الارتفاعات الكبيرة في أسعار مواد البناء تسببت في إصابة قطاع الإنشاءات المصري بحالة من الركود، التي ضربت القطاع وأصابته بالشلل، ما تسبب في تباطؤ حركة نمو القطاع الذي تعول عليه الحكومة المصرية كأحد أهم محاور التنمية من خلال القطاع الخاص. خلال الأيام الماضية سجلت أسعار الحديد قفزات كبيرة، حيث أعلنت شركة حديد عز عن زيادة أسعارها لتصل لنحو 10 آلاف جنيه للطن، مقابل 9505 نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بزيادة نحو 500 جنيه. وأخطرت الشركة وكلاءها مؤخراً بأن سعر الطن داخل المصنع سيصل إلى 9720 جنيهاً مقابل 9870 للتجار، على أن يصل للمستهلك بنحو 10 آلاف. وتعد هذه الزيادة هي الثانية خلال شهرين، حيث سبق أن رفعت الشركة سعر طن الحديد بنحو 200 جنيه في نوفمبر الماضي، ليقفز سعر الطن من نحو 9200 جنيه في بداية الشهر الماضي، ليسجل في الوقت الحالي نحو 10 آلاف جنيه بنسبة زيادة تقدر بنحو 8.7%.وتسببت هذه الارتفاعات في وجود حالة من الركود وتوقف عدد كبير من المقاولين عن العمل في ظل هذه الأسعار التي لا تحقق أي أرباح للمقاولين أو شركات التطوير العقاري. ويقول خبراء العقارات، إن هذه الارتفاعات تسببت في خسائر كبيرة لشركات التطوير العقاري، خاصة مع اتجاه السوق نحو الركود مع انعدام الطلب بسبب الظروف الاقتصادية للمواطنين وعدم وجود سيولة لشراء أو تملك العقارات. وأوضح أحد الخبراء أن أي شركة في السوق المصري لا تستطيع العمل وفق هذه الأسعار الجديدة، إلا بعد العودة للعملاء ورفع أسعار الوحدات المتعاقد عليها، حيث إن العمل وفق هذه الأسعار يدفع جميع الشركات إلى مواجهة خسائر كبيرة خلال الفترة المقبلة. ولا تقتصر أزمة الأسعار على الحديد فقط، فقد ارتفعت أسعار الأسمنت لتسجل ما يقرب من ألف جنيه تقريباً مقابل نحو 700 جنيه قبل شهرين من الآن بنسبة زيادة تقترب من 43%. والارتفاعات الأخيرة في أسعار مواد البناء سوف تدفع الشركات التي تعمل في قطاع التطوير العقاري إلى رفع أسعار الوحدات بنسب لا تقل عن 25%، ما قد ينتج عنه مشاكل كبيرة مع قطاع عريض من العملاء الذين لن يقبلوا بأي تغيير في التعاقدات أو إضافة أي تكلفة جديدة على الوحدات المباعة. من جهتها وكالة فيتش للتصنيف الائتماني كانت قد توقعت أن ترتفع قيمة الجنيه المصري بدءاً من العام المالي 2018 ليصل سعر صرف الدولار إلى 14.5 جنيه، في مقابل نحو 16 جنيهاً ترجحه بنهاية يونيو/حزيران 2017. وقالت الوكالة في تقرير لها، إن الأثر المزدوج من زيادة الاقتراض الخارجي بالتزامن مع الهبوط الكبير في قيمة الجنيه المصري سيقفزان بمعدلات الدين لذروتها خلال العام المالي الجاري، لتدور حول مستوى 99% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بافتراض تسجيل سعر صرف 16 جنيهاً أمام الدولار بنهاية يونيو/حزيران 2017.وترجح فيتش أن تنخفض نسبة الدين إلى 93% من الناتج المحلي الإجمالي العام المالي المقبل 2018، مع تراجع عجز الموازنة وارتفاع قيمة العملة المحلية ليسجل الدولار 14.5 جنيه. وتابعت أن مستوى الديون المضمونة والالتزامات المحتملة غير واضح حالياً، مع إشارتها إلى أن قسم إدارة المالية العامة الذي تم تأسيسه مؤخراً سيبدأ في نشرها بدءاً من أوائل عام 2017. نقطة الضعف الرئيسية وترى فيتش أن الوضع المالي سيظل نقطة ضعف رئيسية في الوضع الائتماني لمصر، على رغم الإصلاحات الضريبية وتقليل الدعم وتطبيق القيمة المضافة، متوقعة أن يسجل عجز الموازنة تراجعاً متواضعاً إلى 11.6% بنهاية العام المالي الجاري 2017. وتابعت: رغم نمو الإيرادات الضريبية القوية المتوقعة، مع تطبيق قانون الخدمة المدنية الذي سيكبح نمو أجور القطاع العام، إلا أن تزايد فاتورة الدعم بسبب أثر خفض قيمة الجنيه على تكلفة استيراد الوقود سيفوق وفورات الدعم، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة المصاحب لقرار تعويم الجنيه سيرفع تكلفة خدمة فوائد الدين المحلي. تحسن الاندماج المالي وتتوقع الوكالة تحسن الاندماج المالي