الموت المجاني يلاحق المدخنين الصغار في فلسطين تنتشر ظاهرة تدخين الأطفال الصغار والمراهقين في الوطن العربي، وخاصة في الأحياء الشعبية والفقيرة حيث تنعدم رقابة العائلة التي تنهمك في تدبير قوت يومها، أو تهمل أطفالها لقلة وعيها بالمخاطر التي تعترض صغار السن خارج البيت، وفي فلسطين تزداد هذه الظاهرة انتشارا خاصة وأن السلطات المعنية غائبة عن إنجاز مهامها في إنقاذ أجيال المستقبل من خطر الإدمان. العرب [نُشرفي2016/12/16، العدد: 10487، ص(20)] الصغار يقلدون الكبار رام الله - المسابح ومدن الألعاب والحدائق العامة مناطق ترفيهية يجد فيها المواطن الفلسطيني متنفسا يريحه لبعض الوقت من هموم الحياة وقساوة الظروف، وهي أماكن تتيح لزائريها فرصة الاستمتاع بضحكات الأبناء وصراخهم، سرورا وابتهاجا بوجودهم فيها، وخاصة خلال المناسبات والأعياد. ويرافق هذا الجو الممتع العديد من المنغصات والمشاهد المسيئة، التي ليس من الصعب على رواد هذه الأماكن مشاهدتها وملامستها، ومن أهم وأخطر هذه المشاهد وقد باتت من العادات السائدة والمنتشرة في جميع هذه الأماكن، ظاهرة تدخين الأحداث والقاصرين، سواء السجائر أو الأرجيلة. ففي المنتزهات تجد حلقات من الأطفال لا يتجاوز عمر أكبرهم الثماني سنوات يلتفون حول أرجيلة، يتناوب ما لا يقل عن عشرة منهم التدخين عليها بطريقة منتظمة، فكل واحد منهم يعرف دوره، وينتظره بشغف، ليسحب ثلاث سحبات متتالية ثمّ يمررها للذي يليه بهدوء، وكأنهم يقومون بشيء عادي، دون شعور بأنهم يمارسون سلوكا خاطئا يجب أن يخجلوا منه. ويأتي بين الفترة والفترة شاب في العشرينات من العمر، وهو موظف في المتنزه، فيقوم بتغيير الجمرات للمدخنين الصغار، دون مراقبة من السلطات ولا من العائلات. أطفال يبحثون عن وهم الرجولة في تدخين السجائر وفي متنزه آخر لم تكن الصورة تختلف عن سابقتها مع وجود كارثة أخرى على إحدى الطاولات، ففي زاوية من زواياه جلس خمسة أطفال لم تتجاوز أعمارهم أيضا الثماني سنوات، كانوا يدخنون السجائر بشراهة. هؤلاء الأطفال، وبعد جدل بسيط يدوم فترة من الزمن، يشتركون في ثمن علبة سجائر من النوعية الرديئة والرخيصة، ويأتون إلى المكان فيجلسون لتدخينها، وفي الأوقات التي لا يملكون فيها ثمن العلبة كاملة، فإنهم يشترون بما لديهم من أموال سجائر “فرط” على حدّ وصفهم، وفي مرات عديدة كانوا يتبادلون السيجارة الواحدة، ونتيجة لغياب الثقة بينهم فهم لا يأتمنون بعضهم على الاحتفاظ بما يتبقى في علبة السجائر، لذا فإنهم يحرصون على اقتسام السجائر وتدخينها كلها في الجلسة ذاتها. وحول كيفية حصولهم على المال اللازم للتدخين، أجاب معظمهم بأنه لا توجد مشكلة بالنسبة إلى هذا الموضوع خلال العطلة المدرسية، وخاصة في بداية المواسم أو أيام الأعياد، فمنهم من يعمل أجيرا أو بائعا على بسطة بالسوق، ممّا يتيح له توفير ما يلزم من أموال، ولكن المشكلة حسب وصفهم تظهر أيام الدوام المدرسي، فلا مجال للعمل، الأمر الذي يدفعهم في الغالب إلى اقتسام السيجارة الواحدة بينهم. والمثير في الموضوع أن هؤلاء الأطفال لا يشعرون بأي ضغط أو ملاحقة لهذا السلوك الخاطئ، إلا من بعض “الحشرين” (المتطفلين) على حدّ قولهم، والذين يكتفون بنظرات الاستغراب، وفي أفضل الحالات يطرحون سؤالا استهجانيا لا ينتظرون إجابة عليه، ثمّ يمضون. مخاطر اجتماعية إن انتشار هذه الظاهرة الخطيرة وبهذه الصورة يطرح العديد من التساؤلات حول عمل الجهات الرقابية وخاصة العائلة، وغياب القانون في هذه الأماكن، وما السبب في التأخر عن تطبيق اللوائح التنفيذية لقانون مكافحة التدخين والمقرّر منذ عام 2005، وعدم القيام بمراقبة هذه الأماكن، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق أصحابها، لكي لا تتحول بسبب غياب الرقابة والقانون إلى أوكار لا يقف الأمر فيها عند حدّ تدخين الأرجيلة والسجائر، بل