يذكر الروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو أنه كان يحلق ذقنه عندما تلقى مكالمة هاتفية من ناشر يخبره أنه يرغب في نشر رواية له كانت مفقودة منذ سنوات، غير أن صاحب نوبل في ما بعد رفض النشر بكلمات هادئة، ثم أغلق سماعة الهاتف، وواصل حلاقة ذقنه. عموماً، نتلقى مكالمات هاتفية بعضها سار وبعضها سيئ، واليوم أصبحت ما تسمى الرسائل النصية التي تصل إليك عبر الهاتف بديلاً عن الكلام وجهاً لوجه، أو رجلاً لرجل، لغة هوائية حتى لو تلقيت خبراً يقول لك إنك حصلت على نوبل. وفي ظني أن الكثير ممن حصلوا على الجائزة، إما أنهم كانوا لحظتها يرقدون نائمين في أسرّتهم، وقد يكون البعض منهم منشغلاً بالكتابة، وقد يكون أحدهم مستلقياً تحت الشمس على شاطئ رمله من حرير، وآخرون قد يكونون لحظة فوزهم في مقهى وسط أصدقاء. قال لي كاتب عربي وهو يخفي أسى عميقاً وراء رقرقة صغيرة من دموعه، إنه لم يتلق ولن يتلقى مكالمة هاتفية أو رسالة عبر الموبايل، تخبره أنه فاز ب نوبل. وقال: الأسوأ والأكثر دناءة أن تتلقى التهديد والنفي المعنوي، والشتيمة التي تصل إلى أسفل مما هو في الشارع. ومع ذلك فنحن في قلب الحياة.. نحلق ذقوننا، ونضحك ونحب، ونكتب مع طلوع كل قرص شمس. كان اليساري في ستينات وسبعينات القرن الماضي يصف (زميله) اليميني بالرجعي والمتخلف، واليميني بدوره كان يصف (زميله) الآخر بالتبعي والانتهازي، وكان الوسطي محتشداً بالشتائم هو الآخر يوزعها يميناً ويساراً. ومن قاموس شتائم المثقفين في تلك المرحلة وحتى اليوم: المنبطح، المندس، المتواطئ، الحربائي، المتكلس، الجبان، المنتفع، الملون، الغدار، الشرير، القاتل، الفارغ، الضحل، الجاسوس، وغيرها من الأوصاف. لم ينجم عن قاموس شتائم المثقفين لغة أو معنى أو ثقافة جدل لجدل، وسجال لسجال، فما من إناء إلا وينضح بما فيه. وما من كاتب إلا وله قاموس نفسي قابع في أعماقه، وعند الانفعال الرغوي سرعان ما تظهر اللغة الشوارعية المتشنجة. تلك كانت ظاهرة عفنة محدودة في القليل بالطبع من المثقفين العرب فترة المد السياسي الانفعالي، فالكثير من الكتاب في العالم كله نبلاء، وكبار. لم يكن ساراماغو (صغيراً) عندما وصلته مكالمة هاتفية، واصل حلاقة ذقنه، وجلس بعد ذلك في جنة الكتابة مع طلوع كل قرص شمس. يوسف أبولوز y.abulouz@gmail.com
مشاركة :