بين «الأرت هاوس» والتجاري المبتذل

  • 12/23/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

على رغم استمرار هيمنة السينما التجارية بكل أشكالها ودرجاتها، وعلى رغم سطوة الموزعين اللاهثين وراء حصد الملايين، مع ذلك اتسمت السينما المصرية خلال العام 2016 بعدة ملامح أهمها المشاركة في ثلاثة من المهرجانات الدولية الكبرى والتي استهلها تامر السعيد في أول تجاربه الروائية الطويلة «آخر أيام المدينة» الذي عُرض في قسم «المنتدى» بمهرجان برلين وحصد جائزة كاليجاري، ثم طاف به ما يزيد على خمسين مهرجاناً على مدار العام حصد خلالها ستة جوائز أخرى من أهمها جائزتان بمهرجان القارات الثلاث بفرنسا. ثم جاءت تجربة «اشتباك» للمخرج والسيناريست محمد دياب في ثاني تجاربه الإخراجية والذي شارك في قسم «نظرة ما» بمهرجان كان السينمائي. فإن كان الفيلم خرج من دون جوائز، لكنه حقق مردوداً دعائياً جيداً عبر بعض الصحف الأجنبية وظفه المخرج بمهارة وإتقان، على رغم المبالغة، لمقاومة الحصار الذي فُرض عليه عند عرضه تجارياً بمصر. ومن ثم نجح في إخراجه من القاعات المريحة الغالية الثمن والمحدودة جداً إلى القاعات الأكثر جماهيرية والرخيصة ما قلب معادلة توزيعه وإيراداته رأساً على عقب.   أخضر ويابس أما درة السينما المصرية لهذا العام فهو فيلم «أخضر يابس» للمخرج محمد حماد في أول تجاربه الروائية الطويلة والذي شارك بمسابقة سينما الحاضر بمهرجان لوكارنو السينمائي. والفيلم يُعلن بقوة عن مولد نجم جديد في عالم الإخراج السينمائي قادر على حياكة لغة بصرية سينمائية بأقل الكلمات المعبرة عن عالم أبطاله، وسرد قصص نسائية بسيطة تبدو في ظاهرها اجتماعية خالصة لكن الحقيقة أنها ملغمة بالدلالات والإسقاطات السياسية والإشارات الثقافية التي قد يصعب على المواطن الأجنبي أو غير المصري إدراك كنهها. ومع ذلك تظل روح العمل في هذه اللغة السينمائية البعيدة عن الادعاء والقدرة على ضبط الزمن النفسي أحد ملامح هذا السينمائي الشاب الواثق من خطواته والذي قدم من قبل أفلاماً قصيرة أثارت ضجة مثل «سنترال»، و «أحمر باهت». صحيح أن فيلم «الماء والخضرة والوجه الحسن» أعاد السينما المصرية للمشاركة بالمسابقة الدولية بمهرجان لوكارنو، وهو من توقيع المخرج المخضرم يسري نصر الله الذي كنا ننتظر أعماله بشغف كبير، فشكّل عودته بعد غياب أربعة أعوام - منذ تقديم شريطه «بعد الموقعة» والذي شارك بمسابقة كان - لكن الفيلم الأحدث جاء مخيباً للآمال والتوقعات – بسبب السيناريو - على رغم جمال فكرته وأهمية موضوعه وجاذبية شخصية الطباخ بالأفراح الشعبية والذي يُمثل الخيط الذي يربط الشخصيات الأخرى ببعضها البعض. وعلى رغم استعانة المخرج بالبطولة الجماعية والغناء والرقص وكل مشهيات «الخلطة السُبكية» فإن الفيلم لم يصمد طويلاً في دور العرض كما لم يلق الترحيب النقدي، وكأنه يُجيب على التساؤل المطروح: إذا التقى فنان «الأرت هاوس» مع منتج مثل السبكي التي وُصمت أعماله بالتجارية والابتذال والتلفيق فأيهما ينجح في جذب الآخر إلى عالمه؟!   الجوائز العربية على رغم أنه حُرم من المشاركة بالمهرجانات العربية نتيجة مأزقه مع مهرجان القاهرة السينمائي الذي اشترط عليه عدم الاشتراك في مهرجانات عربية أخرى، يُعد «آخر أيام المدينة» الفيلم المصري الوحيد الذي حصد عدداً لا بأس به من الجوائز الدولية. أما الجوائز العربية فنالها عدد من الأفلام منها «نوارة» للمخرجة هالة خليل التي نالت عنه ذهبية مهرجان وهران، وكذلك بطلة الفيلم منة شلبي حصدت جائزة أحسن ممثلة - من دون أن ننسى جائزتها كأفضل ممثلة في دبي السينمائي الثاني عشر - فيما اقتنص «اشتباك» ثلاث جوائز من قرطاج السابع والعشرين وهى الجائزة الفضية، وجائزتي أحسن تصوير وأحسن مونتاج. أما فيلم «يوم للستات» الذي شهد عودة إلهام شاهين كمنتجة إلى جانب التمثيل منذ «خلطة فوزية» مع نفس السيناريست هناء عطية، وهو الفيلم الذي تعود به كاملة أبو ذكري بعد غياب طويل عن السينما، وبعد تقديمها تجارب تلفزيونية يبدو أنها أثرت في أسلوبها الإخراجي، حيث بدا إيقاع الفيلم أقرب إلى التليفزيون منه إلى السينما، إضافة إلى ارتباكات عدة في السيناريو