يعاني القادمون الجدد إلى كندا، خلافاً للوعود الوردية التي يطلقها المسؤولون حول سياسات الهجرة والمشاركة والاندماج والتعايش، من التمييز في سوق العمل وضآلة الفرص فيه وعدم المساواة والبطالة وتدني الأجور وصعوبة الأحوال الحياتية والمعيشية. «وهذا الوضع أسوأ في مقاطعة كيبيك الفرانكوفونية مما هو عليه في سائر المقاطعات الأنغلوفونية»، وفقا لدراسة قدمها أخيراً «معهد الأبحاث والمعلومات الاجتماعية– الاقتصادية في مونتريال» المعروف باستقلاليته وموضوعيته وتقدميته. وتؤكد الدراسة أن بيانات وكالة الإحصاء الكندية شديدة الوضوح في مجمل تلك المسائل. فمعدل العمالة للأشخاص المولودين في كيبيك لعام 2015 تجاوز 83 في المئة، في حين بلغ نحو 64 في المئة في أوساط المهاجرين من الفئة العمرية ذاتها والتي تتراوح بين 20 و35 سنة. وتلفت الدراسة إلى أن نسبة كبيرة من المهاجرين الجدد في سن العمل، أي حوالى 26 في المئة، يفضلون الإقامة في كيبيك، مقابل 13 في المئة في المقاطعات الكندية الأخرى على رغم ما بين هذه وتلك من تفاوت كبير في الأوضاع الاقتصادية والسياسية. وترى أن «غالبية القادمين إلى كيبيك بصفة مهاجرين جرى اختيارهم وفق كفاءاتهم المهنية»، مضيفة أن من «المدهش رؤية مهاجرين في كيبيك يتمتعون بكفاءات عالية جداً وبشهادات جامعية تفوق ما بحوزة العمال المولودين في كندا ويتقنون الفرنسية في غالبيتهم الكبرى، ومع ذلك يواجهون مصاعب في دخول سوق العمل». علما أن معدلات التأهيل العلمي والمهني في أوساطهم تفوق أقرانهم الكيبيكيين بنسبة 43 في المئة وترتفع في صفوف النساء إلى 46 في المئة»، ما يعني أن التمييز في العمل بات مزدوجاً ويطاول الرجال والنساء معاً، وأن نسبة البطالة في صفوفهم تصل إلى حدود 20 في المئة. وتستغرب الدراسة ما يجري من وقائع «مهينة» في سوق العمل، ففي حال تقدم شخصان بسيرتيْن ذاتيتيْن متطابقتيْن، الأول من عائلة كيبيكية «ترامبليه» (Tremblay) والثاني من عائلة عربية «أحمد بن سعيد» (جزائري)، لإحدى الوظائف فإن حظوظ الأول في الوصول إلى مرحلة المقابلة الشخصية تفوق حظوظ الثاني. وترى أن الذين تمكنوا من العثور على فرصة عمل من المهاجرين في نهاية المطاف، أي حوالى 4 في المئة، كانوا الأكثر تأهيلاً بين المتقدمين، سواء مهاجرين أو من أقرانهم الكيبيكيين. وتحض الباحثة الكندية بوسكا السلطات الكيبيكية على الاعتراف بالشهادات والخبرات التي اكتسبها المهاجرون قبل قدومهم إلى كيبيك، وعلى زيادة برامج التدريب المهني وإطلاق المزيد من برامج التطوع التي توفر المزيد من فرص العمل لدى المؤسسات الرسمية أو في الشركات الخاصة. وتوجه بوسكا إحدى المشاركات في الدراسة، اللوم إلى حكومة فيليب كويار الليبرالية الحالية في كيبيك، لاعتمادها إجراءات التقشف القاسية التي تركت وقعاً سلبياً على المهاجرين واندماجهم في سوق العمل. وتشير في هذا الصدد إلى تراجع قوي في دروس اللغة الفرنسية المجانية للقادمين حديثاً، وإلى إغلاق مكاتب وزارة الهجرة والتعددية خارج المدن الكبيرة وإلى الاقتطاعات التي طاولت العديد من موازنات المنظمات الشبابية والطلابية والمؤسسات الخدماتية الخاصة بالمهاجرين. وترى بوسكا أن كثراً من المهاجرين يعتقدون أن فرص العمل المتاحة أمامهم ضئيلة، ما يدفعهم إلى العمل في مؤسساتهم الاغترابية سواء بصورة شرعية أو غير شرعية، إنما في كلتا الحالتين يتقاضون أجوراً أقل من الحد الأدنى المقرر بـ15 دولاراً عن كل ساعة عمل. وفي سياق متصل، أجرت «لجنة حقوق الإنسان والشباب» خلال الشهر الجاري دراسة مقارنة أعدها ونشرها «قسم الإحصاء في راديو كندا الدولي» أظهرت أن الباحثين عن عمل في منطقة مونتريال لهم حظوظ بنسبة 60 في المئة لإجراء مقابلات مع أرباب العمل إذا كانوا من أصول فرانكوفونية – كيبيكية، أما إذا انتموا إلى أصول أفريقية أو عربية أو لاتينية - أميركية، فمعدل حصولهم على وظائف يصل إلى حدود 39 في المئة للأفارقة و34 في المئة للعرب و 29 للاتين- الأميركيين، أي بمعدل واحد كيبيكي مقابل ثلاثة للأعراق الأخرى.
مشاركة :