خلال العام المالي المقبل، ليضيق عجز الموازنة إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي، والعجز الأولي إلى 0.3% من الناتج. وتوقعت بدء تحسن نمو الناتج المحلي الإجمالي في مصر خلال العام المالي المقبل ليرتفع إلى 4.5%، وسط ترجيحها تسجيل أداء أضعف العام المالي الجاري عبر تحقيق نمو بنسبة 3.3% فقط. تحديات السياحة والصناعة وقالت الوكالة، إن الاقتصاد المصري مازال يواجه تحديات خاصة في قطاعي الصناعة والسياحة حتى من قبل قرار تعويم الجنيه، فضلاً أن حزمة الإصلاحات المالية والنقدية التي تم اتخاذها مؤخراً ستمثل عبئاً في بداية تطبيقها على معدل استهلاك الأفراد. وتتوقع الوكالة أن تسجل مصر معدلات نمو أقوى في العام المالي المقبل 2018 لترتفع إلى 4.5%، رغم سياسة ضبط الأوضاع المالية التي تستهدفها الحكومة، مع إشارتها إلى أن سياسة تحرير سعر الصرف ستؤتي ثمارها، إضافة إلى بدء الإنتاج بحقل زهر، بالتزامن مع قدوم استثمارات ضخمة. وتابعت في تقريرها أن ارتفاع مستويات التضخم في مصر فوق 20% خلال النصف الأول من العام المالي 2017، مع تنفيذ الإصلاحات المالية والنقدية يمثل بعض المخاطر المجتمعية، لاسيما في ضوء المشاكل الهيكلية الجارية بما فيها ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، وقصور الحوكمة وضعف بيئة الأعمال، إضافة إلى بعض القضايا الأمنية التي تطفو على فترات متقطعة. تخفيف المخاطر وأشارت فيتش إلى سعي الحكومة المصرية لتخفيف تلك المخاطر عبر تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي والتحول إلى الدعم النقدي، بزيادة مخصصات دعم المواد الغذائية وتحسين خدمات الكهرباء بشكل ملحوظ، فضلاً عن وضع آمال على مساهمة إجراءات الإصلاح في تحسين أداء الاقتصاد وتوفير فرص عمل. وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد أكدت تصنيف مصر الائتماني عند Bمع نظرة مستقبلية مستقرة. وقالت الوكالة إنها مازالت تقيّم احتمالات تخلف مصر عن سداد الديون المحلية والأجنبية الطويلة الأجل عند مستوى B، وهو نفس تصنيف أذون وسندات الخزانة التي يتم إصدارها محلياً. وأضافت المؤسسة أن التصنيف يعكس عجز الموازنة الكبير وارتفاع نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى ارتفاع الضغوط على ميزان المدفوعات والتاريخ السياسي المتقلب في الآونة الأخيرة، مع لفتها إلى إحراز مصر تقدماً ملحوظاً في برنامج الإصلاح الاقتصادي. الإصلاح المالي وتابعت الوكالة أن استعادة برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي زخمه بعد المماطلة في تنفيذه منذ يونيو/حزيران ، 2016 عندما اتسع عجز الموازنة إلى نحو 12.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرة إلى بدء تنفيذ الحكومة حزمة من الإصلاحات بدأت من تطبيق المرحلة الثانية من رفع أسعار الكهرباء بمعدلات تراوحت بين 35 و40%، ثم إدخال ضريبة القيمة المضافة حيز التنفيذ في سبتمبر الماضي، بعد الحصول على موافقة البرلمان المصري على تطبيقها بمعدل 13% في البداية، على أن ترتفع إلى 14% في مطلع العام المالي في 2017. وأعقب ذلك قرار البنك المركزي بتعويم العملة المحلية في 3 نوفمبر/تشرين الماضي ليسجل متوسط قيمة الدولار أمام الجنيه نحو 17.1 جنيه وذلك حتى 12 ديسمبر الجاري.وذكرت فيتش أن قرارات برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي ساهمت في زيادة التدفقات الأجنبية لمصر، بدءاً من حصول مصر على موافقة صندوق النقد الدولي لإقراض مصر 12 مليار دولار على مدار الثلاث سنوات المقبلة، إضافة إلى الحصول على موارد أجنبية من مصادر مختلفة أخرى منهم دول الخليج، البنك الدولي، وإجراء مبادلة العملة مع الصين بقيمة 2.6 مليار دولار، إضافة إلى ملياري دولار من بنوك دولية عبر طرح خاص للسندات. وأضافت أن هذه الموارد ساهمت في ارتفاع أرصدة الاحتياطي الأجنبي إلى نحو 23 مليار دولار بنهاية نوفمبر الماضي، وهو ما يغطي أكثر من 4 شهور من الواردات السلعية. (وكالات)
مشاركة :