إعداد: عبير حسين لسنوات طويلة درس علماء الفيزياء الفلكية أشعة جاما وأخطارها على الحياة في الأرض، وكان الاعتقاد السائد أنها تمثل خطراً داهماً وحقيقياً، لكنه يبعد عن مجرة درب التبانة ملايين السنوات الضوئية، وعليه صنفت باعتبارها تهديداً بعيداً، بالرغم من خطورتها الشديدة، الشهر الماضي بث علماء فيزياء فلكية ألمان عدة حلقات وثائقية بعنوان الموت القادم من الفضاء.. أشعة جاما على القناة العلمية Kurzgesagt المتخصصة بالفضاء والفلك وقدمت تصوراً جديداً يرفع من مخاطر أشعة جاما على الحضارة البشرية إذ توقعت إمكانية وقوع انفجارات جاما داخل مجرة درب التبانة، وطرحت تساؤلات هامة عن المخاطر التي تنتظرها الأرض وقتها، وما إذا كانت الأشعة ستتسبب في انقراض جماعي على الأرض، خاصة وأن بعض التفسيرات العلمية تعتقد أنها كانت السبب وراء الانقراض السابق، الذي وقع قبل نحو مليار عام. وحذر العلماء الذين تحدثوا إلى السلسلة الوثائقية، من أن انفجار أشعة جاما، داخل مجرتنا يمكن أن يتسبب في خراب غير اعتيادي على الأرض، حتى لو كانت على بعد آلاف السنوات الضوئية فقط، وأشاروا كذلك إلى أنه بالرغم من أن الأشعة لا يمكنها اختراق الغلاف الجوي للأرض بسهولة، إلا أنها كافية لحرق الأرض، واستنزاف طبقة الأوزون، التي تحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة. ولفتت الحلقات الوثائقية، إلى أن مخاطر أشعة جاما على الأرض، تختلف عن غيرها في عدم قدرتنا على التنبؤ بحدوثها، وعدم إمكانية رصدها، إضافة إلى عدم توصل العقل البشري إلى وسيلة لحماية الأرض منها، وعقدوا مقارنة مع مظاهر تهديد أخرى للحياة على الأرض، قادمة من الفضاء، ومنها مثلاً إمكانية اصطدامها بجرم هائل سابح نحوها، بسرعة آلاف الكيلومترات في الساعة، لكن مثل هذا الخطر، يمكن رصده قبل اقترابه بملايين الكيلومترات، كما اقترح العقل البشري عدة وسائل لمواجهته، وإزاحته عن المدار المغناطيسي للأرض. وتعد انفجارات جاما من أكثر الظواهر الكونية قوة، وهي انفجارات قصيرة الأمد، شديدة جداً وذات موجات كهرومغناطيسية بتردد عال، ويمكن أن تنتج طاقة مساوية للطاقة التي تنتجها الشمس على طول عشرة مليارات عام من عمرها بأكمله، وتنقسم انفجارات أشعة جاما، إلى مجموعتين في العادة قصيرة وطويلة، ويعتمد ذلك على إذا ما كان الانفجار يستمر لأكثر أو أقل من ثانيتين، وترتبط الانفجارات الطويلة، بموت النجوم الضخمة، أو ما يطلق عليه الهيبرنوفا، في حين تنجم الانفجارات القصيرة عادة عن اصطدام أزواج النجوم الميتة التي يطلق عليها اسم النجوم النيوترونية. وأشارت الحلقات الوثائقية الموت القادم من الفضاء.. أشعة جاما، إلى أن انفجاراتها الطويلة تحدث في مجرات مختلفة جداً عن درب التبانة، وهي غالباً المجرات القزمة التي تنخفض فيها كمية العناصر الأثقل من الهيدروجين والهليوم، ورجح الباحثون المشاركون في السلسة أن انفجار أشعة جاما طويل الأمد، في مجرة درب التبانة، يمكن أن يحدث في المناطق التي تكون نسب العناصر الأثقل من الهليوم والهيدروجين منخفضة فيها. وأثارت