بيروت – بددت سيطرة النظام السوري على حلب آمال اللاجئين السوريين الفارين من الحرب الأهلية إلى دول أخرى وكانوا من مؤيدي المعارضة، آمالهم بالعودة إلى سوريا. وحتى بعد أن تحولت الانتفاضة في حلب ومدن أخرى في أنحاء سوريا إلى صراع مسلح، قال عدد من السكان السابقين إنهم لا يزالون يأملون في التغيير والتوصل لتسوية عبر التفاوض وفرصة للعودة. لكن مع تعزيز الأسد لسيطرته بعدما هزم الجيش وحلفاؤه مقاتلي المعارضة في حلب يخشى هؤلاء الذين يعيشون في المنفى من حملة قمع جديدة تشمل اعتقالات وإعدامات وأنها ستكون أسوأ من أي حملة شهدوها قبل الحرب. وقال عبدالحميد زغبي (30 عاما) الذي فر في وقت سابق هذا العام من شرق حلب الذي كان خاضعا لسيطرة المعارضة وذهب لتركيا سعيا لعلاج زوجته وطفله الرضيع "إذا عدت.. سيعدمونني". وأضاف "لا يمكنني مجرد التفكير في العودة ما دام نظام الأسد في السلطة. هذا مستحيل لأي واحد في المعارضة." وفر نحو خمسة ملايين سوري من البلاد بسبب الصراع الذي قتل أكثر من 300 ألف شخص ووضع أطرافا متعددة في مواجهة بعضها البعض بما يشمل متشددين هيمنوا على المعارضة في العديد من المناطق. والتشريد الدائم لملايين السوريين هو وسيلة تسبب من خلالها الحرب السورية وصراعات أخرى في المنطقة تغييرات لا يمكن محوها. ولاذ أغلب اللاجئين بدول مجاورة بينها تركيا ولبنان بينما توجه مئات الآلاف إلى أوروبا. وسيرى البعض في انتصار الأسد في حلب ومكاسب أخرى حققها بمساندة روسية وإيرانية فرصة للعودة وإعادة بناء حياتهم، لكن ليس من انضموا للمعارضة عندما بدأت الاحتجاجات في 2011. وشارك زغبي ثم عمل لسنوات في الإغاثة الطبية وأعمال الإنقاذ في شرق حلب الذي خضع لسيطرة المعارضة. وقال "أصيبت زوجتي بإصابات طفيفة في قصف وكان طفلي مريضا. فكرت في أن أصطحبهم إلى تركيا ثم أعود." وتابع "في ذلك اليوم أغلقوا الطريق ولم أتمكن من العودة" في إشارة لإحكام القوات الحكومية حصارها للجزء الشرقي في أغسطس/آب. وحاصرت القوات الحكومية شرق حلب لأشهر ثم حققت مكاسب سريعة لتطرد مقاتلي المعارضة من أغلب المناطق التي سيطروا عليها في غضون أسابيع. الاعتقالات بدأت فعلا وقال زغبي إن الجيش بدأ في تنفيذ اعتقالات مع تدفق السكان خارج الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة وتوجه بعضهم لمناطق خاضعة لسيطرة الحكومة. وقال "لقد بدأت الاعتقالات فحسب. يعتقلون الأشخاص البارزين (النشطاء) على الفور... لكن بالنسبة لآخرين فلديهم (الحكومة) الوقت. سيحققون ويعتقلونهم في مرحلة لاحقة. ذهب صديق لي لمنطقة تسيطر عليها الحكومة وبعد ثلاثة أيام اعتقلوه." وعبرت الأمم المتحدة عن قلقها العميق حيال تقارير قالت إن جنودا سوريين ومقاتلين عراقيين موالين لهم قتلوا 82 شخصا رميا بالرصاص في أحياء بشرق حلب هذا الأسبوع وهي اتهامات نفاها الجيش والمسلحون العراقيون المعنيون. واتهم معارضون للأسد الحكومة بتنفيذ حملات اعتقال جماعية وبالتجنيد القسري. ونفى مصدر عسكري سوري حدوث اعتقالات، لكنه قال إن هويات من يغادرون المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة يتم فحصها وإن أي شخص غير معروف يوضع في "أماكن خاصة" في مناطق يتجمع فيها المدنيون. ويقول الجيش السوري إن السوريين المؤهلين للخدمة العسكرية عليهم الالتزام بها. وبالنسبة لأبوركان (51 عاما) وهو لاجئ يعيش في لبنان فإن مقتل زوج شقيقته الذي كان مقاتلا في المعارضة واختفاء شقيقته قبل أيام قلائل يوضح المخاطر التي يتعرض لها أي شخص مرتبط بالمعارضة. وقال "إذا عدنا سيكون الأمر أخطر من ذي قبل. أي شخص مع المعارضة في خطر... عشنا مع هذا النظام على مدى 40 عاما. نعرف كيف يتصرف وماذا يفعل"، في إشارة لفترة حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار الذي سحق المعارضة اليسارية والإسلامية لحكمه. وأضاف أنه لن يعود لسوريا إلا وفقا "لمصالحة وطنية شاملة" وفي ظل حكومة منتخبة بشكل حر ودستور جديد وهي أمور تبدو الآن أبعد من أي وقت مضى. وقالت هالة (37 عاما) وهي ناشطة تركت الشطر الذي تسيطر عليه الحكومة من حلب في 2014 إنها لن تثق في أي تسوية بين الحكومة والمعارضة وإنه يجب أن يرحل الأسد. وأضافت هالة التي تعيش حاليا في بيروت وتعمل لصالح منظمة سورية "من المستحيل أن أعود ونظام الأسد موجود." منفى بائس وتابعت "حتى إذا كانت هناك مصالحة بطريقة ما لن نتمكن من العيش هناك. القمع الذي كان موجودا قبل الثورة سيتضاعف. عندما بدأت الثورة تمكنا من التعبير عن آرائنا والعيش بحرية أكبر. حتى وإن لم نعتقل لا يمكننا العودة ونحن نعرف أن الأمور ستعود لسابق عهدها." وتريد هالة وأبوركان وزغبي العودة لوطنهم. وحتى بالنسبة لهم وهم من الفئات الأيسر حالا بين اللاجئين، بدأت الحياة في المنفى تصبح غير محتملة. وقالت هالة "لا مستقبل لي في لبنان. أعمل بصورة غير قانونية لأن من الصعب الحصول على إقامة.. ولا أستطيع الحصول على تأمين طبي لأنني غير مسجلة لدى الأمم المتحدة." وقررت هي عدم السفر إلى أوروبا قبل أن تشدد دول الاتحاد الأوروبي الرقابة على حدودها لأنه كان لا يزال لديها أمل في ذلك الوقت في العودة لسوريا. ويعيش الكثير من اللاجئين السوريين بصورة غير قانونية في لبنان لأنهم لا يمكنهم تحمل نفقات تجديد إقامتهم. وتقول الأمم المتحدة إن 70 بالمئة يعيشون تحت خط الفقر. وفي تركيا يستعد زغبي لقضاء بقية حياته في المنفى، لكنه يقول إن الأوضاع ليست أفضل كثيرا وهو يكافح لكسب قوته وهو يعمل كمسعف. وقال "طموحي الآن أن أخرج من تركيا.. ربما أحاول الذهاب لأوروبا أو أميركا... هذا خياري الوحيد."
مشاركة :