"إرث غير مرغوب فيه".. النمسا تستعيد منزل هتلر قبل أن يصبح مزاراً للنازيين الجدد

  • 12/25/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

استعاد البرلمان النمساوي مؤخراً منزل هتلر الذي ولد فيه، في برونو، بالقرب من الحدود الألمانية. ونشرت صحيفة الفرنسية تقريراً قالت فيه، أنه وعلى الرغم من أن هذا البيت متداع وفارغ؛ إلا أن صاحبته غريبة الأطوار رفضت التخلي عنه، ولتجنب الشائعات، ومنع النازيين الجدد من الحج إلى هذا المقر، قامت السلطات النمساوية باستعادة منزل هتلر، وسيظلّ مستقبل هذا المنزل، الذي خُطّت على جدرانه العديد من التخيلات، بيد السلطات النمساوية. لو كان هذا المنزل مسكوناً، لكانت درجة الخوف التي يبعثها في النفوس أقل حدة، إلا أن هذا المنزل ظل غير مأهول بالسكان لمدة خمس سنوات، وتوجد على شبابيك الطابق الأرضي للمبنى شبكة من الحديد، إلا أن شبابيك الطابقين الآخرين تفتقر إلى المصاريع. ويلاحظ وجود حرفي "إم و بي" على باب المنزل كرمز لاسم مارتين بورمان، كما أن الشوارع والجدران التي تكسوها أشعة الشمس، تغمرها علامات سوداء والكثير من الأوساخ. وقد كُتب في منتصف جدار المنزل "مكتبة برونو الشعبية". في "براوناو إم إن" النمساوية، على بعد بضع مئات من الأمتار من الحدود الألمانية، عرف الشارع الذي يتواجد فيه المبنى الذي يضم منزل هتلر عدة زيارات، ولذلك، اتخذ البرلمان النمساوي ليلة الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول 2016 قراراً يقضي باسترجاع ملكية هذا المنزل، وخط هذا القانون خصيصاً من أجل إزاحة الستار عن الكثير من الغموض. وتجدر الإشارة إلى أن أدولف هتلر ولد في 20 أبريل/نيسان 1889، في أحد المنازل المتواجدة في هذا المبنى، تحديداً في الطابق الثاني، وفي الشقة التي تطل على شارع شميتغاسا. وكان ألويس هتلر، والد الزعيم النازي "المستقبلي"، يعمل كموظف جمارك في برونو، وكان المنزل الذي تقطنه العائلة، فوق الإسطبلات ومصانع الجعة، يفتقر إلى الجودة. لذلك، انتقلت العائلة بعد سنة من ولادة أدولف، من هذا المنزل على مسافة غير بعيدة في شارع ينزر شتراسه، ومن ثم انتقلت العائلة في العام 1892 من برونو إلى باساو، في ألمانيا. لقد نسي التاريخ هذه الانتقالات في السكن، وخلد فقط رمزية مسقط رأس هتلر، كما أنه أمام الشهرة التي شهدها هذا المنزل، أصبحت السلطات النمساوية في حيرة من أمرها حول كيفية التخلص منه. وفي هذا السياق، يقول المؤرخ أندرياس ميسلانجير، وعضو من اللجنة التي عينتها الحكومة النمساوية للنظر في مستقبل هذا المنزل، إنه "في حال بقي المسكن غير مأهول بالسكان، فإنه من المرجح حصوله على مزيد من الاهتمام". وخلافاً لرأي وزير الداخلية، وولفغانغ سوبوتكا، فإن ميسلانجير "أوصى أعضاء اللجنة بضرورة عدم تدمير المكان". من جهته، أشار جيرهارد بومغارتنر، مدير مركز توثيق المقاومة النمساوية داو، إلى أن "السلطات ألقت علينا اللوم واعتبرت أننا نحاول مسح التاريخ، إلا أن ما فعله هتلر في هذا المنزل فقط هو ملء عدد قليل من الطبقات". وتجدر الإشارة إلى أنه ما زالت هناك مخاوف في برونو، من عودة الحنين إلى الاشتراكية القومية، وعلى الرغم من ردع هذه الأفكار، إلا أن هناك محاولات خفية لإحيائها، ففي العام 2015 نظم الحزب اليميني المتطرف المجري جوبيك، جولة عبر الحافلة في المدن التي يلاقي فيها رواجاً كبيراً، مثل برونو، وميونخ، ونورمبرج، وداخاو، وبطبيعة الحال، أحيت هذه الجولة السياحية اليمينية المتطرفة وذكّرت بها. وقد توقفت هذه الحافلة في جولتها مرة واحدة في برونو، فقط من أجل التقاط صورة، وهو سبب كاف لتحرك هذه الزيارات غير المرغوب فيها مخاوف الحكومة النمساوية. وعلى الرغم من أن المدينة لم تشهد من قبل حوادث مع النازيين الجدد، إلا أنها لا تريد أن تصبح مثل بريدابيو الإيطالية، مسقط موسوليني؛ التي تستقطب الفاشيين. وعن طريق الصدفة في ذلك المساء في برونو، توقف شخص في الشارع الذي ينتمي إليه منزل