سيلُ الدماء المستمر في سورية والعراق وليبيا، والتفجيرات التي باتت شبه يومية في العراق، وتلك المتنقلة في لبنان، والعنف الذي تشهده مصر، والمواجهات التي تقع بين أفراد ومجموعات من مكونات اجتماعية ومذهبية متعددة في أصقاع مختلفة من الوطن العربي والإسلامي، تدفع للوقوف ملياً أمام هذه الموجة المتصاعدة من التطرف و"الإرهاب"، التي باتت تشكل تهديداً فعلياً للنسيج المجتمعي للدول العربية، وتراكم رصيداً من الكراهية التي تتوارثها وتتناقلها الأجيال، وهي كراهية ساهم في تعميمها الإعلام من جهة، والخطابات الدينية المسيسة من جهة أخرى، فيما لعبت بعض الجهات السياسية على التناقضات بهدف تحقيق طموحات غير نزيهة، غير مكترثة بما تلحقه من أضرار بليغة وتعمقه من خلافات تحتاج لجهود مضنية لتجاوزها. البعض يحاول تصوير المشهد وكأنه مجرد اشتباك سياسي محض، وأنه سيستطيع العرب تجاوزه ما إن اتفق السياسيون. وهي النظرة التي لا تذهب عميقاً لتلامس عمق وجذر المشكلة، الكامن في البنية الاجتماعية والفكرية للفرد العربي والمجتمع الذي يشكله، وفق ما يعيشه من بيئة تكون قابلة لأن تجنح صوب "التطرف"، أكثر من سعيها لأن تركن للتسامح وقبول الآخر. لأن فكرة "الغلبة" هي التي تخيم على العقل الفردي والجمعي، فيما تبقى مفاهيم ك"التعددية" و"القبول بالآخر"، مجرد أفكار عقلانية تسبح في فضاء "مثالي" ينبذه العقل الغرائزي!. الواقع سالف الذكر، لا يمكن للفاعلين الاجتماعيين والدينيين والساسة من ذوي الفكر "التنويري"، الوقوف تجاهه دون "مبالاة"، أو دون العمل على محاصرة الحرائق التي يشعلها. لأن موقف "الحياد السلبي" لن يقود إلا لتقوية الصوت "المتطرف"، ويدفعه إلى الجرأة أكثر، وتالياً تجاوز العنف اللفظي إلى عنف اجتماعي ومسلح. أي أن الخطر في تعاظم مستمر، ما لم تكن هنالك خطوات عملية في المجتمعات الإسلامية لحل إشكالية "التطرف" دون مواربة، ودون خطابات ترقيعية، تنظر بعين واحدة فقط!. العاصمة الإماراتية أبو ظبي، احتضنت في التاسع والعاشر من مارس الجاري، ملتقى علمياً ناقش "تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية". وهو المنتدى الذي جاء لتشكيل "جبهة موحدة لمواجهة الآيديولوجيات المتطرفة التي تخالف القيم الإنسانية ومبادئ الإسلام السمحة"، بحسب وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، والذي اعتبر أن "من أهم أسباب الشقاق والحروب الطائفية التي تمزق أمتنا اليوم، غياب صوت العقل، وانحسار مبدأ الاختلاف الذي جُبِلت عليه الخليقة، وتصدر أشباه العلماء لمواقع الريادة ومنابر الفُتيا، واحتلالهم لوسائل الإعلام المتنوعة، فاستخفوا رهطاً من الناس فانساقوا خلفهم من دون وعي ولا دِراية". مضيفاً بكثير من الصراحة التي تضع الأمور في نصابها، ممزوجة بشيء من "الامتعاض"، قائلاً إن "في النفس أسى وحُرقة على إخوتنا المسلمين الذين يتناحرون في شتى أصقاع الأرض، وكل يزعم أنه على الحق، يتصارع الكبار على المكاسب السياسية والمصالح المادية، فيُغرون الشباب لخوض حروب طاحنة بالنيابة عنهم، ويقولون إن موعدهم الجنّة، وهل أُعدت الجنة لمن يقتل أخاه الإنسان، بغير حق، وباسم رب العالمين". الحديث السابق للشيخ عبدالله بن زايد، يأتي في سياق مبادرة يقودها الوزير الشاب ل"تعزيز السلم"، والحد من التناحر الطائفي والصراعات المذهبية، وهي مبادرة جديرة بأن تدعم من قبل القيادات الوطنية والدينية في الوطن العربي. إن الوعي بالمشكلة، وتلمس أسبابها الحقيقية، واستشعار عظم خطرها، هي أولى الخطوات في طريق طويل يحتاج إلى شجاعة كبيرة لمواجهة "التطرف"، وهي شجاعة يجب أن يتحلى بها الجميع، لأن الاستسلام لغول "الكراهية"، سيقود الناس للوقوع في فخاخ من نارٍ لا تبقي ولا تذر!.
مشاركة :