عمل المرأة.. المرتب للمربيات و«الدوام» للأمهات

  • 12/23/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: عبير حسين أشار أحدث التقارير الصادرة عن منظمة العمل الدولية، بعنوان المرأة في العمل: اتجاهات 2016، إلى استمرار عدم المساواة بين الرجل والمرأة عبر طيف واسع من الأسواق العالمية، وأكد التقرير أن التقدم الكبير الذي أحرزته المرأة في مجال التعليم خلال العقدين الماضيين لم يُترجم إلى تحسينات مماثلة في مكانتها بالعمل. درس التقرير حالة العمل في 176 دولة، وانتهى إلى أن المرأة تعمل يومياً عدد ساعات أطول من الرجل في كل الأعمال المأجورة وغير المأجورة. إضافة إلى اضطلاع المرأة في البلدان ذات الدخل المرتفع والمنخفض على حدٍ سواء، بالأعمال المنزلية والرعوية غير مأجورة التي تفوق ما يقوم به الرجل بمرتين ونصف على الأقل. ففي الاقتصادات المتقدمة، تعمل المرأة، إمّا لحسابها الخاص أو في أعمال مأجورة، 8 ساعات و9 دقائق في أعمال مأجورة وغير مأجورة، مقارنة ب 7 ساعات و36 دقيقة بالنسبة للرجل. أمّا في البلدان النامية، فتقضي المرأة 9 ساعات و20 دقيقة في أعمال مأجورة وغير مأجورة، بينما يمضي الرجل 8 ساعات و7 دقائق. وهذه النسبة غير المتوازنة من العمل غير المأجور تُحد من قدرة المرأة على زيادة ساعات عملها في الأعمال المأجورة والمنظمة. وأشار التقرير إلى زيادة التفرقة في توزيع المرأة والرجل بين المهن، على مدى العقدين الماضيين مع ازدياد الأعمال التكنولوجية التي تحتاج إلى مهارات خاصة، خصوصاً في البلدان النامية والناشئة. وبين عامي 1995 و2015، كانت سرعة ازدياد فرص العمل هي الأكبر في الاقتصادات الناشئة؛ إذ بلغ التغيير في مستويات فرص العمل ضعفه بالنسبة للرجل مقارنة مع المرأة (382 مليون فرصة مقابل 191 مليون) بصرف النظر عن مستوى المهارات المطلوبة، ما يعني أن التقدم نحو حصول المرأة، على فرص عمل أكثر وأفضل أصبح راكداً. وفي الدول المتقدمة، تنفق المرأة في المتوسط 4 ساعات و20 دقيقة يومياً في أعمال رعوية غير مأجورة، مقارنة بساعتين و16 دقيقة للرجل، ويبلغ هذان الرقمان في الدول النامية 4 ساعات و30 دقيقة للمرأة، وساعة واحدة و20 دقيقة للرجل. واليوم تعتمد ملايين العائلات حول العالم على دخل المرأة كمساهمة أساسية في ميزانيات الأسر التي يتقاسم فيها الزوجان الأعباء الاقتصادية المتزايدة نتيجة ضغوط الحياة، بينما بقيت الأعباء المنزلية مسؤولية النساء بمفردهن في الغالب الأعم. وعليه يصبح حصول المرأة على عمل مناسب، ميزة خاصة يجب الحفاظ عليها لصعوبة تكرارها، لكن عادة ما يصطدم حلمها بالحفاظ على مستقبلها المهني بمسؤوليات رعاية المنزل والأبناء، وفي فترة ما، تجد كل النساء أنفسهن أمام الخيار الصعب بين العمل والمنزل، الذي عادة تحسمه عدة خيارات تتقدم فيها ضرورات تربية الأبناء؛ على بناء مستقبل مهني للأم. وتعد ميزانية الأسرة أحد أهم عوامل حسم الخيارات بين العمل والمنزل، لكن هل يمكن تصور نماذج تختار الاحتفاظ بأعمالهن مقابل التخلي عن كامل رواتبهن للاستعانة بمربيات، أو توفير شكل خاص من الرعاية المنزلية، تطمئن خلاله على أطفالهن خلال ساعات الدوام الطويل؟ صحيفة دايلي ميل البريطانية قدمت نماذج لأمهات يدفعن كل رواتبهن، مقابل عدم التفريط في وظائفهن، نستعرض بعضهن في التقرير التالي.. ميشيل تايلور (36 عاماً) الأم لثلاثة أطفال، وتعمل بوظيفة باحث تقني بإحدى الوكالات الرقمية، اختارت الاحتفاظ بعملها بعد ولادة أصغر أبنائها، ديلان، قبل 5 أشهر، وتوصلت إلى اتفاق مع الوكالة للعمل 3 أيام أسبوعياً، مقابل 1300 جنيهاً استرلينياً شهرياً. الغريب أن هذا المبلغ بالكامل لم يكن كافياً للاستعانة بمربية للبقاء مع الأطفال الثلاثة، خلال ساعات الدوام الطويلة التي تبدأ من 8 صباحاً وحتى 5 مساءً. وبعد نقاش طويل، ومفاوضات جادة نجحت تايلور في إقناع زوجها بدفع 104 جنيهات استرلينية أخرى للاستعانة بمربية تتقاضي 1404 جنيهات استرلينية شهرياً. نقلت الصحيفة عن تايلور قولها: نعم، أعرف أن البعض لا يرى أي منطق فيما أقوم به، لكن العمل مهم جداً بالنسبة لي، حتى لو لم أنجح في توفير عائد خاص لشراء ملابس جديدة، أو السفر في عطلات نهاية الأسبوع. وتضيف: أشعر بحرج كبير من زوجي حين أحصل على مصروف شخصي منه، حتى أتمكن من تناول الإفطار والقهوة مع الزملاء، لكن الوضع مؤقت لمدة عدة أشهر حتى يتم أصغر أبنائي عامه الأول، وسأعود وقتها إلى العمل بدوام كامل. وتقول: أستمتع بوظيفتي، وأحب استخدام ذهني بطريقة مختلفة عن كوني أُمّاً. مناقشات الزملاء، وتحديات العمل، والأفكار الجديدة في عالم التقنية الرقمية المتطور بمعدلات مذهلة، كل ذلك يعدّ إضافة مهمة لشخصي ولا يمكن الاستغناء عنها. تعتزم تايلور مستقبلاً، الاستغناء عن المربيات باهظات التكلفة المادية، بعد التحاق طفلتها الأكبر (6 أعوام) بالمدرسة، وانضمام الصغيرين (18 شهراً، و5 أشهر) إلى دور الحضانة التي تعتبرها مؤسسات مهمة لتنمية شخصيات الصغار وليس فقط رعايتهم. تعترف تايلور بمساندة زوجها أليكس، الذي يشاركها نفس العمل بالوكالة الرقمية، وقالت إنه يدعم طموحها للاحتفاظ بعملها، ويساعدها في الاعتناء بشؤون المنزل والصغار. وتقول: من حسن الحظ، أن زوجي يشاركني نفس العمل، ويفهم أن ابتعادي عن العالم الرقمي لأشهر، يعني نهاية مستقبلي المهني، لأن تقنية اليوم تتطور بمعدلات متسارعة لا يمكن لغير المتابعين ملاحقتها إذا خرجوا من دائرة العمل. الاختصاصية النفسية ماشا بينيت، علقت على تجربة تايلور قائلة: نحن لا نقدّر جيداً دور الأم العاملة، والمجتمع يفرض صوره النمطية عن أن أفضل الأمهات هن أولئك ذوات الدوام الكامل، أو المتفرغات تماماً