد الأسبوع الماضي، ونحن نمضي بالاتجاه الخاطئ». واعتبر هايدن أن ترامب اختار برفضه رأي وكالة الاستخبارات المركزية الاتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يعتبر غريما خطرا لواشنطن، وتابع موضحا «في هذا الأمر بالذات، ترامب يقول الشيء ذاته الذي يقوله بوتين». وفي مقابلة تلفزيونية مع قناة «فوكس نيوز»، قال ترامب حول معلومات عن تدخل موسكو لمساعدته في الفوز في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 من الشهر الماضي: «أعتقد أنه أمر سخيف. إنها ذريعة جديدة لا أصدقها»، مؤكدا أنها مجرد رد من الديمقراطيين على خسارتهم الانتخابات، وأضاف مشددا على أنهم «لا يعرفون إذا كانت روسيا أو الصين أو أي جهة أخرى» مارست القرصنة ضد هيئات سياسية خلال حملة الانتخابات الرئاسية، وأوضح أن الفاعل «قد يكون شخصا كان في سريره في مكان ما.. هم لا يعرفون شيئا بعد». ورفض فريق ترامب الانتقالي بشكل أكثر حدة منه هذه الخلاصات، معتبرا أن المحللين أصحاب الاستنتاجات «هم أنفسهم من قالوا: إن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل». واعتبر مسؤولون سابقون في الوكالة هذه التصريحات «مهينة»، محذرين من الأضرار المعنوية التي قد تلحق بالوكالة التي لطالما ظلت تفتخر بتقديمها تقييمات غير مسيسة. وقال مدير العمليات السابق في «سي آي إيه» جاك ديفاين لوكالة الصحافة الفرنسية إن خطوة ترامب «غير مسبوقة...أعتقد أنه كان من الخطأ الشديد تجاهل خلاصات استخباراتية». من جانبه، أكد ديفاين الذي يشغل حاليا منصب مدير شركة الاستشارات الأمنية «أركين غروب»، أن وكالة الاستخبارات المركزية مؤسسة سيحتاج ترامب للاعتماد عليها حين تنصيبه رئيسا في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل. وأعرب ديفاين عن قلقه من أن يؤدي «الخلاف العلني إلى قضايا معنوية داخل الوكالة». من جهته، اعتبر الموظف السابق في الوكالة هنري كرمبتون أنه ليس من غير المألوف أن يتوصل البيت الأبيض و«سي آي إيه» إلى استنتاجات مختلفة من معلومات استخباراتية واحدة، وقال في هذا الصدد «الأمر غير العادي هو مجاهرة الرئيس المنتخب بموقف علني مخالف للمجتمع الاستخباراتي بهذا الشكل المهين». ويشير منتقدو ترامب إلى أنه لم يقم بازدراء خلاصات الوكالة حول التدخل الروسي في الانتخابات فحسب، بل قلل أيضا من شأنها عبر رفضه تلقي تقارير يومية سرية ترفع للرئيس الأميركي. وقد قال ترامب في المقابلة التلفزيونية عن هذه التقارير «أتسلمها حين أحتاج إليها»، موضحا «أنتم تعلمون أنا شخص ذكي لا أحتاج إلى أن يقولوا لي الأمر نفسه، والكلمات نفسها يوميا خلال الأعوام الثمانية المقبلة لأن ذلك قد يستمر ثمانية أعوام». واعتبر كرامبتون أن مثل هذه المواقف ستضع عضو الكونغرس مايك بومبيو، الذي رشحه ترامب لقيادة وكالة «سي آي إيه» في موقف صعب بين بناء علاقة مع موظفي الوكالة، وفرض احترامها على ترامب. وأكد كرامبتون أن القضية ليست مجرد مسألة معنويات واحترام لأن الرئيس سيكون لديه عبر مدير الوكالة خط مباشر للعمليات السرية، وأوضح أن «هذا الأمر يتطلب وجود ثقة»، مشيرا إلى أن إهانة البيت الأبيض للوكالة قد يضر بسمعتها دوليا. وبحسب كرامبتون، فإن «الرئيس هو الزبون رقم واحد للمعلومات الاستخباراتية لـ(سي آي إيه)»، وأضاف موضحا «في حال شكك بهم الرئيس، فقد يلقي ذلك ظلالا على مصداقية الوكالة بين أجهزة الاستخبارات العالمية».
مشاركة :