سروج الخيل.. مهنة تراثية في مهب الريح

  • 12/22/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: الخليج تقف صناعة سروج الخيل في مصر عصية على الاندثار، تواجه تقلبات الزمن وقلة الزبائن بصبر شديد، محتفظة بما تبقى لها من نزر يسير من زبائن يتنوعون ما بين قليل من هواة تربية الخيل معظمهم من الطبقة الأكثر ثراء، وكثير من العاملين على عربات الجر، التي تستخدم في نقل البضائع في المدن الصغيرة على أطراف العاصمة. وتحترف تلك الصناعة التقليدية في مصر عائلات بعينها، توارثت تلك المهنة أباً عن جد، ومناطق بعينها، يقطع الراغبون في الشراء المسافات من أجل الوصول إليها في قلب الدلتا، وربما كان من أشهرها منطقة الحدادين في مدينة طنطا، التابعة لمحافظة الغربية التي تحتكر فيها عائلات التل، والخرسيتي، تلك الصناعة منذ عقود من الزمان، بألوانها الزاهية المزركشة وقطع الإكسسوارات التي تصدر أصواتاً بديعة عند الحركة. يمتلئ شارع الحدادين بعشرات من ورش صناعة السروج ومستلزمات الخيل، التي يحفظ العاملون بها عن ظهر قلب، كيف تطورت تلك الصناعة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من زينة، بدءاً من السروج التي كانت تصنع من قطع الصوف الذي كان الصناع يتحصلون عليه من الأغنام، مروراً بالسروج المصنوعة من جدائل الكتان، حتى تلك المصنوعة من أجود أنواع الجلود، والمطعمة بالفضة. يشير العديد من المراجع التاريخية إلى أن المصريين عرفوا صناعة السروج منذ عصور الفراعنة، وتشير تلك المراجع إلى عشرات من الرسوم الموجودة حتى اليوم على جدران المقابر والمعابد القديمة، بعضها يتضمن رسوماً لسروج جميلة وضعت على ظهر الحصان الذي كان يركبه القائد الفرعوني حور محب عام 1600، قبل الميلاد. بدأت صناعة مستلزمات الخيل من السروج واللجام والركابات في صورتها الحالية مع عصر الآشوريين، حيث برع هؤلاء في تلك الصناعة واستخدموا فيها جلود الحيوان، وبعض الرسومات البسيطة لتجميل السرج، قبل أن تتطور الصناعة على يد عرب بادية الشام وعرب الحيرة في العراق، الذين برعوا في إضافة المشغولات الصوفية لتزيين السروج. وقد بلغت زينة الحصان حداً كبيراً من الفخامة في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وعلى نهجه سار أمراء دولة المماليك في مصر والشام، فرصعوا سروج الخيل بالذهب والفضة، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام الصناع للتباري في إظهار فنونهم، بإضافة النقوش العربية البديعة على السروج لتكتسب جمالاً وبهاء، خصوصاً وقد كان التنافس بين الأمراء على أشده، في الظهور بأبهى منظر خلال الاحتفالات الشعبية، التي كانت تقام حينذاك في الأعياد وحفلات الأعراس، التي تضمنت تالياً مباريات ساخنة في فنون الفروسية، ولا تزال قائمة حتى اليوم في العديد من قرى الصعيد، ومن بينها اللعب بالعصا والصولجان. اهتم أمراء المماليك بطائفة صناع السروج، التي كان يطلق عليها حينذاك السروجية، ويقول كثير من المؤرخين من بينهم ابن إياس، في كتابه الشهير بدائع الزهور: إن شيخ تلك الطائفة كان مقدماً عن غيره