في 2011م قامت الثورة وتنحى مبارك بعد أن وقف الجيش مع الشعب وبادرت الدول بالاعتراف بالوضع الجديد دون استثناء. كان هناك أمل في أن تنهض مصر بعد عقود من حكم العسكر لتحاكي القوى الصاعدة في تركيا والهند وكوريا والصين. ولكن الخيار كان مراً. إما حكومة دينية وإما عودة لحقبة مبارك عبر شفيق. فامتنع الملايين عن التصويت في جولة الإعادة بينما صوت الكثير لمرسي كرها في شفيق لا حبّاً في مرسي. وكانت النتيجة الحتمية فوز مرسي الذي أقر بأن الشعب هو مصدر الشرعية الوحيد في خطاب تنصيبه. اقترف الخطأ تلو الخطأ، ولم يصغ للأطراف الأخرى ولا للمطالبات الشعبية. إلى أن ائتلفت في جبهة موحدة ضده. اعترف بأخطائه ولكن بعد فوات الأوان. لم يركز على التنمية والمشاركة السياسية رغم أنه وعد بها، بل عمد إلى أمور خلافية كدستور الاستثناءات والخلاف مع القضاء وأخونة الدولة والتدخل الفاضح للمرشد في كل تفاصيل الحياة السياسية. فبدأت الاستقالات ولم يهتم بها كثيراً لأن المستقيلين كانوا من القوى التنويرية غير المحسوبة على الإسلاميين. ولكن حزب النور اشتكى من الإقصاء ومن الأخونة، ولم ير مندوحة في أن يكون من ضمن القوى التي أقرت إقالة مرسي بناء على رغبة أكثر من ثلاثين مليون مواطن ملأوا الميادين في أغلب مدن مصر. وبرغم وجود الأزهر وحزب النور وقوى إسلامية أخرى في المعسكر الآخر، إلا أن الإخوان ومن وقف بصفهم من وسائل إعلامية اصرت على أن المجتمع المصري انقسم إلى قسمين: قسم المصلين في رابعة والفجرة الكفرة في بقية مصر. ولا نستغرب مثل هذا التصرف من جماعة أو أشخاص فقد ابتلينا بهم في كل قُطر، ولكن أن تنضم دول بشكل صارخ إلى معسكر الإخوان فهذا هو الأمر المستنكر. ولعل أبرز تلك الدول هي تركيا التي عقدت على أرضها مؤتمراً لمناقشة الخطط لإعادة مرسي إلى الكرسي رغم فشله ورغم رفض قطاع كبير من الشعب له. ورغم أن الشرعية التي أقر بها مرسي في خطاب تنصيبه "الشعب" هي التي أطاحت به. فهذا يدعونا إلى التساؤل عن الدافع للتدخل التركي السافر في الشؤون المصرية الداخلية، الذي حدا برئيس وزراء تركيا إلى إعلان عدم الاعتراف بالحكومة الحالية. هل هو الخوف من نهاية الإسلام السياسي الذي أثبت فشله في أفغانستان والسودان والمغرب. ثم جاءت تجربة مصر لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير. أم أن هناك مخططاً آخر تحاول من خلاله تركيا استعادة دورها في المنطقة من خلال التنظيمات الإسلامية المنتشرة في كل أصقاع العالم العربي لإضعاف دولها وتقسيمها. تركيا التي أبدت حماساً مع الثورة السورية ثم خنست عندما اشتد البلاء على السوريين لن تحفل بمستقبل مصر إلا بقدر ما يحقق مصالحها. لماذا كان سقوط مبارك ثورة في المنطق التركي بينما سقوط مرسي انقلاباً. وفي الحالتين كان المحرك الأول هو الشعب، بل إن الثورة الأولى أعقبها استلام المجلس العسكري لدفة الحكم بينما بعد الثورة الثانية تشكلت حكومة مدنية مؤقتة لحين موعد الانتخابات. ولماذا تجازف تركيا بعلاقاتها مع دول الخليج بهذا الشكل. إن من السطحية أن نوزع الساحة المصرية إلى معسكر أنصار الإسلام ومعسكر أعداء الإسلام كما يروج لذلك أغلب الإسلامويين الذين عودونا على التقاطب وبث أسباب الفرقة في المجتمعات الإسلامية بعيداً عن روح الإخاء والتسامح الإسلامي التي تعلمناها من القرآن وهدي المصطفى عليه الصلاة والسلام. المزايدة على الإسلام وزجه في الصراع لا يتعدى أن يكون حيلة سياسية لكسب أصحاب العاطفة الإسلامية واستحلال دماء الآخرين لدرجة أن يقوم من يحمل راية لا إله إلا الله برمي الأطفال من أسطح المنازل والإجهاز عليهم بالعصي والسكاكين. مصر ساحة كبيرة فيها مسلمون وغير مسلمين، ولكن الأغلبية مسلمة سواء أيدت مرسي أم عارضته. كما أن الشباب أفضل تنظيماً منهم في الثورة الأولى فقد تعلموا الدرس جيداً وبرزوا كقوة جديدة وربما يمثلون أقوى تيار في الساحة المصرية اليوم. إن من الأهمية أن تنخرط كل القوى السياسية في صنع مستقبل مصر وبمثل ماكان الإقصاء الإخواني مذموماً يصبح إقصاؤهم مذموما كذلك. إن الإصرار على استمرار حالة التنازع تضعف مصر الدولة وتنذر بضياع فرصة حياة ديموقراطية كريمة لكل المصريين، بل تتعدى ذلك إلى تهديد الأمن القومي العربي. ولابد لكل القوى من مراجعة صادقة والدخول مجدداً في العملية السياسية بعد استيعاب دروس الماضي المؤلمة فمصر لكل المصريين وليست لفصيل دون آخر.
مشاركة :