الحلقات العلمية اهتمام الكثيرين، تابعوها باهتمام عبر يوتيوب، واتفقت تعليقاتهم على الخوف من المخاطر الهائلة للأشعة القوية، التي ستصيب الأرض بدون سابق إنذار، لكن أحد المشاهدين المهتمين بالفيزياء الفلكية، طمأن الجميع قائلاً: في العادة تحدث انفجارات أشعة جاما القصيرة بتردد أعلى بخمس مرات من تلك الطويلة، ومع ذلك فإن الانفجارات القصيرة أضعف من الطويلة، ولا تشكل إلا تهديداً ضئيلاً للحياة على الأرض، كما أن انفجارات أشعة جاما التي تحصل خارج مجرة درب التبانة، لا تشكل تهديداً على كوكب الأرض. وبالرغم من عدم وجود أدلة علمية ثابتة على تسبب أشعة جاما الطويلة، في وقوع الانقراض الجماعي على الأرض، قبل مليار عام، إلا أن قناعة علمية متفق عليها بين قطاع كبير من علماء الفيزياء الفلكية، تشير إلى أنها كانت سبباً في الانقراض الجماعي على الأرض بنسبة 50%، خلال ال500 مليون سنة الماضية، و60% خلال المليار سنة الماضية، وأكثر من 90% خلال الخمسة مليارات سنة الماضية، وعلى سبيل المقارنة، يبلغ عمر نظامنا الشمسي حوالي 4.6 مليار عام. تتفق هذه القناعة أيضاً على أن انفجار أشعة جاما، قريب ووحيد، قد تسبب في واحد من أكبر خمسة انقراضات جماعية على الأرض، مثل انقراض أوردوفيكي Ordovician extinction، الذي وقع قبل 440 مليون عام، وكان الانقراض الأول، ضمن ما يعرف أحداث الانقراضات الخمس الكبرى. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أهم الانقراضات الكبرى، التي تعرضت لها الحياة على الأرض، شملت إلى جانب الانقراض الأوردوفيكي، انقراض العصر الديفوني قبل 395 مليون عام، وفيه تسببت التغييرات البيئية الكبرى في القضاء على 85% من أشكال الحياة البحرية، وتوقفت الشعاب المرجانية بسببها عن النمو لمدة 100 مليون عام. أما انقراض العصر البرمي، المعروف علمياً ب الموت العظيم، فحدث قبل 252 مليون عام، وفيه اختفت 97% من الكائنات الحية على الأرض، كما انقرضت الديناصورات الضخمة والبرمائية والزواحف الشبيهة بالثدييات، خلال نهاية العصر الترياسي، قبل 201 مليون عام، وانقرضت كل أنواع الديناصورات، خلال الانقراض الشامل، في العصر الطباشيري قبل 65 مليون عام. ضواحي درب التبانة أكثر أماناً أشارت دراسات علمية سابقة، إلى أن انفجارات أشعة جاما، لا تشكل خطراً على الكون كله، كما تحقق العلماء أيضاً من أن انفجارات جاما، قد تشكل خطراً على الحياة في أماكن أخرى من مجرة درب التبانة، إذ تتواجد النجوم بكثافة، كلما اقتربنا من مركز المجرة، وهذا يعني أن العوالم الموجودة هناك تواجه خطراً أكبر، من حيث التعرض لانفجارات أشعة جاما، ويعتقد أن هذه العوالم الموجودة على بعد حوالي 6500 سنة ضوئية، من مركز مجرة درب التبانة، حيث تقع 25% من نجوم المجرة في تلك المنطقة، تعرضت وبفرصة تصل إلى 95% إلى خطر انفجارات أشعة جاما القاتلة، على مدار المليار سنة الماضية. وأشار الباحثون إلى أنه يمكن للحياة كما هي معروفة على وجه الأرض، النجاة في ضواحي درب التبانة، أي على بعد أكثر من 32600 سنة ضوئية من مركز المجرة.
مشاركة :