من شيوخ طوائف الحرفيين؛ بل يأتي في الترتيب البروتوكولي بعد شهبندر التجار، وقد احتفظ كثير من أمراء المماليك بطائفة السروجية لتكون بجانب الديوان السلطاني في القلعة، وربما ذلك يرجع إلى تسمية الحي القريب من القلعة عند منطقة باب زويلة حتى اليوم باسم حي السروجية. ويقول ابن إياس إن تعلق سلاطين المماليك بالخيول والسروج المطهمة، وقبولها كهدايا ثمينة، حيث كانت السروج ترصع بالذهب والفضة، انتهى إلى استخدامها كوسيلة للبذل والبرطلة؛ أي الرشاوى، للولاة وكبار أفراد حاشية السلطان. أدب الخيل لعبت فنون أدب الخيل حسبما يطلق عليها في مصر، التي تعنى بتدريب الخيل على الرقص وتحية الجمهور، دوراً كبيراً في إكساب تلك الصناعة أهمية كبرى، حيث لعبت فخامة السرج على الحصان عاملاً كبيراً في حصوله على الألقاب. ويقول محمد الخرسيتي، أحد صناع تلك المهنة: تتميز سروج خيل الأدب بألوانها الزاهية، ومظاهر الفخامة؛ لأنها تضيف إلى الحصان العديد من النقاط في المسابقات المختلفة التي يخوضها الفارس وحصانه، وهي تختلف اختلافاً كبيراً عن السروج التي تصنع لخيول الجر. تتميز صناعة السرج العربي في مصر بأنها صناعة يدوية من الألف إلى الياء، حيث يستغرق عمل السرج الواحد ما يصل إلى عشرة أيام، وتبدأ صناعة السرج حسبما يقول محمد الخرسيتي، بتجهيز القالب الذي عادة ما يصنع من القش حتى يسهل تشكيله، ثم يركب عليه الحديد أو الخشب، ويعبأ بالقطن أو الصوف، ثم تبدأ بعد ذلك عملية تركيب اللباد أو الحشو، من داخل السرج، الذي تتم خياطته بعد ذلك وتزيينه بالنقوش والحلي البسيطة، التي تتميز بألوانها الذهبية أو الفضية، أو الخرز الطبيعي حسب رغبة الزبون. ولا تتوقف المهنة عند حد صناعة السرج؛ لكنها تمتد إلى باقي الأدوات المستخدمة في الفروسية، وجميعها يصنع من الجلد الطبيعي، مثل اللجام الذي يتكون من قطع تلف رأس الحصان وتنتهي بحزام رقيق يمر حول الرقبة، يمتد على طول وجنتي الحصان ليرتبط بالشكمة والعنان، وهما قطعتان من المعدن تمسكان فم الحصان الذي يجب أن تزيّن جبهته بقطعة مطرزة، ويحتوي اللجام أيضاً على حواجز الأعين، لحفظ عيني الحصان من الغبار وتوجيه نظره إلى الأمام. تنتج عائلة الخرسيتي باقي مستلزمات الصناعة مثل الزمام والركاب، والأخير عبارة عن دائرتين من الحديد تتصلان بحزام، وتتدليان على خاصرة الحصان يستعملهما الفارس بوضع قدمه داخل إحداهما، والقفز فوق ظهر الحصان أو النزول منه. ظروف صعبة يعمل سروجية الخيل بمصر في ظروف صعبة للغاية، فأسعار الجلود ترتفع بصورة غير مسبوقة، فيما عدد مربي الخيل يقل بصورة لافتة، الأمر الذي يهدد حسبما يقول الخرسيتي، ليس تلك الصناعة التقليدية العريقة فحسب وإنما ثروة مصر من الخيول العربية الأصيلة، التي تقدر قيمتها بالمليارات، ويقول: كنا في الماضي نعمل على تنفيذ طلبات هواة تربية الخيل وكان عددهم كبيراً، وكانوا يطلبون منا تصاميم ونقوشاً محلاّة بالفضة؛ بل إن النقوش كانت تمتد إلى أحزمة الخيل، وهو ما خلق أجيالاً من الصناع المهرة، أما الآن، فنحن نمثل مهنة تقف في مواجهة الريح.

مشاركة :