التجارة الوحيدة التي لم تتوقف في الأراضي الفلسطينية منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967، هي التجارة الأخطر التي تسببت، غالبا، في قتل أصحابها أو حرمانهم من عائلاتهم؛ هي تجارة السلاح التي أصبحت مستهدفة بشكل أكبر في السنتين الأخيرتين. ويعني اقتناء أي قطعة سلاح في الضفة الغربية، اليوم، عدا السلاح الذي يشاهد في أيدي العناصر الأمنية الفلسطينية، أن صاحبه سيتعرض فورا لملاحقة مزدوجة: من قبل السلطة الفلسطينية التي تفترض أن أي سلاح «غير شرعي» هو سلاح للفلتان الأمني، وإسرائيل التي تفترض أن أي سلاح غير مسجل لديها، هو سلاح «مخربين»؛ أي إنه سلاح «مقاوم». والحرب على الأسلحة في الضفة الغربية قديمة، بدأتها إسرائيل منذ الاحتلال، لكنها لم تنجح في أي وقت في السيطرة على «سوق السلاح». وقد شنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حروبا كثيرة مصغرة على هذه السوق خلال السنتين الماضيتين، أي مع بدء الانتفاضة الأخيرة حين ظهرت أسلحة محلية الصنع، استخدمت في عمليات متعددة. وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، أغلقت إسرائيل العشرات من «مخارط» الحديد، التي اشتبهت في أنها تصنع أسلحة أو تساعد في إصلاح أسلحة على الأقل. وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس، أنه ضبط أسفل أحد المنازل مصنعا لإنتاج الأسلحة والوسائل القتالية، يعد الأكبر في مناطق الضفة الغربية. وقال ناطق عسكري إسرائيلي إنه تم ضبط 15 مخرطة لإنتاج الأسلحة، بالإضافة إلى عدد كبير من البنادق من طراز «كارلو» من صنع محلي، وبنادق من طراز «إم 16»، وأجزاء لرشاشات ثقيلة، و70 سبطانة (ماسورة)، ومئات من مخازن الرصاص ومقابض الأسلحة. ووفق تقديرات الجيش، فإن ما بين 10 أشخاص و15 شخصا عملوا في ورشة اعتقل صاحبها وابنه. وأظهرت لقطات فيديو بثها الجيش الإسرائيلي كيف جرى العثور على أسلحة مصنعة وأخرى تحت التصنيع، وأدوات مختلفة، ورصاص جرت تخبئته داخل الجدران. وقال الناطق الإسرائيلي أفيخاي أدرعي: «هذه الحملة تأتي في إطار الحرب المتواصلة ضد الأسلحة في الضفة، وجرى في إطارها ضبط 40 ورشة لتصنيع السلاح، وأكثر من 420 قطعة سلاح». وتبدو هذه الأرقام متواضعة إلى حد ما مع الكميات التي ظهرت فجأة مع اندلاع الانتفاضة الثانية، حين فوجئ الإسرائيليون بظهور أسلحة خفيفة في يد كل من يريد إطلاق النار، وأسلحة ثقيلة، ومدافع هاون، استخدمت بكثافة في الاشتباكات بين مقاتلين والقوات الإسرائيلية في المدن. ولم تكن للسلطة الفلسطينية علاقة بهذه الأسلحة، حيث تسجل سلطات الاحتلال أرقام جميع الأسلحة التي بحوزة السلطة ومؤسساتها الأمنية أو الشرطية. ويسمح للأجهزة الأمنية الفلسطينية عادة باقتناء الكلاشنيكوف فقط، بينما يحمل الجنود الإسرائيليون بندقية «إم 16». ويوجد في الضفة الغربية تجار أسلحة يبيعون النوعين، مع أنواع أخرى مختلفة، للفصائل الفلسطينية التي لطالما عملت على جمع السلاح وتكديسه، وكذلك للعائلات الكبيرة التي تفضل اقتناء بعض أنواع الأسلحة، إضافة إلى الأشخاص الذين يبحثون عن طرق حماية في هذا الوقت أو في المستقبل. ومن المفارقات اللافتة أن معظم هذه الأسلحة يأتي من إسرائيل نفسها، التي تشن حملات لجمعها، بينما يجري تهريب بعضها الآخر من الخارج عن طريق البحر الميت من جهة الأردن. أما القسم الثالث، فهو مصنع في «مخارط» مدنية في مدن الضفة الغربية. وهذا النوع، الثالث، ازدهر في الانتفاضة الأخيرة، وأصبح مستهدفا من قبل السلطات الإسرائيلية أكثر من سواه. وصادرت إسرائيل كثيرًا من بنادق «كارلو»، (المحلية)، التي يعتمد في تصميمها على بندقية «كارل غوستاف» عديمة الارتداد، ويصل سعرها إلى ألفي دولار. ويعد هذا السعر مرتفعا إذا ما جرت مقارنته بأسعار السلاح في وقت سابق. لكن الحملات المستمرة ضد التجار ومخارط التصنيع، أدت إلى ارتفاع أسعار الأسلحة. وهذا أحد أهداف الحملات الإسرائيلية الحالية. يقول الرائد ليرون فوكس، قائد وحدة الهندسة التابعة للواء «ناحل» في الجيش الإسرائيلي: «نأمل أن يؤدي ارتفاع أسعار الأسلحة إلى ضرب قطاع صناعة السلاح الفلسطيني». وبلغ سعر البندقية محلية الصنع، في الآونة الأخيرة، ألفي دولار، بعدما كان 500 دولار فقط. أما السلاح الأكثر تطورا، فشهد ارتفاعا جنونيا. وتشير الأرقام الفلسطينية والإسرائيلية، إلى ارتفاع سعر بندقية « M4»، التي كان ثمنها قبل أشهر 15 ألف دولار، إلى 22 ألف دولار، و« M16 » التي كان ثمنها 10 آلاف دولار، إلى 15 ألفا، والكلاشنيكوف الذي كان سعره 5 آلاف دولار، إلى 8 آلاف، كما شمل ذلك ارتفاعا في أسعار المسدسات بنحو ألفي دولار وأكثر لكل واحد حسب نوعه. ولم تمنع هذه الأسعار العالية كثيرا من طلاب الأسلحة من اقتنائها، على الرغم من الملاحقات الأمنية المزدوجة. وترصد الفصائل الفلسطينية مبالغ مالية كبيرة من أجل شراء الأسلحة وتصنيعها. وتقتني العائلات الكبيرة مئات القطع من هذه الأسلحة التي تستخدم في الحماية. وبعيدا عن السطوة الإسرائيلية المباشرة، وغياب سلطة قوية في الضفة الغربية، نجحت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة في تطوير الأسلحة وصولا إلى صواريخ وطائرات من دون طيار. واستخدمت الفصائل هذه الأسلحة في حروب مختلفة مع إسرائيل. وحذرت إسرائيل مرارا من أنها لن تسمح بنقل تجربة قطاع غزة إلى الضفة الغربية. ولطالما وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مسألة التسلح عقبة أمام الانسحاب من الضفة الغربية. وأبلغ نتنياهو، على امتداد الأعوام الماضية، كثيرا من محدثيه بأنه لن يكرر تجربة قطاع غزة، لأنه لن يسمح بأن تطلق الصواريخ تجاه إسرائيل من طولكرم وجنين بدلا من غزة.
مشاركة :