والإخفاق في رسم بعض الشخصيات أو بترها بينما مُنحت شخصيات أخرى كثيراً من الزمن الدرامي كان في غير مصلحتها، كما يتضح من الشخصية التي لعبتها نيللي كريم. وقد عُرض الفيلم خارج مسابقة مهرجان لندن مثلما شارك بالمسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة ونالت عن دورها فيه الممثلة الواعدة ناهد السباعي جائزة أفضل ممثلة. وعلى رغم الانتقادات التي وُجهت للجائزة لأن دور السباعي ليس دوراً رئيسياً فيما تمنح الجائزة للدور الأول، مع ذلك لا ينفي هذا أن ناهد ممثلة لديها قدرات إبداعية لافتة في فنون الأداء تُؤهلها لجوائز دولية لو تم تسكينها في السيناريوات المرسومة بواقعية ومهارة، وهى في أدائها تُذكرنا بألق وروعة وصدق أداء جدتها هدى سلطان. ثم وفي اختتام العام المنتهي، جاءت جوائز الدورة الثالثة عشر لمهرجان دبي السينمائي، لتُضفي مزيداً من البهجة على السينما المصرية بمنح جائزة أفضل ممثل لعلي صبحي بطل «علي معزة وإبراهيم» للمخرج شريف البنداري، ثم تتويج تلك الجوائز بمنح محمد حماد جائزة أحسن مخرج عن فيلمه «أخضر يابس» والذي ينتمي للسينما المستقلة. فهو من إنتاج مخرجه وخلود سعد وفريق العمل ثم ساندهم في أعمال «ما بعد الإنتاج» محمد حفظي، ومن المؤسف أن نتوقع للفيلم أنه لن يصمد في دور العرض في ظل الثقافة الفاسدة السائدة بالمجتمع وفي ظل هيمنة مافيا التوزيع، وعدم وقوف المنتجين الداعمين للسينما المستقلة إلى جانب مثل هذه التجارب والاكتفاء «بدفنها بشرع شرعي» إذ يتم عرضها في أحد دور العرض لأيام عدة قبل أن يتم رفعها بحجة أنها لم تستقطب الجمهور.   على المستوى التجاري أما على المستوى التجاري المتستر وراء قضية خطيرة سواء على المستوى الاجتماعي أو الجسدي فيبرز هنا اثنان من المخرجين كانا قد نجحا سابقاً في تحقيق إيرادات شباك، هما علي إدريس أو خالد الحجر لكن أفلامهما الأخيرة «البر التاني»، و «حرام الجسد» فشلت تجارياً ونقدياً، وإذا كان الأخير غير مكلف فإن الأول لم يشفع له الخمسة وعشرين مليون المنفقة عليه. وعلى مستوى الكوميديا يمكن القول إن هذا العام شهد هزيمة ساحقة للممثل الكوميدي محمد سعد الذي فشل فيلمه «تحت الترابيزة»، وعزف عنه الجمهور تماماً في شكل يصعب معه أن يسمح له المنتجون أو الموزعون على أن يتواجد ثانية في المواسم المهمة، في حين شهد فيلم «جحيم في الهند» قفزة في الإيرادات إذ جاء في الترتيب الثاني محققاً 35 مليوناً، واعتبره البعض شاهداً على نجومية محمد إمام، لكن الحقيقة أن الفيلم من البطولة الجماعية ويصعب تصديق أن الفيلم يمكنه تحقيق نفس الإيرادات لو اقتصرت بطولة على النجم الشاب محمد إمام. أما الثلاثي أحمد فهمي وشيكو وهشام ماجد، فللمرة الأولى منذ سنوات ينقسمون ويقفون في مواجهة بعضهم البعض في شباك التذاكر بعد أن كانوا يقدمون كوميديا ثلاثية. فقدم أحمد فهمي فيلم «كلب بلدي»، فيما قدم هشام ماجد وشيكو فيلمهما «حملة فريزر» حيث تشاركا في الكتابة إلى جانب التمثيل لكنها - وحتى لو حقق الأول ارتفاع نسبي في الإيرادات - أعمال تنتمي للتجاري المبتذل حتى لو ادعى بعض النقاد أنهم حملوا روح التجديد للكوميديا المصرية في أعمالهم السابقة. أخيراً، على رغم سطوة الكوميديا الهابطة على الأفلام المنتجة والتي تقترب من أربعين فيلماً سينمائياً، فإن المتتبع لإيرادات الشباك يُدرك أنها لم تحقق أعلى الإيرادات. فمثلاً فيلم أحمد السقا «من 30 سنة» والذي ينتمي لدراما الجريمة، جاء في الترتيب الرابع برصيد 24 مليوناً. أما شغف الجمهور الأكبر فاتجه للأعمال الرومانسية المطعمة بخفة ظل الشباب، مثلما يتضح من تجربتي «هييبتا المحاضرة الأخيرة» لهادي الباجوري وبطولة جماعية تنهض على أدوار الشباب والذي حقق إيرادات كبيرة في شباك التذاكر بلغت 28 مليوناً. وهو بذلك يأتي في الترتيب الثالث بعد «جحيم في الهند» والذي سبقه «لف ودوران» للمخرج خالد مرعي وبطولة أحمد حلمي ودنيا سمير غانم، فقد بلغت إيراداته 40 مليون جنيه. والأمر اللافت أنه طوال مدة الفيلم لم يكن فيه أي «إيفيه» خارج أو لفظ خادش، أو أي من الأشياء المبتذلة الرخيصة التي يتوهم صُناع السينما الركيكة والمنحطة أنها وسيلة لجذب الجمهور.

مشاركة :