لاجئون عراقيون يتجمعون خارج القنصلية الألمانية في مدينة سالونيك 1 سبتمبر 2016 احتجاجا على الظروف المعيشية الصعبة في المخيمات (غيتي) برلين: سناء واجد علي تغير المشهد السياسي ليس في أوروبا فحسب، بل حتى في ألمانيا، حيث تحول المشهد السياسي والاجتماعي من الترحيب باللاجئين إلى التوجس خيفة منهم، فإمكانية كونهم إرهابيين أصبحت هالة تحيط بكل لاجئ، طبعا التعميم غير منطقي، ولكن ما تشهده الدول الأوروبية من هجمات إرهابية جعلت سوء الظن من حسن الفطن، فمن مؤشرات مؤكدة بوجود إرهابيين بينهم، أو ممن لديهم عصاب ديني، أو يعانون مرضا نفسيا، كما أعلن رئيس حزب البديل منذ فترة في إحدى مقابلاته على قناة « دويتشه فيله» الألمانية. المفارقة التي نعيشها اليوم، أن الآلاف من اللاجئين العراقيين الذين عاشوا حلم الاستقرار في ألمانيا بعد رحلة شاقة للوصول إليها، يسعون الآن إلى مغادرتها نهائيًا وطواعية. قادني البحث عن أسباب هذا التغير من خلال تجربتي الشخصية المباشرة والمحاورات التي عملتها مع الكثيرين منهم، إلى أنهم بالإضافة إلى ما عاشوه من ألم نفسي وذل بعد رحلة الوصول التي كلفتهم آلاف الدولارات، وجدوا أنفسهم يعيشون في مخيمات ضمن ظروف سيئة تمثلت في تقاسم غرفها الصغيرة مع غرباء، إضافة إلى سوء الخدمات الاجتماعية، كالأكل والشرب والملبس، فأغلب المهاجرين يعيشون الآن في غرف مشتركة تضم الواحدة منها أكثر من 5 أشخاص؛ مما يجعلهم لا يشعرون بالارتياح وفقدان الخصوصية. ومن ضمن الأسباب الأخرى، صعوبة العمل مع قلة المعونات المادية التي يحصلون عليها، علاوة على عدم الحصول على مساعدات مالية كافية من الحكومة بعدما أنفقوا كل ما يملكون. حق لم الشمل كل هذه الأسباب مجتمعة، إضافة إلى تفاصيل أخرى، منها أنه لا يحق للاجئين العراقيين الحصول على الإقامة، ولا حق لم الشمل، إضافة إلى بطء إجراءات اللجوء، حتى أن كثيرا من العراقيين ينتظرون منذ سنوات تسلم أوراقهم. كل هذه الأسباب كانت كافية لأن تجعلهم لا يرون مستقبلهم في هذا البلد؛ مما أفقدهم الأمل وفضلوا العودة إلى بلادهم بعد أن تأكدوا من ذلك. ما حدث هو أن سقف التوقعات كان عاليا لدرجة لم يتحقق منها شيء، حيث تأكد الكثيرون بعد تجربتهم المباشرة أن ما كان يحركهم لطلب اللجوء هو افتراضاتهم وتوقعاتهم المسبقة حول اللجوء وحول أوروبا، افتراضات جعلت منها الفردوس المفقود الذي حلموا به؛ فاللاجئون عانوا الأمرّين حتى وصلوا إليها، ولكن الآن يجاهدون من أجل العودة إلى أرض الوطن. لم تستطع التصريحات التي نقلت عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول الوعد بوجود امتيازات تمنح للاجئين، التي تتمثل في سرعة منحهم إقامات والإسراع في استصدار تصاريح العمل، أن تغير من عزم الكثيرين من قرار العودة؛ لأنها تبقى مجرد تصريحات للتخدير المؤقت؛ لذلك من الواجب علينا أن نوضح لشعبنا، ولشبابنا واقع الأمر وحقيقة الحياة الأوروبية وما هي التوقعات الصحيحة التي يمكن أن تتحقق؛ لكي يكون على بصيرة من