رحلة إلى بلد خيالي في مسرحية غنائية

  • 12/23/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ظهر في الأسواق الفرنسية والدول الناطقة بهذه اللغة، كتاب «رحلة عادية في سيفيسي» (Voyage ordinaire en Sévétie) من تأليف كلوتيلد إيسكال الفرنسية المولودة في المغرب والتي كبرت فيه، والمنشور لدى دار غوين كاتالا. وإذا كانت إيسكال قد اعتادت تأليف الروايات الدرامية الصعبة، فإنها تخوض تجربة المسرح الشاعري، وإذا كانت مسرحيتها المكتوبة ستحول إلى عمل يقدم فوق الخشبات هنا وهناك، فلا بد من أن تؤديه ممثلة بمفردها تاركة العنان للمشاهد ليتخيل الشخصيات التي تذكرها المؤلفة على مدار صفحات النص والتي يبلغ عددها ٧٥ صفحة. وبلد «سيفيسي» المذكور في عنوان الكتاب، عبارة عن مكان خيالي بحت، لذلك لا بد من القول إن سحر هذا النص بأكمله يكمن في الرحلة الخيالية التي تجرف المؤلفة إيسكال القارئ في تيارها واعدة إياه بالوصول إلى البلد المعني واكتشاف خباياه وملذاته والحياة فيه التي لا تشبه مثيلتها في أي مكان فوق الأرض. إلا أن القارئ لا يقصد الهدف الموعود وينهي قراءة الكتاب قبل أن يدخل القطار إلى قلب «سيفيسي»، فعليه بالتالي إتمام الحكاية بنفسه وفق تصوره لها ولما يمكن حدوثه في «سيفيسي». وفي مناسبة استخدام كلمة حكاية لا تكف كلوتيلد إيسكال من أول النص وحتى آخره بالتصرف في كتابتها وكأن الحكاية التي ترغب في سردها ستبدأ بعد سطور قليلة، وكلما حان وقت هذه البداية المفروضة هاهي تقفز بالكلمات إلى موقف جديد عاجل يبدو وكأنه لا بد أن يحسم قبل الدخول في تفاصيل «الحكاية» بالتحديد احتراماً لضرورة استيعاب القارئ لما يحدث. وهكذا تلاعب إيسكال القارئ دافعة به إلى أمام وساحبة إياه إلى الخلف وجارفة انتباهه إلى أشياء قد تبدو هامشية ولكنها في الحقيقة أساسية كما يكتشف في ما بعد، في شأن إدراك ما الذي يدور في أحياء بلد «سيفيسي» الخلاب. وبفضل الذكاء الذي تتميز به كلوتيلد إيسكال من الناحية الأدبية يصعب على القارئ ترك الكتاب قبل إنهاء صفحاته، مثلما سيتلهف المشاهد لمتابعة المسرحية عندما ستنفَّذ وبشرط أن يلتزم الإخراج مقومات النص المكتوب من حيث كتم الأنفاس وشد الانتباه، كما سيلعب أداء الممثلة المختارة دوره الفعّال في نجاح العرض. وتتمسك إيسكال في صفحات كتابها بالمزج ما بين الكتابة التقليدية والشعر، إذ يسهل على القارئ تخيل الكلمات التي يكتشفها محولة إلى أغنية عاطفية قد تحتل المكانة الأولى فوق قائمة أنجح الألحان في موسم محدد أو طوال عام معين. وفجأة تقطع المؤلفة خيط هذا الحلم الشاعري الخلاب عائدة بالقارئ بين سطر وآخر إلى واقع أليم لن ينتهي قبل الوصول إلى بلد «سيفيسي»، ولكن ماذا يحدث في حال عدم الدخول إلى هذا المكان، أو في حال وجود إجراءات على الحدود تمنع الزائر من مواصلة مشواره؟ هل ينتهي الحلم فجأة بل يتحول إلى كابوس لكونه وعد بألف شيء وشيء ولم ينفذ أياً من وعوده؟ وبفضل هذا الأسلوب الغريب العجيب للمؤلفة، يعتبر النقاد أن كتاب «رحلة عادية في سيفيسي» سينال قسطه الضخم من الرواج ويدخل إلى سباق الجوائز الأدبية عام ٢٠١٧، كما سيتحوّل النص إلى مسرحية تقدم فوق خشبة باريسية مرموقة.

مشاركة :