كمال بالهادي احتفلت تونس بذكرى جديدة لانطلاقة الثورة في 17 ديسمبر/كانون الأول من سنة 2010، ورغم أن الحدث ليس ببعيد، فإن تحولات عميقة شهدها المجتمع التونسي، خلال السنوات الست الماضية. هناك الكثير من الإنجازات تحققت على المستوى السياسي خاصة، ولكن هناك الكثير من النقائص، خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. فماذا بقي من أحلام السابع عشر من كانون الأول، ذلك التاريخ الذي غير وجه العالم؟خلال الاحتجاجات التي نفذها المدرسون، أمام وزارة التربية، كانت هناك أصوات، تهدر ليس برحيل الوزير فقط، بل ترفع أيضاً مطالب كانت ترفع أيام حكم النظام السابق، وعلى رأسها مطلب الكرامة. وليس من الصدفة أن نشاهد أسماء لمناضلي الميدان، عرفتهم ساحات النضال قبل الثورة وبعدها. هؤلاء خرجوا يوم 17 كانون الأول، ورفعوا أولى الشعارات التي صدحت بها بعد ذلك الحناجر يوم الرابع عشر من يناير/كانون الثاني. والأصوات ذاتها، كانت حاضرة في اعتصامي القصبة، وكانت ترفع مطلب المجلس التأسيسي، ومطلب الدستور الجديد. وفي هذا التواجد المستمر في ساحات النضال، ثمة تأكيد على أن تعاقب السنوات لا يأتي بالكثير من الجديد لفئات تعتبر أن التحول الحقيقي هو في تلبية مطالب الناس المعيشية، وتحسين أحوالهم، وعند ذاك سيشعرون بأن هناك تحولاً حقيقياً، وأن الثورة قد حققت أهدافها. إذا جاز لنا تلخيص شعارات الثورة، فإنه يمكننا اختزالها في تلك الجملة الشهيرة خبز وماء، وابن علي لا. وهي في الواقع اختزال لمطلب الكرامة، ومطالبة بتحقيق هدفين رئيسيين، الأول هو الانتقال الاقتصادي، والثاني هو الثورة الاقتصادية والاجتماعية. لا يمكن لأحد أن ينكر حجم المنجزات في المجال السياسي. فهناك خطوات كبرى قطعت، وكان لا بد منها، حتى ننتقل من نظام الحزب الواحد، ومن النظام الشمولي إلى ترسيخ الحياة الديمقراطية التعددية. المنجز الأهم هو الدستور الجديد الذي يؤسس لنظام سياسي جديد يقوم على مؤسسات دستورية هي الآن بصدد التركيز، ولعل آخرها المجلس الأعلى للقضاء. المكتسب الثاني الذي لا يمكن لأحد أن ينكره، يتعلق بالتداول السلمي على السلطة، ففي ظرف ست سنوات تم إنجاز ثلاث محطات انتخابية مهمة، هي الانتخابات التشريعية الأولى في عام 2011، ثم الانتخابات التشريعية و الرئاسية في عام 2014. ورغم أداء الحكومات غير المستقر بعد الثورة، إلا أن الانتقال السلمي الذي حصل هو مؤشر إيجابي على أهمية الانتقال السياسي الذي يحدث، خاصة أن هذا الانتقال كان مسنداً في كل مرة بالحوار الوطني، الذي يمكن كبرى المنظمات الوطنية من أن تكون مشاركة في القرار السياسي، وهو ما جنب البلاد أزمات سياسية خطرة. غير أن النقائص في المجال السياسي، لا تزال كثيرة أيضاً، فالطبقة السياسية الصاعدة، لم تكن في مستوى تطلعات الشعب التونسي، وأخفقت في تحقيق جملة الأهداف التي كانت تمثل طموح التونسيين، وهم ينتفضون على النظام السابق. النخبة السياسية التونسي، هي خليط من مناضلين لهم تاريخ في مقارعة الاستبداد، ومن وافدين على الساحة من أصحاب النفوذ والمال، الذين لم يكن لهم أي علاقة بالحياة السياسية، وهؤلاء، عندما اقتحموا المشهد، لم يستطيعوا أن يفهموا حقيقة مطالب الشعب، ولم تكن لديهم أي إضافات تغير من واقع التونسيين نحو الأفضل. بعد مضي ست سنوات، هل يمكن القول إن الحال قد تغير في مدينة سيدي بوزيد، التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات؟ وهل يمكن القول إن أحوال الناس في الجهات المحرومة والمهمشة قد تغيرت؟ وهل يمكن فعلاً أن نغير من واقع هذه الجهات، ونمسح عنها غبار تهميش، يعترف الجميع بأنه دام عقوداً؟ لقد حصلنا على نصف الكأس، ولكن النصف الآخر والأصعب، هو الذي مازال لم يتحقق. بعد مضي ست سنوات على انطلاق شرارتها الأولى، هناك وعود كثيرة، تم الإعلان عنها مؤخراً، وهذه الوعود لو تحققت، أو تم تنفيذ جزء مهم منها، ستكون نقطة تحول إيجابي في أوضاع أهالي هذه المناطق. هناك قطاعان لا بد من الاهتمام بهما، حتى تستكمل الثورة تحقيق أهدافها. الأول هو الأمن. فالأمن هو القاطرة الرئيسية التي ستحمي البلاد من أي اهتزازات قادمة، خاصة في ما يتعلق بالظاهرة الإرهابية، وفي ظل هذه الآراء التي تتحدث عن عودة التائبين، وما يقف خلفها من نوايا، وربما خطط تريد الزج بتونس في قضية محسومة قانونياً وقضائياً، وربما تريد أن تجعل من تونس بؤرة صراع جديدة. القطاع الثاني الذي يتطلب هبّة وطنية جامعة هو قطاع التعليم. فأي ثورة لا يمكن لها أن تنجح، إن لم تحدث ثورة ثقافية والطريق الأول، لهذه الثورة الثقافية هو التعليم. belhedi18@gmail.com
مشاركة :