يرى الناقد السينمائي السعودي خالد ربيع أن السينما السعودية تعيش في مرحلة إرهاصات البدايات بما فيها من تخبطات ونجاحات محدودة. وعزا السبب إلى قلة المختصين في الحقل. ويقول إن فيلم وجدة الخطوة الأولى السليمة في مسيرة الأفلام السعودية. ويرى أن ثقافة السينما مزدهرة جداً عند المشاهد السعودي. كل هذا والعديد من المسائل الفنية في هذا الحوار إليكم: أصدرت أخيراً الجزء الثاني من الفانوس السحري، وخصصته لقراءات في أفلام خليجية. هل تعتقد بأن هناك سينما خليجية يمكن أن تكون مؤثرة في ثقافة المنطقة؟ - إنتاج الأفلام السينمائية في دول الخليج تراوح من بلد إلى آخر من حيث البدء والقدم، فبعض الدول تجاوزت بداياتها النصف قرن والبعض الآخر لا تزال تخطو العقد الأول من عمرها. غير أني أعتبر الانطلاقة الحقيقية لتأسيس الفن السينمائي في المنطقة بأكملها وبدافع جماعي يستهدف دول الخليج برمتها هي ما حدث ويحدث منذ إطلاق المهرجانات السينمائية في دولة الإمارات على وجه التحديد. فقبل ثلاثة عشر سنة انطلق مهرجان مسابقة أفلام من الإمارات وكان خاصاً بإنتاج أبناء الإمارات، ولكنه تطور ليضم إنتاجات الشباب في كافة منطقة الخليج، حتى ترسخ الآن على أنه أهم مهرجان خليجي يقصده المنتجون والسينمائيون الشباب والمخضرمون ليتفاعلوا من خلاله للنهوض بالسينما في الخليج. وحقيقة ما حدث خلال السنوات الأخير يجعلني أجزم بكل تأكيد، والمشيئة بالله، بأن السينما في الخليج تسير في طريق سليم نحو إيجاد سينما مؤثرة في ثقافة المنطقة.. هناك أفلام صحيح أنها قليلة لكنها دخلت إلى صلب اهتمام الجماهير، وأصبحت مطلباً جماهيرياً يطالبون بمشاهدتها ويرجون أن يتوسع عرضها ليشمل جميع المحافل. ولعل كتاب الفانوس السحري قراءات في أفلام خليجية تطرق إلى بعض منها، وهي الأفلام التي شاهدتها وتمكنت من الكتابة عنها. هل الفانوس السحري شمل جميع الأفلام المهمة التي أنتجها الخليجيون؟ - لا أبداً، هو ليس موسوعة للأفلام الخليجية، وليس راصداً لأفلام أنتجت خلال فترة زمنية محددة، ولا يتناول جميع الأفلام المهمة.. هو تسليط ضوء سريع على أفلام شاهدتها بالتحديد في مهرجان الخليج السينمائي ومهرجان دبي السينمائي وكذلك بعضها شاهدته من خلال قناة اليوتيوب. أتمنى لو تتيح لي المقادير والظروف وإمكانية المشاهدة التفرغ والجلد على تناول جميع ما أنتج في الخليج، ولكن ذلك غير يسير بإمكاناتي الفردية البسيطة. أنت أحد النقاد المثابرين في الكتابة عن السينما ما الذي دفعك إلى ذلك؟ وكيف بدأت في مشوارك مع النقد السينمائي؟ - أعتقد أنني مثابر إلى حد ما في الكتابة عن الأفلام السينمائية منذ بدايات التسعينيات، وما دفعني إلى ذلك في البداية هو أنني كنت (وما زلت) أحب أن أكتب لأصدقائي عن الأفلام ذات القيمة الفنية، أجد في ذلك متعة، وأجد متعة أكثر عندما يشاركني هؤلاء الأصدقاء الرأي والنقاش، بل وأحياناً اجتمع مع بعضهم للمشاهدة المشتركة.. الكتابة أرغمتني على المتابعة وجعلتني أشاهد وأقرأ ما يكتبه النقاد في العالم العربي ومتابعة أخبار السينما في كل مكان.. هكذا كانت البداية، وبعد هذه المرحلة عرفت بأن ما أكتبه وأنشره في الصحف المحلية لا يتأثر به الأصدقاء فقط، بل إن هناك قراء لا أعرفهم يتابعونني ويقرؤون ما أكتب. هذا جعلني آخذ الأمر بجدية أكبر ودفعني إلى البحث والتركيز ودراسة الأفلام وأساليب المخرجين وتتبع مشاوير الممثلين واقتناء الكتب النقدية التي تتناول الأفلام. غير أني كنت في البدايات مهتماً بمتابعة السينما الأمريكية، لأنها كانت طاغية في حضورها، سواء الإعلامي في كل الوسائل، وهنا دعني أتساءل: لماذا تروج وسائل الإعلام العربية للمنتج السينمائي الأمريكي؟ هذا سؤال يحيرني. على أية حال كنت مفتوناً وقتها بهذه السينما الأمريكية، وأعتقد أن افتتاني لم يكن طوعياً، بل هو بسبب الهيمنة والحضور والتكثيف الإعلامي... أما الآن فلا أنظر للسينما الأمريكية الهليودية بعين الرضا، بل أنفر منها أشد النفور، هذا رأي خاص جداً ربما لا يريح الكثيرين، ولكني متأكد منه، بل إنني أعتقد أن من هو واقع في أسر السينما الأمريكية الهوليودية أن الصورة لديه غير كاملة وأنه غير مطلع على سينمات الشعوب الأخرى وعلى أساليب المخرجين الفنانين الحقيقيين؛ لهذا الفن الذي شوهته الآلية التجارية الإبهارية الأمريكية.. حقيقة بتُّ لا أتحمل مشاهدة مدة خمس دقائق من أي فيلم هوليودي الآن. يصيبني بالعصبية والإزعاج. باتت أساليبهم في توظيف عناصر الفيلم مكررة ومنمطة وتنطلق من استعراض العضلات الأمريكية في كافة المجالات، الفكر، القوى العسكرية، التفوق العلمي، التفوق العرقي، التفوق التكنولوجي وكل شيء أمريكي هم يستعرضونه بشكل مقزز ولاغٍ لكل منجز البشرية، إن هذه السينما تعكس الغطرسة الآيديولجية الأمريكية وهم سائرون دون هوادة في هذا الاتجاه. صدقني أن هناك سينمات كثيرة أهم منها، وهي تنتصر للفن والقيم الإنسانية.. على أية حال هذا موضوع طويل ويطول الحديث فيه، ولكن ما أتمناه حقيقة أن تنتصر السينما الإنسانية في كل مكان وتصل إلى الناس بدلاً من هذا الهراء الأمريكي السمج.. هذا ما أحاول بثه بين أصدقائي المقربين وبين قرائي الذين لا أعرفهم، كي يلتفتوا إلى السينمات الأخرى الأوروبية والآسيوية واللاتينية ذات الطابع الإنساني العميق.. السينما وسيلة فنية للتواصل الإنساني والمعرفي القائم على منطلقات المحبة وليس على الاستعلاء والإبهاء الأجوف.. هذا ما بت أراه بوضوح الآن، وبكل تأكيد لا أفرض وصاية نظرتي هذه على أحد، ولكنني فقط أتمنى أن يصل المشاهد العربي إلى قناعات تكشف له صفاقة السينما الهوليودية. وكذلك رعانة السينما البوليودية وإن كان للحديث عنها شأن آخر. هل من الممكن للثقافة السينمائية أن تزدهر في بلد، السينما فيه مُعطلة؟ - هي بالفعل مزدهرة جداً هذه الثقافة، ولكن نظرياً، المشاهد السعودي يتابع كثيراً ولكن متابعته مخطط لها من قبل الآخرين، هو شعب محب للفن السينمائي، أقصد كمشاهد طبعاً.. هناك شرائح من المجتمع السعودي يمتلكون ثقافة سينمائية واسعة عبر المشاهدة والقراءة عن الأفلام ومتابعة أخبار السينما. إنه منحى ثقافي قوي بدافع حب المعرفة الغريزي وقد عمل التلفزيون على تعزيز ذلك.. نعم الفن السينمائي كحراك وكإنتاج وكمنتج رسمي معطل وموقوف، بل وممنوع غير ممنوع، هناك حالة مشوشرة ومذبذبة بين المنع والإتاحة في عرض الأفلام السينمائية ومع ذلك لم تنقطع الأندية الأدبية من عرض تجارب الشباب الفلمية، وربما أخيراً بدأت جمعية الثقافة والفنون بالمنطقة الشرقية بالدمام برنامجاً أسبوعياً لعرض الأفلام السعودية، هذا خلاف البرنامج التلفزيوني مسابقة الفيلم السعودي الذي قدمته روتانا على مدار عامين.. الحقيقة هو وضع غير مفهوم. هناك اعتراف رسمي بهذا الفن وفي اللحظة نفسها عدم اعتراف. وزارة الثقافة غير واضحة في هذا الشأن. ما طبيعية الأفلام التي تميل إلى متابعتها ومن ثم نقدها؟ - الحقيقة أحرص على جميع أنواع الأفلام ما عدا أفلام الفرقعة الأمريكية، أفلام الآكشن وأفلام البهرجة والهلس التي تضع الجماهير في حالة من التهبيل وليس التخييل. أشاهد الأفلام ذات القيمة المعرفية والإنسانية أياً كان مصدرها.. أتابع الأفلام الخيالية العلمية الأمريكية التي لا تنتجها هوليود، فهناك سينما أمريكية مستقلة ممتازة لشركات بعيدة عن المنظومة الهوليودية. أخيراً غرقت في السينما الإيرانية والكورية، وقبلها البرازيلية.. وبطبيعة اهتمامي أشاهد معظم ما ينتج من أفلام في الخليج، والحقيقة غالباً ما تكون المشاهدة غير ممتعة، ولكن بحكم القرب والأهمية أحاول أن أكتب عنها، ولا سيما أن هناك أسماء تستحق التحاور. كيف ترى الأفلام السينمائية السعودية؟ - الحقيقة هذا السؤال دائماً يطرح عليّ، وفي كل مرة أقول الكلام نفسه، ولكن دعني أقول لك إنها في مرحلة إرهاصات البدايات بما فيها من تخبطات ونجاحات محدودة. واقع معظم الأفلام يخبرنا أن المخرجين قاموا بأنفسهم بكتابة السيناريو عدا قلة وتدخلوا مباشرة في الإنتاج والتصوير والموسيقى المصاحبة، وفي اختيار الملابس وأماكن التصوير وكل التفاصيل الأخرى، ويستطيع المتتبع لهذه التجارب أن يرى الفقر الواضح في المعالجة الفنية التي بها شيء من التخصص.. على أية حال يمكنني القول إن هناك أفكاراً جيدة واتقاناً لبعض عناصر الفيلم، وليس لكلها.. شيء آخر وهو أن غالبيتهم يخلطون خلطاً سافراً بين تقنيات الفيلم الطويل وتقنيات الفيلم القصير، ويوظفون ما يلائم الفيلم الطويل في دقائق الفيلم القصير، فيحدث خلل واضح في الحبكة يؤدي إلى نفور المشاهد من متابعة الفيلم، أو إجبار نفسه على مشاهدة مادة فيلمية تثير اشمئزازه وحنقه، بل وسخريته وتهكمه على ما يشاهد. كيف ترى مستقبل السينما والنقد السينمائي بشكل عام؟ - بشكل عام هو فن عالمي متجدد سيظل ويستمر إنتاجاً ونقداً وصناعة بكل الروافد التي تصب في مجراه، سيظل هذا الفن طالما الإنسان موجود. كيف ترى الإقبال على السينما في محيط العالم بشكل عام في ضوء متغيرات العصر ومستجداته هل يتزايد أم ينخفض؟ - بالطبع يتزايد، هناك دور عرض تبنى بشكل مطرد في مختلف أنحاء العالم، أما المستجدات الإعلامية المتعلقة بالإعلام الجديد فهي تؤثر علينا نحن في العالم الثالث، لأننا شعوب غير منتجة لهذا الفن ولا نملك سوقاً محكومة للسينما. لا تنظر للأمر على ما يحدث عندك في الواقع المحلي، لأنه لا يمثل الحراك العالمي. يرى البعض أن الفيلم الوثائقي يجذب المشاهد أكثر من الفيلم الروائي.. تعليقك؟ - لا أعتقد ذلك، الفيلم الوثائقي يشاهده الشخص مرة واحدة في الغالب ولكن الروائي من الممكن أن يشاهده أكثر من مرة. نعم الفيلم الوثائقي يعرض في التلفزيون أكثر من دور العرض ومع ذلك يقل عدد متابعيه بعد كل مرة يعرض فيها. الفيلم الروائي يقتنيه المشاهد ويحتفظ به ويعرضه على أصدقائه ربما، ولكن لا يحدث ذلك مع الفيلم الوثائقي.. عندما تذهب إلى مجمع دور عرض وتجد أن إحداها سيعرض فيلماً وثائقياً والدار المجاورة ستعرض فيلماً روائياً.. ماذا ستختار؟ فيلم وجدة ماذا تقول عنه؟ - الخطوة الأولى السليمة في مسيرة الأفلام السعودية.
مشاركة :