تقوم زعيمة حزب الأغلبية في ميانمار أونغ سان سو تشي، ورئيسة الحكومة البورمية الحالية بعرقلة بعض التحقيقات الخاصة بعمليات التطهير العرقي ضد الروهينغيا، الأمر الذي دعا منظمة الأمم المتحدة إلى دقِّ ناقوس الخطر. إن الأقلية المسلمة في ميانمار، التي تعرف بالروهينغيا، تعاني من عمليات القتل والاغتصاب والتعذيب وحرق المنازل، لكن مَن المسؤول عن ارتكاب هذه الجرائم؟ وهنا يمكن القول إن أصابع الاتهام تتجه نحو الحكومة البورمية، بما في ذلك الجيش. كما أن الحلم الديمقراطي الذي سمح بوصول أحد عناصر المجتمع المدني، سو تشي إلى السلطة، وتتويجها بجائزة نوبل للسلام، تلقَّى صفعة جديدة بالتزامن مع الأزمة الحالية في شمالي البلاد، حيث يقوم الجيش باستعراض وحشي للقوة، حسب الشهادات التي جُمعت من هذه المنطقة التي يُحظر الوصول إليها. وفي هذا السياق، يتلقَّى مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقارير يومية حول انتهاكات حقوق الإنسان ضد الروهينغيا، كما اتهم المفوض السامي للمكتب الأممي، زيد الحسين، الحكومة البورمية بمنع وصول مراقبين دوليين مستقلين لمراقبة الوضع في ولاية راخين في الشمال، التي يشهد فيها الروهينغيا مضايقات وانتهاكات عديدة. ومن جهته، يؤكد الجيش أن هذه ادعاءات غير صحيحة، أما سو تشي فتحاول التخفيف من حدتها. وفي هذا الإطار، صرَّحت سو تشي، في أوائل شهر ديسمبر/ كانون الأول 2016، أنه "لا يمكن إنكار وجود بعض الصعوبات في هذه المنطقة الشمالية"، وأضافت أنه "من المستحسن العمل على إيجاد حلول لهذه الصعوبات في حال تم التفطن إليها، عوضاً عن المبالغة وإظهارها في صورة أكثر سوءاً مما هي عليه". لكن هذه التصريحات لم تقنع منظمة الأمم المتحدة، التي اعتبرت أنه "إذا لم يكن لدى الحكومة ما تخفيه، فلماذا تُمنع المنظمات الحقوقية من الوصول إلى هذه المنطقة؟ وفي هذا الإطار، قال الحسين إنه "ليس بإمكاننا في هذه الحالة إلا توقع الأسوأ". وحول ما يقع في شمالي ميانمار، صرح متحدث باسم الأمم المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، لقناة BBC البريطانية، أن "ما يحدث هو تطهير عرقي بكل معنى الكلمة". وتجدر الإشارة إلى أن الأزمة الحالية التي يعيشها الروهينغيا بدأت منذ أن تعرضت الشرطة البورمية إلى هجمات من قبل مسلحين في ثلاث نقاط على الحدود مع بنغلاديش في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي لقي فيها تسعة رجال شرطة حتفهم. من جهتها، اتهمت الحكومة الروهينغيا بالوقوف وراء الهجمات، دون وجود أية أدلة ملموسة، أما الأمم المتحدة، فتعتبر أن مجموعة من المعتدين هم المسؤولون عن هذا الهجوم، لذلك يجب محاسبتهم عوض معاقبة مجتمع بأكمله، وعلى الرغم من أنه لا أحد يشك في حدوث هذه الهجمات، فإنَّ هناك شكوكاً عديدة حول ردِّ الحكومة البورمية. وقد أكد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، أن "المعلومات التي تلقاها تشير إلى أن قوات الأمن البورمية قد فرضت عقوبات جماعية على مجتمع بأكمله، مع تنفيذ عمليات انتقامية ضد مسلمي الروهينغيا، الذين أصبحوا بالفعل معرَّضين للخطر". كما أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، أنَّ إحدى الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية تؤكد تدمير منازل للأقلية الروهينغيا، كما تبين الصور تدمير حوالي 820 مبنى خلال الفترة الفاصلة بين 10 و18نوفمبر/ تشرين الثاني، في خمسة مواقع مختلفة للروهينغيا، حسب تقديرها. لذلك ندَّدت المنظمة بمواقف الحكومة المتضاربة، التي تنسب حرق 1200 منزل إلى "الإرهابيين"، في حين تمنع المنظمات الإنسانية من الوصول إلى هذه المناطق المتضررة. تحقيق حكومي "متساهل" وصرَّح المتحدث باسم هذه المنظمة غير الحكومية في تايلاند، فيل روبرتسون، أن هناك مفاوضات تجري حول السماح بزيارة منظمة لبعض وسائل الإعلام وللعاملين في المجال الإنساني، إلا أننا لا نرى إمكانية حدوث تغيير فوري، فالجيش يملك نفوذاً مطلقاً. وأوضح كوكو لين، وهو ناشط من الروهينغيا في بنغلاديش، أن لجنة برلمانية بورمية أجرت رحلة استغرقت ثلاثة أيام لبعض القرى المتضررة، بهدف التحقيق حول ما يحدث، وكان من بينهم أعضاء من حزب سو تشي الحاكم. وبيَّن الناشط لين، أن ممثلي الأقلية المسلمة في ميانمار