داعش والنظام السوري ووحشية التعذيب

  • 12/18/2016
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

بقلم / حمد الحربي الأسير جزء من مآسي هذه الحرب المجنونة، وهو أحياناً سجين رأي وأحياناً سجين دم، وأحياناً ضحية المكان الخطأ أو الزمان الخطأ الذي حملته إليه أقداره التعيسة، ولكنه في كل الأحوال أصبح في واقع المشهد السوري مادة للنكاية والثأر والتوحش . ومن آخر مشاهد هذا الهول صور الشهداء السعداء الخمسة من الصحافيين، الذين وزع تنظيم داعش شريطاً مصوراً لقتلهم باستخدام أبشع أشكال القتل المروع بعد أن وقعوا في الأسر . لا أعرف في تاريخ الأمم أن حركة تفننت في رسم أشكال الموت كما فعل هذا التنظيم الراديكالي الغريب، حيث مارس القتل قصفاً وذبحاً وخنقاً وحرقاً وغرقاً وصعقاً وركلاً ورمياً وتفخيخاً إلى غير ذلك من أشكال الموت التي لا يمكن تفسيرها ولا تبريرها بأي منطق ولا دين . ويقتضي الإنصاف أن نقول إن هذه الممارسات على توحشها وقسوتها لا تختلف في الجوهر عما مارسته أجهزة النظام بحق الأسرى والمعتقلين، وربما يكمن الفارق الجوهري بين التوحشين أن الأول يمارس ذلك بطقس ديني ويصوره بأحدث وسائل الميديا، فيما يمارسه الثاني سراً في عنابر المعتقلات، تحت رايات الوحدة والحرية والاشتراكية . وزيادة على ذلك فإن النظام أيضاً بدا غير ممانع أو غير مكترث في تسريب هذه الفظائع على الطريقة الداعشية، وقد تعرف الآلاف من السوريين على أحبتهم المنكوبين عبر 55 ألف صورة لنحو عشرة آلاف ضحية سقطوا تحت التعذيب في عنابر السجون الرهيبة . قناعتي أن لا داعش ولا النظام ينتظرون من يأتيهم بالأدلة من نصوص السلف وتأويلاتهم، وأن الدليل الأوحد الذي يقدم لهم الحجج هو نزعة الثأر السوداء التي تعمي وتصم، وتبرر للحاقد كل أنواع الإجرام ثاراً لموقفه السياسي . ومع ذلك فمن حق القارئ الكريم أن يتعرف على موقف القرآن الكريم فيما يتصل بالأسرى، وأن يطرح التساؤل بوضوح هل للأسير حقوق مصانة أم أنه عدو فاشل سقط في يد القصاص فأصبح مهدور الدم، وصار مادة للموت يشفى بها غليل المؤمنين؟ يذهب الموقف الحقوقي الدولي إلى اعتبار الأسير ذمة في يد الآسر، وتحميل الغالب سلامة المغلوب، ويعتبر الإجهاز عليه دون محاكمة جريمة حرب، وينص القانون الدولي على حق الأسير في محكمة عادلة تنظر بالاعتبار سائر ظروفه التي ألجأته لخيار الحرب، وتملك رؤية وبصيرة في التحقق من إرادته فيما فعل وحجم الإكراه والإجبار الذي تعرض له، وتعتبر ذلك كله شبهات وظروفاً مخففة يلزم أخذها بالاعتبار في المحكمة . وأعتقد أن روح القرآن الكريم ليست بعيدة عن هذا المنطق الحقوقي في التعامل مع الأسير، ولأجل ذلك فقد نص القرآن على منع قتله أو استرقاقه وأن الخيار المتاح هو فقط المن أو الفداء، وهذا هو نص الآية الأخيرة التي وردت في شأن الأسرى (( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منَّاً بعد وإمَّا فداء حتى تضع الحرب أوزارها )) ، وواضح من الآية أن الدولة لا تملك في شأن الأسير بعد أسره إلا واحداً من اثنين: المن وهو الإطلاق بدون عوض، أو الفداء وهو الإطلاق بعوض، وبالطبع تملك إبقاءه رهن الأسر إلى أن ينضج الشرط المطلوب . ومع ذلك فمن المؤسف أن المشهور في المذاهب الأربعة هو جواز قتل الأسرى واسترقاقهم، وقد اعتبروا أن الآية منسوخة بقوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، واعتبروا أن المطلوب هو قتل الأسارى والتنكيل بهم وليس مفاداتهم، وأن فداء الأسرى أو المن عليهم كما هو نص الآية الكريمة منسوخ . لم أجد من السلف من رفض قتل الأسارى والتزم نص الآية ومقصدها إلا الإمام الحسن البصري الذي ذهب إلى وضوح المعنى وتحريم قتل المأسور، وكذلك قول عن ابن عباس اعتبر فيه أن الآية المدعى بها النسخ إنما وردت في ساعة الحرب وقبل شد الوثاق، أما بعد أن تضع الحرب أوزارها فلا مكان للثأر . ولكن فقهاء المذاهب لم يأخدوا بهذا الرأي، وعادوا للإذن بقتل الأسرى، مع أن هذا لا يستقيم أبداً مع هدي النبوة وتاريخها، والنبي الكريم وقع في يده المئات من الأسارى خلال حياته الطويلة فلا يعرف عنه أنه عذب أو قتل أياً منهم، إلا رجلين اثنين قتلا بعد بدر وهما النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط، وقتل عقبة محمول على أنه جرى بعد محاكمة واعتراف أو أنه وقع قبل نزول هذه الآية، وأما النضر بن الحارث فقد أقر النبي بندمه على ذلك وتسرعه فيه، وأمر بالإحسان إلى أخته قتيلة بنت الحارث بعد قصيدتها الشهيرة . لا أعتقد أن نص القرآن الكريم في الأسارى يتعارض مع ما أنجزته البشرية في كفاح في سبيل حقوق الأسير وهو الكفاح الذي توِّج باتفاقية جنيف لحقوق الأسرى وهي تنص بالحرف على أن المأذون به في الأسرى هو واحد من اثنين إما منَّاً بعد وإما فداء! واعتبر الاسترقاق والقتل بعد الوثاق جريمة حرب، وهو بالضبط ما يتطابق مع الهدي القرآني في آخر ما نزل بشأن الأسرى، بل إن الرواية القرآنية ذهبت إلى أبعد من هذا فأثنت أطيب الثناء على من يطعم الأسرى، واعتبرت الأسير ضيفاً على الدولة الإسلامية، وفي هذا المعنى نزل قوله تعالى (( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا )) ، وفي يوم بدر وقع سبعون أسيراً في يد النبي الكريم، وكان الغضب في أعلى موارده وطالب مهاجرون وأنصار بإعدام الأسرى ولكن النبي الكريم رفض ذلك، واختار المن والفداء، وحين سمع بعض أنين الأسرى في الليل أمر أن يحل الوثاق عنهم تخفيفاً ورحمة، وما زال يلطف ويرحم حتى تمكن من فدائهم جميعاً، ولم يسجل في تاريخ كفاحه قتل أسير . ملاحظات ومطالعات برسم فقه التوحش الذي يسود اليوم في هذه الحرب المجنونة ويبيح للساديين والدمويين ارتكاب أشد مذابحهم دموية وتوحشاً، ومن ثم نسبة هذه الجرائم إلى النص الديني .

مشاركة :