مع قرب دخول اتفاق "أوبك" والمنتجين المستقلين بشأن خفض الإنتاج حيز التنفيذ مع بداية العام المقبل، غلب التفاؤل والثقة على السوق ما أدى إلى مكاسب سعرية للنفط في ختام الأسبوع الماضي وسط مؤشرات عن التزام كامل من قبل المنتجين في "أوبك" وخارجها بتطبيق متطلبات اتفاق خفض الإنتاج. ويأمل المعنيون بصناعة النفط تعافيا سريعا للسوق وسحب فائض المخزونات والقضاء على الفجوة الواسعة بين العرض والطلب التي أضعفت الأسعار على مدى أكثر من عامين وذلك مع بدء المنتجين في تقييد الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميا منها نحو 1.2 مليون برميل يوميا من دول "أوبك" بقيادة السعودية ونحو 558 ألف برميل يوميا من "المستقلين" بقيادة روسيا. ويمثل الشهران الأخيران من العام الجاري علامة فارقة في تاريخ سوق النفط بعد التوصل في نهاية الشهر الماضي إلى أول توافق بين دول "أوبك" على خفض الإنتاج منذ نحو ثماني سنوات أعقبه في 10 من الشهر الجاري أول عمل مشترك بين "أوبك" و"المستقلين" منذ 15 عاما للسيطرة على وفرة المعروض بخفض الإنتاج. في سياق متصل، أكد محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول"أوبك"، أن سوق النفط العالمية تتسم بحجم وتعقيد فريد من نوعه بين بقية أسواق السلع المادية الأخرى، مشيرا إلى أنه يتم حاليا إنتاج واستهلاك أكثر من 94 مليون برميل يوميا من النفط، منوها بأن ضخامة حجم هذه التجارة تعكس الأهمية الحيوية للنفط للخام والدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه في جميع أنحاء العالم ما يؤهله ليكون محرك النمو الاستراتيجي الأكثر أهمية للاقتصاد العالمي. ونقل تقرير حديث لـ "أوبك" عن زيارة باركيندو إلى جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة أنه أكد على الحجم الحقيقي الكبير لصناعة النفط ما يضفي عليها قيمة استراتيجية مؤثرة لكل من المنتجين والمستهلكين وهو ما ينبه أيضا إلى أهمية تحقيق الاستقرار المستدام في سوق النفط. وأوضح باركيندو – في التقرير– أن استقرار السوق أمر حيوي بالنسبة إلى المنتجين لأنه يعني بالنسبة لهم تأمين الطلب، وفي المقابل يعد الاستقرار أمرا حيويا بالنسبة إلى المستهلكين لأنهم بحاجة إلى الاطمئنان إلى تأمين الإمدادات، مشيرا إلى أن الخلاصة هي أن الاستقرار أمر حيوي لجميع الجهات المعنية في القطاع النفطي. وأشار التقرير إلى أن الجميع قد لمس على مدى العامين الماضيين غيابا كبيرا في الاستقرار على أساس مستدام في صناعة النفط والغاز، منوها بأن غياب الاستقرار دفع فاتورته الباهظة كل من المنتجين والمستهلكين والاقتصاد العالمي بشكل أعم وأشمل. وقال التقرير "إن فقدان الاستقرار كان نتيجة الانخفاض الحاد في سعر النفط الخام منذ حزيران (يونيو) 2014 حتى كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، حيث انخفض سعر النفط بنحو أكثر من 80 في المائة وهو أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ النفط"، مشيرا إلى أن هذا الانخفاض كان أكبر هبوط في الأسعار بالنسبة المئوية في خمس دورات اقتصادية شهدت انخفاضات حادة في الأسعار على مدى العقود الثلاثة الماضية. وأضاف باركيندو أن "أبرز ملامح الدورة الاقتصادية الصعبة الأخيرة هي تفوق العرض على الطلب على نحو واسع، ما أدى إلى تكوين مخزون نفطي عالمي واسع وذلك في الفترة ما بين منتصف 2014 وبداية عام 2016". وأوضح أن هذا العام شهد عدم حدوث تغيير كبير في مستويات المخزون النفطي التجاري في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن هذه المخزونات لا تزال أكثر من 300 مليون برميل لتسجل أعلى متوسط عام في خمس سنوات، مشيرا إلى أنه علاوة على ذلك فقد شهدنا ارتفاع المخزونات في الدول غير الأعضاء في المنظمة، إضافة إلى توسع تلك الدول في احتياطيات النفط الاستراتيجية. ونوه باركيندو بأن عامي 2015 و2016 قد شهدا انكماشا حادا في الاستثمارات في صناعة النفط، مشيرا إلى أنه على سبيل المثال