مصر تجني ثمار الاستحقاق الثالث لثورة 30 يونيو

  • 12/23/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: محيي الدين سعيد مع مطلع عام 2016، كان المصريون على موعد مع انطلاق أولى جلسات البرلمان الجديد، وجني ثمار إنجاز ثالث استحقاقات ثورتهم على نظام حكم جماعة الإخوان في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، والمتمثل في انتخاب مجلس نيابي بغرفة واحدة تحمل مسمى مجلس النواب، بعد أن ظل البرلمان المصري على مدار عقود منقسماً إلى غرفتين، واحدة للشعب والثانية للشورى، وجاء دستور 2014 فألغى الثانية، وأبقى على الأولى تحت مسمى مجلس النواب، الذي يتولى سلطة التشريع وترجمة نصوص الدستور، الذي كان أول الاستحقاقات، وتم إنجازه في عام 2014 إلى قوانين تنظم مختلف مناحي الحياة في البلاد، ليخوض المصريون ثالث جولاتهم التصويتية في أقل من ثلاثة أعوام. أولى جولات التصويت كانت في الاستفتاء على الدستور، وثانيها كانت في انتخاب رئيس للبلاد، التي انتهت إلى اختيار الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي باكتساح، وجاء عام 2015، ليخوض معه المصريون جولة التصويت الأخيرة من بين الاستحقاقات الثلاثة الرئيسية في خريطة طريق 30 يونيو، ويترقبون في مطلع العام التالي 2016 أداء البرلمان الجديد، الذي جرت الجلسة الافتتاحية له في العاشر من يناير/كانون الثاني 2016، لتعلن اكتمال بناء مؤسسات الدولة المصرية. مجلس النواب للعام 2016 جاء مختلفاً عن كل سابقيه، سواء في الشكل أو الجوهر والمهام الموكلة إليه، فأعداد الأعضاء كانت هي الأكبر بين المجالس النيابية وتمثيل فئات كالشباب والمرأة والأقباط وذوي الاحتياجات الخاصة كان محدداً بنسب واضحة، أقرها دستور 2014، كما أن أسلوب التصويت تحت قبة البرلمان المصري، أخذت للمرة الأولى بالتطور التكنولوجي، وأصبح تصويت النواب المصريين إلكترونياً، أم المهام الموكلة للبرلمان الجديد فجاءت أيضاً مختلفة عن سابقيه، وكان مطلوباً منه مراجعة أكثر من 300 قانون صدرت في عهدي الرئيس المؤقت عدلي منصور، والرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي في الفترة التي تلت اندلاع ثورة 30 يونيو وسبقت انتخاب المجلس النيابي. في الشكل بلغ عدد أعضاء مجلس النواب 596 نائباً، بينهم 87 امرأة و39 قبطياً و185 يمثلون فئة الشباب، فيما بلغ عدد الأحزاب الممثلة تحت قبة البرلمان 39 حزباً، وانقسم النواب الذين تم انتخابهم جميعاً ما بين 448 وصلوا إلى مقاعدهم بالانتخاب الفردي و120 انتخبوا بنظام القائمة، فضلاً عن 28 نائباً عينهم رئيس الجمهورية إعمالاً لنصوص الدستور المتعلقة بتشكيل البرلمان، وكان النصيب الأكبر من بين مقاعد البرلمان التي حصلت عليها الأحزاب لحزب المصريين الأحرار، وبلغ عدد نوابه 65 عضواً، وتلاه حزب مستقبل وطن ب52 نائباً، وحل الوفد ثالثاً ب46 عضواً، فيما لم يحصد حزب النور السلفي سوى 11 مقعداً، فيما حصد ائتلاف دعم مصر مقاعد القائمة. في المضمون، بدأ المجلس التشريعي الجديد جلساته ومصر تمر بواحدة من أخطر المراحل على مدار تاريخها، وتواجه عدداً من التحديات المصيرية، فأغلب القطاعات المنتجة توقفت منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، ما خلف أزمة اقتصادية طاحنة، دفعت بالآلاف إلى طابور البطالة، كما دفعت بالأسعار إلى الانطلاق من عقالها دون أي ضابط أو رابط لتصل إلى ذروتها مع نهاية عام 2016، بعد إقدام الحكومة على تعويم العملة المصرية الجنيه وتحرير الأسعار، وعلى مدار الشهور الماضية من عمل المجلس النيابي وفي عامه الأول صاحب الجدل الساخن الكثير من التشريعات التي تصدى لإقرارها، وكان من أبرز القوانين التي أثارت جدلاً واسعاً، تشريعات الخدمة المدنية والتظاهر والصحافة والإعلام، ليأبى عام 2016 أن ينصرف دون أن يخلف وراءه جدلاً أكثر سخونة بارتفاع الدعوات