لرعاية المنازل والأطفال، على الرغم من أن كثيراً من الدراسات الحديثة أثبتت الفوائد الاجتماعية لانخراط الأمهات في مجتمع العمل، وتأثير ذلك الإيجابي على تكوّن شخصيتها، وآرائها، وليس فقط استقلالها المادي، وجميعها منافع تعود بالفائدة على الأسرة. وأشارت بينيت إلى دراسة حديثة توصلت إلى أن المرأة العاملة، أكثر نجاحاً في إدارة الوقت من الأمهات المتفرغات، وأنّ تعدّد مسؤولياتهن تدفعهن إلى الاستغلال الأمثل لأوقاتهن. وعن نموذج تايلور، تقول بينيت: لم تتوقف تايلور عند حد العائد الاقتصادي والمادي من عملها، وهو العامل الأكثر حسماً الذي يدفع كثيراً من النساء إلى العمل، لكنها فضلت الاحتفاظ بالفوائد الأخرى غير المنظورة، العائدة عليها من الانخراط في سوق العمل ومواكبة عالم تتغير أدواته، وتتسارع أحداثه بشكل مذهل. وطالبت بينيت، بتخفيض رسوم دور الحضانة ورعاية الصغار في بريطانيا التي تعدّ الأغلى في أوروبا، مشيرة إلى أنّ توفير مؤسسات رعاية للأطفال مقابل مبالغ مادية مناسبة، سيدفع كثيراً من الأمهات إلى العودة إلى وظائفهن، دون معاناتهن من حالات تأنيب الضمير لتركهن أطفالهن. أما آلي ليتون (39 عاماً) الأم لأربعة أبناء، فتعمل خبيرة في شركة للخدمات المالية من برمنغهام، وتتقاضى 890 جنيهاً استرلينياً، إلا أنّها تنفق 920 جنيهاً استرلينياً ، راتباً لإحدى المربيات للعناية بطفليها الصغيرين الفترة الصباحية بينما يتوجه الكبار إلى المدرسة. وتمتاز تجربة ليتون في استقلالها المادي، الذي نجحت في تحقيقه عبر مساهماتها في إحدى الصناديق الاستثمارية التي تدر عليها عائداً مناسباً يمكنها من خلاله تدبر نفقات أسرتها، لكنها فضلت العودة إلى عملها، بعد إنجاب أصغر أبنائها مقابل تخفيض كبير في أجرها كعدد ساعات لا تتجاوز 16 ساعة أسبوعياً. وعن تجربتها تقول: يجب أن يدرك الأبناء قيمة العمل، وأعتقد أنني أمنحهم نموذجاً بارتباطي بوظيفة يذهب كل عائدها وأكثر إلى رعايتهم. المهم أن يعرفوا أن هناك عملاً يمثل الالتزام الجاد. اختصاصية علم النفس جيسكا تشيفرز مؤلفة كتاب عمل الأمهات قالت: نتجاهل كثيراً الدور المجتمعي للأمهات، بعملهن يقدمن إضافات تعود بالنفع على المجتمع، بينما دورها كأم يستفيد منه بشكل مباشر أطفالها وعائلتها. وعلى الرغم من التطور الذي طرأ على حياتنا خلال النصف قرن الأخير فإن المجتمع لا يزال يحمّل المرأة وحدها عبء رعاية المنزل. واعتبرت تارا روبنز (25 عاماً) العمل موضوعاً غير قابل للنقاش، لأنه بالنسبة لها يعد شعوراً بذاتها يمنحها ما تسميه الوقت الخاص بها. وتعمل روبنز بدوام كامل في إحدى شركات التدوير في ميلووكي، وتتقاضى راتباً يبلغ 1200 جنيهاً استرلينياً، تنفق منه 720 جنيهاً كراتب لمربية تتولى رعاية ابنتها ويزداد المبلغ حال اضطرارها الاستعانة بها في العطلات.

مشاركة :