استعرض تحليل صادر اليوم عن بنك قطر الوطني، التباين في النمو العالمي لاسيما فيما يتعلق بالسياسات النقدية العالمية. ووفقا للتحليل فقد تأكد في شهر ديسمبر الجاري أن التباين في السياسات النقدية العالمية قد بات الآن واقعا ملموسا، ففي الـ8 من ديسمبر، أقر البنك المركزي الأوروبي جرعة أخرى من الحوافز النقدية، وبعد أسبوع من ذلك تقريبا، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتشديد السياسة النقدية عن طريق رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهذا الاختلاف بين الإجراءين اللذين اتخذهما كل من البنكين المركزيين يعكس تباينا في الأداء الاقتصادي، فبينما يواصل الاقتصاد الأمريكي أداءه الذي يكاد يصل إلى طاقته القصوى علاوة على توقع مزيد من تسارع النمو، نجد أن منطقة اليورو لا تزال تعاني من تباطؤ شديد، مع توقع مزيد من التباطؤ، أو في أحسن الأحوال أن يستقر عند معدل نمو أقل من الولايات المتحدة. وبموجب التحليل فلا يمكن لهذا التباين في النمو العالمي أن يستمر لفترة طويلة، لاسيما وأن الحوافز المالية وتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة سيؤديان إلى ارتفاع الدولار الأمريكي مقابل اليورو، وهذا من شأنه أن يفيد الصادرات الأوروبية على حساب الصادرات الأمريكية، بما يساعد على سد فجوة النمو بين المنطقتين، وقد لوحظ أن نفس الديناميات قد عملت خلال عامي 2015-2016. ولفت التحليل إلى أن تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة مقابل التيسير الذي تشهده منطقة اليورو يعكس أيضا تباينا في الأوضاع والآفاق الاقتصادية، ففي الولايات المتحدة، من المتوقع أن يرتفع النمو بنسبة 2.1% في 2017 وذلك من 1.9% في 2016، حيث سيكون مدعوما جزئيا بالتحفيزات المالية المتوقعة من طرف الإدارة الجديدة، ومن المتوقع أن يتراجع معدل البطالة إلى 4.5%، أي أقل من المستوى المستهدف 4.8%، كما يتوقع أن يرتفع التضخم إلى المعدل المستهدف 2.0% بنهاية عام 2017 حسب توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي. وفي الجانب الآخر، فمن المتوقع أن يستقر النمو في منطقة اليورو عند معدل 1.7% في 2017، أي أقل من مستوى النمو في الولايات المتحدة، كما يتوقع أن لا يتجاوز التضخم نسبة 1.3% بحسب توقعات البنك المركزي الأوربي، وفي الواقع، تشير هذه التوقعات إلى أن التضخم سيظل دون المستوى المستهدف المتمثل في 2% حتى عام 2019، ومن غير المحتمل أن يتجسد التباين الكبير في معدلات النمو على أرض الواقع، فمن المرجح أن يؤدي تضافر تخفيف السياسة المالية وتشديد السياسة النقدية إلى ارتفاع في قيمة الدولار مقابل اليورو. ومن شأن ما سبق أن يحد من القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية مقارنة مع نظيراتها الأوروبية، وبالتالي يحول النمو من الولايات المتحدة نحو منطقة اليورو ويؤدي إلى تقليص التباين بين معدلات النمو، وبعبارة أخرى، فإن الارتفاع المتوقع في قيمة الدولار الأمريكي سيؤدي إلى تحول بعض الطلب الناتج عن التحفيزات المالية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى بقية الاقتصادات المتقدمة. وأشار تحليل بنك قطر الوطني إلى أن نفس هذه العوامل كانت موجودة في الفترة ما بين عامي 2015-2016، والتي حدث فيها تحركات حادة في أسعار العملات بسبب ارتفاع الطلب الكلي بالولايات المتحدة نتيجة النمو القوي في الاستهلاك الخاص وازدياد التوقعات برفع أسعار الفائدة هناك وتخفيف القيود النقدية من قبل البنك المركزي الأوروبي، وقد ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل اليورو من 1.33 في عام 2014 إلى نحو 1.11 في 2015-2016. ونوه التحليل بأن ذلك أدى بطبيعة الحال لتحول جزء من الطلب بعيدا عن الولايات المتحدة باتجاه منطقة اليورو وساعد في تقليل الفارق بين معدلات النمو في المنطقتين، وتباطأ النمو في الولايات المتحدة من 2.4% في عام 2014 إلى متوسط 2.1% في 2015-2016، في حين تسارع نمو منطقة اليورو من 1.1% في عام 2014 إلى متوسط 1.8% في 2015-2016، وكانت هناك عوامل أخرى مهمة في تلك الفترة، مثل انخفاض أسعار النفط الذي ساعد منطقة اليورو أكثر من الولايات المتحدة، ولكن سعر الصرف كان العامل الحاسم. ولفت التحليل إلى أن البعض قد يجادل بأن الإدارة الأمريكية الجديدة ستنتهج سياسة مناهضة لحرية التجارة من خلال فرض رسوم جمركية، وهو ما يمكن أن يمنع تسرب النمو خارج الولايات المتحدة ويحافظ على تباين الأداء الاقتصادي، لكن من المستبعد أن يحدث هذا السيناريو وذلك لثلاثة أسباب، أولا، قد تتخذ إدارة ترامب نهجا أكثر اعتدالا فيما يتعلق بحرية التجارة مقارنة بأقواله أثناء الحملة الانتخابية، ثانيا، يمكن للسياسة الحمائية أن تعمل فقط على الحد من واردات الولايات المتحدة، لكن ليس بمقدورها أن تساعد في زيادة صادراتها، ثالثا، ستتضرر صادرات الولايات المتحدة في الواقع من أي إجراءات حمائية، حيث يمكن للدول الأخرى أن ترد بإجراءات مماثلة. ووفقا للتحليل فيمكن القول بأن التحركات في سعر الصرف يرجح أن تكون قوية بما يكفي لضمان استفادة الاقتصادات المتقدمة الأخرى من الحوافز المالية لإدارة ترامب، وأن فجوة النمو الإقليمي لن تتسع أكثر. م . م/س.س;
مشاركة :