انخفض مستوى التنقيب والإنتاج في مجالي النفط والغاز وتراجع الإنفاق العالمي في هذا المجال بنحو 26 في المائة في عام 2015، ومن المتوقع حدوث مزيد من الهبوط بنسبة 22 في المائة في نهاية العام الجاري 2016، لافتا إلى أن هذا يقدر بأكثر من 300 مليار دولار ويؤثر ليس فقط في المشاريع القائمة بل في الاكتشافات الجديدة أيضا. وقال التقرير "إنه على مدار العامين الماضيين ومنذ انهيار الأسعار شهدنا حالة من اتساع فقدان الوظائف المهمة في صناعة النفط الخام فضلا عن زيادة الضغوط المالية والتشغيلية على عديد من الشركات"، مشيرا إلى أنه في العام الجاري كان من الواضح أن جميع المنتجين، وكذلك معظم المستهلكين قد تفهموا جيدا خطورة الدورة الحالية للنفط. وأضاف التقرير أنه "لهذا السبب شهدنا طوال عام 2016 عقد عديد من الاجتماعات والمشاورات الثنائية والمتعددة الأطراف بشأن هذه التحديات"، منوها بأنه منذ آب (أغسطس) الماضي تكثفت المشاورات بين عديد من وزراء "أوبك" والوزراء في دول خارج "أوبك" فضلا عن بعض رؤساء الدول والحكومات وذلك بهدف المشاركة معا في عملية إعادة التوازن إلى سوق النفط واتفقت الآراء على أهمية التعاون لعودة الاستقرار المستدام". وذكر باركيندو – في التقرير – أنه في ضوء هذه التحديات عملت منظمة "أوبك" على تحفيز أعضائها على التوصل إلى "اتفاق الجزائر" الذي تم من خلاله الاتفاق - من قبل جميع الدول الأعضاء في منظمة أوبك خلال الاجتماع الاستثنائي رقم 170 في 28 أيلول (سبتمبر) الماضي - على الحاجة الملحة إلى تحفيز السوق واستعادة التوازن مع تسريع سحب الزيادة في المخزونات إلى جانب ضمان أن تنشيط الاستثمارات سينعكس بشكل إيجابي واسع على الصناعة. وأشار باركيندو إلى أن اتفاق الجزائر أكد التزام الدول الأعضاء في "أوبك" بالعمل معا من أجل الوصول إلى أسواق مستقرة وتحقيق مصالح كل من المنتجين والمستهلكين. وأضاف باركيندو أنه "فور نجاح التوافق داخل "أوبك" بدأت على الفور مشاورات موازية مع الدول المنتجة للنفط من غير الأعضاء في "أوبك"، لافتا إلى أن تدشين التعاون بين المنتجين في "أوبك" وخارجها يمكن أن يتخذ تدابير استباقية من شأنها أن تضمن سوق نفط متوازنة على أساس مستدام. ونوه باركيندو بأن الجميع يدرك جيدا أن الطريق إلى النجاح ليس سهلا وأنه يتطلب مزيدا من الجهد، مشيرا إلى أن التوصل إلى "اتفاق الجزائر" كحل دائم يتيح الاستقرار في سوق النفط بعد خذ قدر كبير من العمل الشاق لتفعيل التعاون بين كل دول "أوبك" وعديد من المنتجين من خارج "أوبك أيضا، ولذا "تمكنا بعد شهرين من الجهود المكثفة والحازمة منذ توقيع اتفاق الجزائر في 28 أيلول (سبتمبر)، من التوصل إلى "اتفاقية فيينا" التي اعتمدت في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) ضمن أعمال الاجتماع الوزاري لـ "أوبك" وتم التوافق على حصص خفض الإنتاج لكل المنتجين الأعضاء في "أوبك". وأضاف باركيندو أن "الاتفاق التاريخي في داخل "أوبك" تكامل مع اتفاق جديد في 10 من الشهر الجاري يتضمن تخفيضا موازيا في إنتاج "المستقلين" بنحو 558 ألف برميل يوميا بقيادة روسيا والمكسيك وهو ما أكد عزيمة وتعاون كل المنتجين لاستعادة سوق للنفط تتسم بالاستقرار والنمو المستدام". ويرى أمين عام "أوبك" أنه تمت بلورة رؤية مشتركة بين كل من أوبك والمنتجين من خارج المنظمة، وتم التوافق على أهمية وضرورة دعم العمل التعاوني لمواجهة كل جوانب الضعف في السوق وهو ما كان يتطلب التزام جميع أصحاب المصلحة في صناعة النفط من أجل تحقيق كثير من الإيجابيات المحتملة بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي. وأشار التقرير إلى أنه من المهم أيضا التأكيد على أن هذه القرارات الأخيرة لا ينبغي أن ينظر إليها إلا باعتبارها ضرورة لتصحيح مسار السوق خاصة على المدى القصير إضافة إلى المديين المتوسط والطويل. ونوه بأن "أوبك" حرصت على تقديم رؤية موضوعية ودقيقة لمستقبل السوق من خلال الطبعة العاشرة لتقرير "أوبك" السنوي عن توقعات سوق النفط العالمية، الذي تضمن تحليلا شاملا لديناميكيات الصناعة الرئيسية، فضلا عن رؤى تفصيلية تشمل التحديات والشكوك التي تواجه هذه الصناعة. من ناحية أخرى فيما يخص أسعار النفط، فقد ارتفعت الأسعار في ختام تعاملات الأسبوع الماضي مقتربة من مستوى مرتفع جديد هو الأعلى في 17 شهرا في الوقت الذي أظهر فيه المنتجون مؤشرات على الالتزام باتفاق عالمي لتخفيض الإنتاج. وبحسب "رويترز"، فقد جرت تسوية العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت على ارتفاع بواقع 1.19 دولار أو ما يعادل 2.2 في المائة إلى 55.21 دولار للبرميل في حين زاد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي دولارا واحدا أو ما يعادل 2 في المائة إلى 51.90 دولار للبرميل في التسوية. ويضع ذلك العقدين على مسار الارتفاع لرابع أسبوع في الأسابيع الخمسة الأخيرة وهي الفترة التي حقق فيها خام برنت مكاسب بلغت نحو 23 في المائة في حين زاد الخام الأمريكي خلالها بنحو 20 في المائة. وبلغت العلاوة السعرية لـ "برنت" في عقود أقرب استحقاق أمام الخام الأمريكي 2.26 دولار للبرميل في التسوية وهي الأعلى منذ نهاية آب (أغسطس) الماضي. واتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" على خفض الإنتاج 1.2 مليون برميل يوميا من أول كانون الثاني (يناير) في أول اتفاق من نوعه منذ 2008، وتعتزم روسيا ومنتجون آخرون غير أعضاء في "أوبك" خفض الإنتاج بما يصل إلى نصف تلك الكمية. ودعم الاتفاقان اللذان تم التوصل إليهما خلال الأسبوعين الأخيرين التوقعات في السوق بأن تخمة المعروض التي امتدت لعامين ستنتهي قريبا، وأن الأسعار ستظل قرب المستويات المرتفعة المسجلة من قبل في تموز (يوليو) 2015. وقالت موسكو "إن جميع شركات إنتاج النفط في البلاد بما في ذلك أكبرها روسنفت وافقت على خفض الإنتاج". وأخطر منتجون آخرون من بينهم الكويت والسعودية عملاءهم بأنهم سيخفضون الإنتاج اعتبارا من كانون الثاني (يناير). وقاد احتمال خفض الإنتاج بنك "جولدمان ساكس" الأمريكي إلى رفع توقعاته لسعر خام غرب تكساس الوسيط إلى 57.5 دولار للبرميل من 55 دولارا في توقعاته السابقة وذلك للربع الثاني من 2017. وزادت شركات الطاقة الأمريكية عدد منصات الحفر النفطية للأسبوع السابع على التوالي في استمرار لتعافي أنشطة الحفر المستمر منذ سبعة أشهر مع بقاء أسعار الخام قرب أعلى مستوى في 17 شهرا. وقالت شركة "بيكر هيوز" لخدمات الطاقة، "إن شركات الحفر زادت عدد المنصات النفطية بواقع 12 منصة في الأسبوع المنتهي في 16 كانون الأول (ديسمبر) ليرتفع إجمالي عدد منصات الحفر إلى 510 منصات وهو أعلى مستوى منذ كانون الثاني (يناير) لكنه يظل دون عددها البالغ 541 منصة الذي سجلته قبل عام". ومنذ أن تعافت أسعار الخام من أدنى مستوياتها في 13 عاما إلى نحو 50 دولارا للبرميل في أيار (مايو) أضافت الشركات 194 منصة حفر نفطية في 26 أسبوعا من الأسابيع الـ 29 الأخيرة، وهذا هو التعافي الأكبر منذ تضرر السوق من تخمة في المعروض استمرت على مدار أكثر من عامين. وتراجع عدد منصات الحفر النفطية من مستوى قياسي بلغ 1609 منصات في تشرين الأول (أكتوبر) 2014 إلى أدنى مستوياته في ست سنوات عند 316 منصة في أيار (مايو) مع هبوط أسعار الخام الأمريكي من فوق 107 دولارات للبرميل في حزيران (يونيو) 2014 إلى قرب 26 دولارا في شباط (فبراير) الماضي. وجرى تداول الخام الأمريكي في العقود الآجلة عند نحو 52 دولارا للبرميل قرب أعلى مستوى في 17 شهرا الذي سجله عقد الخام في وقت سابق من هذا الأسبوع بفعل إشارات على أن المنتجين من داخل منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وخارجها يلتزمون باتفاق عالمي لتخفيض الإنتاج. وقال محللون "إن شركات الطاقة الأمريكية ستزيد على الأرجح الإنفاق على أنشطة الحفر وستضخ مزيدا من النفط والغاز في السنوات المقبلة وسط توقعات باستمرار صعود أسعار الطاقة".
مشاركة :