والخارج وقّعوا إثر هذه الزيارة بياناً مشتركاً، أكدوا فيه أن الجيش طرد حوالي 95% من الرجال، وغالبية قادة المجتمع المدني قبل وصول لجنة التحقيق. أما الأقلية التي لم ترضخ للتهديدات والضغوط، فقد تعرضت إلى أعمال وحشية، وبحسب تقديرات ممثلي الأقلية المسلمة، فقد تم قتل حوالي 500 شخص من الروهينغيا، جراء هذه الإجراءات التعسفية، من بينهم الأطفال وكبار السن، منذ اندلاع الأزمة في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول. في المقابل، ينفي الناشط إدعاءات رئيسة الحكومة سو تشي، بأن ما يقوم به الجيش ليس تطهيراً عرقياً، ويؤكد أن "الحكومة الحالية تريد قتل جميع المسلمين في ميانمار، مثلما فعلت الحكومات السابقة". وأضاف لين أنهم يحاولون إخفاء ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ويجب على الحكومة أن تسمح بإجراء تحقيق دولي، كما أننا كنا نعلم، منذ البداية، نتائج هذا التحقيق الذي بدت فيه اللجنة متساهلة مع الجيش. صمت الحائزة على نوبل للسلام سو تشي يقول روبرتسون، إنه من الواضح أنه ليس بإمكان أونغ سان سو تشي وحكومتها أن تمارس أي نوع من الرقابة الحقيقية على الجيش البورمي، حتى لو أرادوا فعل ذلك، وبالنسبة له، فإن المشكلة الأساسية تكمن في الدستور البورمي الذي ينصُّ على أن "الحكومة تهتم بقضايا الحكومة، في حين أن الأمن يحق له فعل ما يريد". ومع ذلك، لا يجد روبرتسون عذراً لسو تشي، التي يرى أنها في حاجة "لرفع صوتها، وطلب وضع حد للانتهاكات التي يرتكبها الجيش"، كما يرى أن التزامها بالصمت لن يوفر القيادة اللازمة لضمان وفاء الحكومة البورمية بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان. وفي هذا الصدد، قال الناشط التابع للروهينغيا، كوكو لين، إنه إذا كانت سو تشي لا تقف في صفهم، فيجب عليها أن ترفع صوتها، وتدعو المجتمع الدولي للتحقيق فيما يحدث، وإذا كانت لا تستطيع أن تمارس ضغوطات على القوات العسكرية، فينبغي أن تطلب المساعدة من الدول القوية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. التمييز الممنهج ويوضح روبرتسون أن منطقة الروهينغيا تضم حوالي 150 شخصاً يعتمدون على المواد الغذائية والمساعدات الطبية، وغيرها من اللوازم التي توفرها لهم المنظمات الإنسانية. ومنذ هجمات التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول، تمكن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من مدّ يد المساعدة لحوالي 20 ألف شخص من هذه الأقلية المسلمة، وعموماً، فإن حظر الوصول إلى مناطقهم المتضررة يثير الكثير من المخاوف، خاصة حول القيود التي يفرضها القانون البورمي على الروهينغيا. ومن الواضح أن الروهينغيا هم ضحايا التمييز الممنهج والقيود المفروضة على حقوقهم؛ إذ يتم تقييد تحركاتهم، وليس لديهم حق في الملكية، أو الحق في إنجاب أكثر من طفلين. وفي حال فكَّروا في إنجاب أكثر من طفلين، فإنه يجب عليهم أولاً طلب ترخيص، كما أن غالبية هذه المجموعة العرقية لا تحمل الجنسية البورمية. وفي الحقيقة، تعاني الروهينغيا من عدم التمتع بالحق في التعليم، والمساواة في فرص العمل، ولا يستطيع الكثير منهم التصويت في الانتخابات. الطعن في "التواطؤ" ووفقاً للتقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية حول حالة حقوق الإنسان في العالم، فقد ارتفعت نسبة الاضطهاد ضد الروهينغيا، كما أن وضعهم ازداد سوءا منذ العام 2015، وقد حذَّر هذا التقرير من أن "السلطات لا تحارب التعصب الديني المتنامي أو التحريض على التمييز والعنف ضد السكان المسلمين". وتقدر الأمم المتحدة أن الأزمة الحالية قد تسبَّبت في فرار حوالي 27 ألف شخص إلى بنغلاديش خلال شهرين تقريباً، في حين فرَّ في العام الماضي حوالي 33 ألف شخص إلى بنغلاديش عبر الخليج البنغالي، وذلك وفقاً لتقديرات وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ويوجه الناشط كوكو لين نداءه الأخير قائلاً، إنّه "في حال واصل المجتمع الدولي صمته، فسيواصل الجيش ممارساته، وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي فسيُعتبر متواطئاً معهم في عملية القضاء على الروهينغيا في العالم". هذا الموضوع مترجم عن صحيفة El Español الإسبانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط
مشاركة :