في كتاب رجاء النقاش، «في حُب نجيب محفوظ»، الصادر عن دار «الشروق»، بطبعته الأولى، سنة 1995، تحدّث أديب نوبل، نجيب محفوظ، عن مُخدر «الحشيش»، وقال إن الصوفيين هم أول من اكتشف «الحشيش» واستخدموه، بعد أن وجدوا أنه يعطيهم شعورا بالاتبساط، مما يساعدهم ويسعفهم في تجربة التجلي والوصول. وفي بدايات هذا القرن، كان «الحشيش» من المواد المحتقرة في مصر، ولا يستخدمه سوى أراذل الناس، ولا تقربه الفئات المحترمة، وكانت كلمة «حشّاش» تعني أن صاحبها أقرب إلى فئات الحرامية والنشالين، ثم انقلب الوضع، فعندما قامت الحرب العالمية الأولى اختفت الخمور الجيدة من السوق، ولم يكن أمام الفئات العليا من المجتمع إلا استخدام الحشيش، وأصبح في بيوت كثيرة «غرزة» صغيرة للحشيش بدلا من البار، وساعد على انتشار الحشيش أنه لم يكن ممنوعًا بحكم القانون، بل كان الناس يدخنونه في المقاهي، وأكثر عقوبة لحشاش، هي الغرامة وكانت قروشا معدودة. والطريف أن أحد أنصار الحشيش وكان رئيسا لإحدى الجمعيات الخيرية بمصر وهو الدكتور غلوش، قام بحملة منظمة في الصحف للدفاع عن الحشيش، ولبيان عدم وجود أضرار له. وكانت وجهة نظر ، الدكتور غلوش، هي: كيف تبيح الحكومة تناول الخمور وتحرم الحشيش وهو أقل ضررا وخطورة؟ كان ذلك بعد أن شددت الحكومة عقوبة تعاطي الحشيش وقيل وقتئذ إن الإنجليز هم الذين أوعزوا للحكومة بتغليظ العقوبة، بهدف الترويج للخمور الإنجليزية. ويُضيف نجيب: «وقد التقيت (الدكتور غلوش) وجلست معه عدة مرات، ووجدت فيه شخصية ظريفة جدا، كما قرأت له مقالات عديدة في الصحف دفاعا عن الحشيش. وأوضح لي الدكتور أدهم رجب فيما بعد صحة أقوال الدكتور غلوش، فيما يتعلق بعدم وجود أضرار للحشيش. وكل ما في الأمر أن الحشش يؤدي إلى احتراق كمية كبيرة من السكر في الدم، والعلاج أو الوقاية هنا من الأمور البسيطة، ويتركز ذلك في التغذية الجيدة». ويرى نجيب محفوظ أيضًا أن مساواة الحشيش بالمواد المخدرة الأخرى التي انتشرت مؤخرا مثل «الهيروين» ليس بمنطقي، لأن «الهيروين» من المواد التي تدمر الجسم وتقضي على عقول الشباب، وربما كان سيد درويش من أوائل الذين تنبهوا إلى هذا الفارق، فعندما لحن أغنية عن «الكوكايين» هاجمه بشدة وحذر من خطورته. كمّا أن هناك عددا من كبار الكتاب السياسيين مثل عباس محمود العقاد، شنوا حملة شديدة على تعاطي «الكوكايين» عندما بدأ في الانتشار في فترة ما بين الحربين العالميتين. وعندما غنى سيد درويش للحشيش في أغنيته المعروفة عن «الحشاشين» لم يهاجمه أحد، وكانت كلمات هذه الأغنية فيها نوع من البهجة والسخرية، ولا يقف سيد درويش ضد الحشيش إلا عند الشدائد والأزمات الوطنية. وأقول هنا إنه يجب إعادة النظر في العقوبة الخاصة بالحشيش، فربما تؤدي إلى التخفيف من خطر المخدرات وصفوف الإدمان الرهيبة الأخرى. ويُكمل نجيب محفوظ رأيه عن الحشيش قائلاً: «عن طريق صديقي (الشماع) الذي كان يعمل في الغورية، عرفت (الحشيش)، وفي ذلك الوقت، كان تدخين الحشيش يتم بصورة علنية في المقاهي كما أشرت. حتى أننا أذكر أن (الشماع) كان يجلس في مقهى (علي يوسف)، وينتظر حتى يأتي (عسكري الدرك) الموجود في الشارع حتى يشرب معه (التعميرة)». ويُضيف: «وفي اعتقادي الشخصي أن الأوضاع السيئة التي عاشها الشعب المصري، وما تعرض له من ظلم وقهر، كان سببا أساسيا في إقباله على (الحشيش). لأنه وجد فيه نوعا من المسكن لآلامه وأوجاعه، يخفف عنه ولو لساعات، ما يمر به من هموم وأزمات، حتى أصبح تدخينه بالنسبة لهم عادة شعبية مثل شرب الشاي والقهوة. وأكاد أقول أنه ما من مصري من أولاد البلد إلا ويحمل صفة (حشاش)، إلا إذا كانت هناك ظروف قهرية منعته، حتى أن غير القادر منهم تجده على استعداد لأن يخدم في (الغرزة) مقابل (نَفَسين)». ويسنكمل محفوظ: «كان الحشيش للشعب المصري نعم الصديق، لأنه خفف عن الناس المرارة التي يعيشونها في نهارهم، وكان بمثابة المسكن للأوجاع في الليل. وساعد على انتشار الحشيش بين جماهير الشعب خاصة الطبقات الفقيرة، أنهم لا ينظرون إليه نظرة التحريم الديني التي يرونها في الخمر، فالإنسان المصري لديه استعداد لأن يدخن الحشيش ولكن لا يتناول البيرة مثلا، رغم أنها أخف أنواع الخمور، وذلك لاعتقاده أنه لا يوجد نص ديني قاطع يحرّم الحشيش بالتحديد».
مشاركة :