سيتعداه إلى ما هو أكبر وأخطر بكثير. نفخ السم نائب مدير وحدة حماية الأسرة والأحداث، المقدم جهاد الحاج علي، أفاد وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، بأن هذه الظاهرة باتت منتشرة، وهي في ازدياد مستمر، مشيرا إلى أن القانون الفلسطيني المتعلق بمكافحة التدخين رقم 25، لعام 2005 جعل من وزارة الصحة هي الجهة المكلفة بمحاربة هذه الظاهرة، وجهاز الشرطة هو الشريك في حال طلبت الوزارة ذلك، مؤكدا عدم تلقي أي طلبات للمشاركة في أي حملة لمكافحة هذه الظاهرة، وبالتالي لا تعتبر الشرطة مخولة بتنفيذ أي عمليات تفتيشية على مثل هذه الأماكن. ويقول الباحث في علم الاجتماع فيصل الزعنون، إن الطفل الذي يدخن في سن مبكرة هو في الأصل منحرف، وخاصة حين يشعر بأنه لا يستطيع تأمين حاجياته، عندئذ يلجأ إلى ارتكاب أفعال خاطئة قد تؤدّي به إلى السجن في غالب الأحيان، لافتا إلى أن ارتفاع أسعار الدخان يدفعه إلى شراء وتدخين سجائر رخيصة الثمن كدخان اللف، الذي لا يحتوي على مواصفات ومعايير صحية مثل باقي الأصناف من الدخان. ويؤكد صاحب مركز المدخنين في رام الله، بسام لبدة، أن “الشباب والأطفال سوف يمارسون طرقا متعددة كالسرقة أو العمالة، لتوفير سعر علبة السجائر، وخاصة بعد ارتفاع سعر الدخان مؤخرا”. ويزداد انتشار الظاهرة تدخين الأطفال الصغار من خلال التقليد، تقليد الآباء، وقد ذكر الكثير من المدخنين أن 80 بالمئة من محيطهم الاجتماعي يدخن، أي أنهم يوجدون في بيئة مدخنة، ويكون التدخين بالنسبة إليهم سلوكا اجتماعيا مقبولا وليس منبوذا خاصة في ظل عدم حرص أسرهم على متابعتهم في الشوارع. ويقول الطفل عمر (12 عاما) إنه يمارس هذه العادة مع أصدقائه منذ أكثر من عام، ويؤكد على أن التدخين من مظاهر الرجولة، تماما كوالده الذي يدخن أكثر من 60 سيجارة يوميا، ويضيف عمر أن التدخين لم يؤثر على صحته، ودليل ذلك بالنسبة إليه أن والده الذي يبلغ من العمر 56 عاما يدخن منذ أكثر من 35 عاما ولم يحصل له أيّ ضرر. التدخين يجرّ إلى الانحراف أضرار التدخين الأضرار الناجمة عن تدخين السجائر بلا حصر، فلا يخفى ما في السجائر من أضرار على الجلد والفم والحلق والمعدة والبنكرياس والرئة والقلب والشرايين والمثانة والثدي وعنق الرحم عند النساء، وكذلك المخ والأعصاب. يقول الأطباء عن الأضرار الصحية عند الأطفال، إنهم يتعرضون للأمراض التي يسببها التدخين في سن مبكرة، ومن هذه الأمراض السرطانات والتهاب القصبات الهوائية، وفي الوقت الذي يكون أبناء جيلهم في عنفوان الشباب والقوة، تكون أجساد هؤلاء المدخنين ضعيفة، وعندما يصلون إلى سن الـ30 عاما، يبدأون بالشعور بأنهم لا يستطيعون السير لأكثر من مسافة قليلة، بسبب حالة اللهاث التي تصيبهم. وحول دور وزارة الصحة في الحد من ظاهرة تدخين الأطفال الصغار، أشار مدير عام الصحة العامة ياسر بوزية إلى أن طواقم ولجان الصحة العامة تنفذ عمليات تفتيشية بشكل دائم ودوري في الأماكن العامة. وحول ما إذا كانت هذه الحملات قد نجحت في رصد حالات مشابهة لما تمّ رصده ذكر بوزية “أنه لم يتم رصد مثل هذه الحالات، ومن الممكن أن تكون حالات فردية، ولجان الصحة العامة مشكلة من كل المحافظات، وتشمل في عضويتها أفرادا من جهاز الشرطة”. ويتبين ممّا سبق أن محاربة هذه الظاهرة والحدّ من انتشارها، تمهيدا للقضاء عليها، تتطلب من كل الجهات أن تمرس مسؤولياتها، من حيث الإسراع في تطبيق اللوائح التنفيذية الخاصة بقانون مكافحة التدخين، وتفعيل الدور الرقابي، وإخضاع هذه الأماكن وغيرها للرقابة بشكل كامل، بالإضافة إلى ضرورة رفع مستوى الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لدى المواطن، ودفعه إلى المساهمة في محاربة مثل هذه الظواهر، وعدم الاكتفاء بالاستهجان والاستغراب عند مشاهدتها، أو المرور عليها مرّ الكرام. :: اقرأ أيضاً
مشاركة :