يحتاج كل من الزوجين أن يعرف أن التنازل هو أحد أهم موجبات استمرار الزواج الناجح، والمقصود بالتنازل هو غض طرف أحد الشريكين عن بعض حقوقه حباً وكراماً ورغبة باستمرار الود بين الزوجين. ليس الغبي بسيد في قومه ** لكن سيد قومه المتغابي ينال الشريك المتغابي بل المتغافل عن بعض الجزئيات سعادة زوجية شبه دائمة، إن لم يتشبث بحرفية ما يطمح إلى أن يناله من الشريك أو من الزواج بشكل عام، فعلى سبيل المثال يجب أن يتفق كل من الزوجين على مواعيد محددة لزيارة أهل الزوج ولزيارة أهل الزوجة قبل الزواج، لكن إن رأت الزوجة الذكية أن دوام هذا الترتيب طيلة العمر قد يقلل من حب زوجها لها، فيجب عليها أن تنزل من صهوة تقديس هذا الالتزام؛ لتفضل تكرار عدد زيارات بيت أهل زوجها على زيارات بيت أهلها. يعد تدخُّل الأهل في الحياة الزوجية سبباً للزواج وسبباً للطلاق في الآن نفسه، فالأهل الناصحون العاقلون الناضجون المسلمون المؤمنون المحسنون مهمتهم التقريب بين الخاطبين المناسبين؛ ليتم الزواج على سنة الله ورسوله، أما الأهل المهملون الغافلون غير الملتزمين بأخلاقيات الدين الراقية فتراهم يكبّرون المعايب ويركزون على المثالب ويعززون الإخفاقات، وهكذا فوالدة الزوج المتدينة تضخم محاسن الزوجة لابنها وتخفي معايبها، بينما والدة الزوج غير المتدينة تخفي محاسن الزوجة عن ابنها وتضخم مساوئها، لكن ما الحل إن كان الحال كذلك؟ لقد جاء الإسلام العظيم ليحل كل المشاكل الأسرية، بل ليمنع وقوعها أصلاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وهكذا فحضّ الدين القويم على أن لا يصدر عن المرء "لا ضرر ولا ضرار" يجب أن يجد آذاناً صاغية عند كل من ينشدون السعادة الزوجية، وطالما أن الدين يحذر الإنسان من أن كل أفعاله هي محط رقابة من الرقيب جل جلاله "وقفوهم إنهم مسؤولون" (الصافات: 24)، فلذلك يجب على الزوج والزوجة وأهل الزوجين أن يتقوا الله في هذه الأسرة الجديدة الناشئة، وأن لا يعكروا صفوها. وللأسف الشديد فإن بعض الأسر المسلمة قد انزلقت مع بعض وسائل الإعلام الهابطة المهبطة نحو مهاوي الحرب الضروس المخترعة بين والدة الزوج من جهة وبين الزوجة من جهة أخرى، فصار ثابتاً في أذهان الجميع أن هذه المعركة (واجبة الوجود)، وأنه لا بد منها، في حين أن أخلاق قدواتنا الحقيقيات أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- ثم زوجات الصحابة، بعيدة كل البعد عن هذه المعارك التي كانت وهمية فصارت حقيقية لشدة تناولها والكلام عنها في وسائل الإعلام المسموع والمقروء والمرئي. إن تدخُّل الأهل في حياة أبنائهم الزوجية واجب ضروري محبب إن كان للخيرات وللمسرات، ومنغص يومي ضار إن كان للتفرقة والدس وإخراب ذات البين. وهكذا فيجب على الزوج الحصيف أن ينهي المشكلة الطارئة مباشرة عند حدوثها، وقبل أن تصبح لها امتدادات تصل إلى أسماع أهله وأهل زوجته، وعلى الزوجة التقية العاقلة ألا تتحول إلى مذياع يذيع أسرار زوجها وعائلتها للقاصي والداني، قال الله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا" (النساء: 35). الخطاب في "خِفتُم" موجه للحكام والأمراء، والشقاق هو أن يأخذ كل من الزوجين شقاً غير شق صاحبه، ونركز هنا على أن الحكمين لن "يريدا إصلاحاً" إلا إن كانا من أهل العدالة والتبصر بالفقه. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :