اضطرت الحرب التي تشهدها سوريا منذ نحو ست سنوات مئات العائلات السورية للعيش على طريقة وحياة القرون الوسطى، حيث يعيش هؤلاء في كهوف ومغاور هرباً من الحرب التي دمرت منازلهم ودفعتهم للعيش تحت الأرض وهم أحياء. عبدو شاهين وهو من ريف حلب الشمالي غادر منزله على أطراف قرية رتيان شمال غربي حلب بعد هجوم القوات الحكومية مطلع العام الحالي، وخروج جميع سكان القرية التي دمرت جميع بيوتها، واشترى خيمة تأويه هو وزوجته وأطفالهما الخمسة وقام بنصبها قرب بلدة عندان، إلا أن المنطقة التي نصب خيمته فيها هو وجيرانه تعرضت للقصف مرة أخرى، الأمر الذي دفعهم للعيش في مغارة على سفح تلة قرب بلدة عندان تعرف بمنطقة المغاور. ويقول عبدو شاهين (42 عاماً) لقد أمضيت أكثر من 10 سنوات أعمل في لبنان حتى استطعت بناء منزل في قريتي رتيان، ولكن البيت تحول إلى كومة ركام خلال 5 دقائق، عندما قصفته طائرة مروحية ببرميل متفجر لقد شاهدت منزلي وهو يتحول إلى كومة من الحجارة، ثم اشترينا أنا وجيراني خياماً تم نصبها على أطراف بلدة عندان إلا أن المنطقة تعرضت لقصف من الطائرات الروسية عندها قررت وخمسة من جيراني أن نسكن في مغارة تعود إلى عصور الرومان وهي على أطراف البلدة. ويقول عبد القادر محمد، محاضر في قسم الجغرافيا بجامعة حلب سابقاً انتشار المغاور والكهوف في مناطق ريف حلب وإدلب هي ظاهرة معروفة ويوجد مئات الكهوف التي أنشأها الرومان، وكذلك تمت توسعتها من قبل العثمانيين وكانت هذه المغاور والكهوف هي محطات استراحة لقواتهم خلال تنقلاتها، في مراحل أخرى أصبحت ملجأ للثوار إبان الاحتلال الفرنسي، ولكن الآن أصبحت مكاناً لسكن عائلات هربت من قصف قوات النظام. ويقول عبد السلام فاضل أحد سكان كهوف بلدة كنصفرة أملك أرضاً زراعية في بلدة كنصفرة وإلى جانبها يوجد كهف، وعلى مدى 45 عاماً لم أجرؤ يوماً على دخوله، ولكن عندما دمر بيتي في قصف على المدينة لم يكن أمامي سوى الكهف، وجمعت عدداً من أصدقائي وقمت بتنظيفه وترتيبه. وأشار إلى أن الكهف كبير تتجاوز مساحته 400 متر وقام بعزل جزء منه للأغنام والباقي للسكن، لافتاً إلى أن الكثير من العائلات النازحة وأبناء المدينة الذين تعرضت بيوتهم للدمار اتجهوا إلى الكهوف الرومانية التي يتجاوز عددها العشرات في المدينة، ونظراً للمساحة الواسعة في بعض الكهوف هناك عدد من العائلات تتقاسم الكهف الواحد. ويقول الناشط الإعلامي عبد العزيز خليل رغم كل ما تحمله حياة العيش في المغاور والكهوف من مخاطر، لجأ الناس إليها وتركوا المخيمات التي انتهكت فيها خصوصية العائلات. وأشار إلى أن المغاور تحولت إلى مدرسة للتعليم حيث يجلس أكثر من 60 تلميذاً على الأرض لتلقي دروسهم بعد أن فقدوا مدارسهم. وتمثل منطقة اللجاة في ريف درعا الشرقي بجنوب سوريا، وهي منطقة بركانية، مكاناً مثالياً لهذه الكهوف والمغاور، فقد لجأ إليها ليس فقط المدنيون بل حتى بعض التشكيلات العسكرية المعارضة للاستفادة من موقعها الجغرافي وتضاريسها الوعرة، حيث جرى تأسيس ألوية العمري في تلك المنطقة. (د. ب. أ)
مشاركة :