أمره، وحتى لا يسير وراء سراب خادع وتجربة فاشلة ممكن أن تقذف بأبناء وطننا إلى المجهول، فحتى الإقامة التي تمنح للعراقيين القادمين إلى ألمانيا إقامة مؤقتة لا غير، وبها لا يحق له العمل أو الدراسة، وكذلك ليس لهم الحق في السفر؛ وذلك لعدم إصدار وثيقة سفر لهم ضمن اتفاقية جنيف 1951، كما أن المدة الممنوحة أقصاها ثلاث سنوات قابلة للتمديد، ولكن أيضا قابلة لسحبها أو إيقافها، وهذا يعتمد على الأوضاع الأمنية والاستقرار الاجتماعي في العراق خلال أو بعد ثلاث سنوات، وليس عليهم إلا الانتظار. انتظار المجهول العاقل من اتعظ بغيره والجاهل من كان عظة نفسه؛ لذلك كان لزاما علينا أن نستفيد من التجارب السابقة للحكومة الألمانية في تعاملها مع اللاجئين؛ لأن هذه ليست التجربة الأولى لدولة ألمانيا في استقدام نازحين إلى أراضيها، فقد استقدمت في تسعينات القرن الماضي ضحايا الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة، مواطني كوسوفو وصربيا، لكنها بعد أن عادت الحياة الطبيعية إلى مناطق تواجدهم تم سحب إقامتهم وتمت إعادتهم رغم بقائهم في ألمانيا أكثر من عشر سنين. ولا شك أن الإعلام الغربي يظلم العراقيين كثيرا حين يضعهم في ميزان واحد مع باقي المهجرين من سوريا وأفغانستان وغيرهما، ونسي أن أعدادًا لا يستهان بها عادت إلى الوطن بعد أن أدركت أن ليس لها حق الإقامة وحق العمل. ومن هنا شعر الكثيرون من العراقيين ألا استقرار ولا ضمان للبقاء بعد كل هذا العناء؛ فكانت الرغبة في الهجرة العكسية هي الملاذ والنجاة. الجميل في الصورة أنها جاءت بإرادتهم قبل أن تفرض عليهم لأي سبب أو طارئ مفاجئ وهذا يدل على الاستفادة من تجارب الآخرين والتفكير الاستراتيجي. من تجربتي المباشرة مع اللاجئين العراقيين منذ شهر يوليو (تموز) عام 2015، حيث ساعدتهم في عملية التنوير، فالصورة كانت غير واضحة للكثيرين، وكانوا في حاجة إلى أن يفهموا الأشياء كما هي، لا كما وصلت إليهم من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المزيف، إضافة إلى مساعدتهم في الحصول على جوازات مرور للعراق. وهنا نسجل شكرنا للتعاون الكبير من قبل وزاره الخارجية الألمانية بواسطة الدكتور كوميتات، المسؤول عن قسم العراق، حيث تم شرح وتوضيح ما يعانيه اللاجئون العراقيون. وقمت بمقابلة السفير العراقي دكتور حسين الخطيب في مقر السفارة العراقية ببرلين مرات عدة للغرض نفسه، كما حصلت من السفارة على بيان إحصائي بأعداد اللاجئين العراقيين الذين تم منحهم جوازات مرور من قبل السفارة العراقية في برلين والقنصلية العامة العراقية في فرانكفورت. في أدناه الأعداد وحسب الإحصائية لعام 2015 و2016: سفارة جمهورية العراق في برلين: 1- تم منح «769» جواز مرور للعام 2015. كما تم منح «1593» جواز مرور للفترة من 1-1-2016 ولغاية 11-8-2016. القنصلية العامة لجمهورية العراق في فرانكفورت: تم منح (700) جواز مرور للعام 2015. وتم أيضا منح (1737) جواز مرور للفترة من 1-1-2016 ولغاية 11-8-2016.
مشاركة :