لتعديل الدستور، بما يتيح تحقيق العدالة الناجزة والسريعة لمرتكبي الجرائم الإرهابية، التي شهد الشهر الأخير من العام أكثرها بشاعة بتفجير انتحاري داخل مصلى السيدات بالكنيسة البطرسية في محيط الكاتدرائية المرقسية بوسط القاهرة، وهو التفجير الذي خلف 25 قتيلاً وأكثر من 50 مصاباً، كما أطلق مطالب واسعة بتعديل الدستور، وإدخال تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية. أداء مجلس النواب لم يقتصر على جلساته العامة، وإنما كان واضحاً النشاط الملحوظ للجان المجلس التي تمت زيادتها إلى خمس وعشرين، وبدا النشاط واضحاً لعدد من تلك اللجان بحكم المهام المنوطة بها، وبينها اللجان الاقتصادية والإعلامية والعلاقات الخارجية والشؤون العربية والإفريقية والدفاع والأمن القومي، فضلاً عن لجنة حقوق الإنسان، فيما واجه المجلس النيابي بلجانه المختلفة تحدياً مبكراً بطرح بيان الحكومة عليه، لاتخاذ موقف منه سواء بالإقرار أو الرفض، وانتهت لجان المجلس وجلساته العامة إلى إقرار البيان الحكومي، مع تأكيد إعمال سلطة الرقابة البرلمانية على تنفيذ التعهدات الحكومية، التي تم طرحها في محاور أساسية تمثلت في ترسيخ البنية الديمقراطية وتدعيمها والحفاظ على الأمن القومي، وتبني رؤية وبرنامج اقتصادي واضح لتحقيق العدالة الاجتماعية وتلبية خدمات المواطنين، فضلاً عن تطوير البنية الأساسية لتنمية كافة قطاعات الدولة الصناعية والزراعية، وتحقيق إصلاح نيابي من خلال تحقيق المزيد من آليات الشفافية والنزاهة، وأخيراً العمل على استعادة الدور الرائد لمصر على الصعيدين الإقليمي والدولي، وعلى الساحتين العربية والإفريقية. في عام 2016، اعتمدت السلطتان التنفيذية والتشريعية في مصر أسلوباً جديداً في التواصل فيما بينهما، وبشكل غير مسبوق في العلاقات بين الجانبين جرت لقاءات منتظمة بين رئيس الحكومة من جانب ونواب محافظات الجمهورية تباعاً؛ وذلك لطرح القضايا الخاصة بكل محافظة على حدة، وواجه الاثنان معاً - الحكومة والبرلمان - تحديات عدة وقضايا ساخنة، بينها إثارة قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، وإصدار البرلمان الأوروبي تقريراً حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر، انطلاقاً من تلك الحادثة، وهو التقرير الذي رأى فيه البرلمان المصري تحاملاً على أجهزة الأمن المصرية، ودفع إلى تنظيم رحلات لعدد من الوفود البرلمانية إلى كل من إيطاليا والاتحاد الأوروبي. كما كان التحدي الاقتصادي هو الأبرز، في ظل الأزمة الخانقة التي يمر بها الاقتصاد المصري خلال السنوات الأخيرة، وفي منتصف دور انعقاده التشريعي الأول، وافق مجلس النواب على مشروع قانون باعتماد خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومشروعات موازنات الجهات الداخلة ضمن الموازنة العامة للدولة للسنة المالية للعام 2016-2017، كما أقر المجلس بشكل نهائي مشروع قانون بربط الموازنة العامة للدولة وتأشيراتها العامة الملحقة بمشروع القانون ومشروعات قوانين ربط موازنات الهيئات العامة الاقتصادية وصناديق التمويل ذات الطابع الاقتصادي للسنة المالية 2016 -2017 . ينتظر البرلمان أيضاً تحد آخر، ويتمثل في إقرار قانون للإدارة المحلية تجرى بمقتضاه انتخابات المجالس المحلية، التي يترقبها المصريون لخوض جولة انتخابية جديدة، يتطلعون إلى أن تنتج ضخ دماء جديدة في شرايين الإدارة المحلية، خاصة أن هناك إجماعاً شعبياً ورسمياً على أن إصلاح نظام الإدارة المحلية في مصر يمثل الركن الأساسي والضمانة الحقيقية للتنفيذ الفاعل للسياسات العامة للدولة. ورغم أن مصر واحدة من أقدم الدول تطبيقاً لنظام الإدارة المحلية، وذلك منذ عام 1883، فإن هناك تطلعات لأن يشهد العام المقبل تشكيل مجالس محلية جديدة تنهي ما لحق بسابقاتها من سمعة سيئة وتسهم بشكل فعال في بناء مصر من جديد.

مشاركة :