هتلر، وسأل أحد المارة إن كان هذا المنزل مسقط رأس هتلر. هذا الرجل هو إيطالي الجنسية، ويعمل في هذه المدينة، وقد صرح قائلاً بعد طرح سؤاله؛ "هذا هو التاريخ"، ثم أوضح قائلًا؛ "أنا لست فاشيًا"، وواصل الرجل التقاط صورة للمبنى، وقد بدا على سمات وجهه الكثير من الفضول. "إرث غير مرغوب فيه" يقول عمدة برونو، يوهانس فايدباشر، "لقد ولد هتلر هنا، وهذه حقيقة تاريخه، لا يمكن تغيير شيء ويجب تقبل الأمر"، وتجدر الإشارة إلى أنه كل عام ومنذ 1992، تُنظّم في مدينة برونو ندوك "أيام التاريخ المعاصر"، وكان موضوع النسخة الأولى من هذه الندوة تحت عنوان التراث غير المرغوب فيه". كما أكد العمدة الذي تم انتخابه منذ العام 2011، أنه دخل هذا المنزل لمرة واحدة، وحول هذا المسكن، قال إنه "منزل عادي للغاية، وينقصه التجديد، وإذا كنا نرغب في استعماله، فإننا في حاجة إلى إعادة تجديد كل شيء". في السابق، لا يوجد شيء أكثر تعقيداً من أن يكون منزل هتلر إرثاً لا يمكن المساس به، ولهذا السبب فإن إحدى الجمعيات التي تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، والتي اتخذت من منزل هتلر مقراً لها في العام 1970، انتقلت إلى لينزر شتراسه في سبتمبر/أيلول 2011، وكان السبب الذي يقف وراء ذلك، هو عدم قدرتها على القيام بالحد الأدنى من التغييرات الضرورية لتسيير أعمالها. كما أن سر منزل هتلر هو بيد غيرلانا بومر، صاحبة هذا المنزل، التي يعرفها الجميع في بورنو والتي لا يتحدث الكثير من الناس معها بسهولة، خوفا من تعقيد الوضع، وتمتلك عائلة بومر هذا المبنى منذ العام 1912. ومن ثم استقر أحد أقارب هتلر، مارتن بورمان، في هذا المنزل وأنشأ فيه "مركزاً ثقافياً"، ومن ثم ركز فيه مكتبة لتحييد استخدام المنزل. ومن جهته، فإن هتلر الذي فضل عدم الكشف عن أصوله، قدم مرة واحدة إلى برونو، وفي نهاية الحرب، عدل الأميركيون عن تدمير المكان، ومن جهتهم، نسي النمساويون، الحريصون على فتح صفحة جديدة، العناية بهذا المكان فيما بعد. كما أنه في مرحلة لاحقة، افتتحت مكتبة في المبنى لحقتها عدة مكاتب لبنوك. وفي العام 1954، فقد طالبت العائلة بومر باسترجاع حقها في ملكية المنزل، أما في العام 1972، فقد حولت الدولة هذا المنزل للإيجار، نظراً لطبيعة المنزل الحساسة، كما أن الوريثة الوحيدة لهذا المبنى، غيرلانا بومر قبلت العقد، وفوضت مهمة العناية بالإجراءات إلى السلطات. والجدير بالذكر أن جرلين غيرلاندا بومر تنتفع بقيمة إيجار المنزل، الذي تقدر مساحته بحوالي 800 متر مربع، بمبلغ قدره 4800 يورو، شهرياً من قبل الدولة، وخلال العام 2011، اقترحت الدولة من جرلين بومر بيع المنزل، لكنها رفضت قبل أن تغير رأيها في 2014، وتضع المنزل للبيع. وقد انتشرت شائعات تفيد بأن نائباً روسياً أراد شراء المنزل، وقد علق المختص في تاريخ المدينة، فلوريان كوتنكو على هذا الأمر قائلاً؛ "تخاف السلطات من أن يباع المنزل لأجنبي، لأنهم لا يعلمون إلى ماذا سيتحول في المستقبل". كما أن الدولة لا تريد أن يغيب منزل هتلر عن نظرها، خاصة وأن المالكة الأصلية تريد فسخ عقد الإيجار المبرم بينها وبين الحكومة. في المقابل، يبحث وزير الداخلية النمساوي عن طريقة لتجديد عقد الإيجار مرة أخرى، التي قُوبلت بعدم تجاوب المالكة مع محاولات الدولة النمساوية الأمر الذي دفعها إلى تهديد الحكومة بمصادرته. لكن، القانون النمساوي لا يتضمن فصلاً يدعو إلى إمكانية مصادرة الحكومة لعقار ما بحجة عراقته التاريخية. لذلك يمكن للحكومة أن تلجأ لقانون الخصخصة، الذي قوبل بالرفض من قبل كل من الحزب الشعبوي النمساوي وحزب آخر من اليمين المتطرف، كما بإمكانها تعيين خبير لتقييم التعويضات التي ستعود بالنفع على المالكة. تمتلك بومر المنزل لكنها لا تسكن فيه، بل تقطن خارج مدينة برونو، وهو ما جعل رئيس بلدية برونو يبدي استغرابه من مدى عناد المرأة وإصرارها على موقفها الرافض لبيع المنزل للدولة. وتجدر الإشارة إلى أن بومر عاشت طفولة قاسية في ظل رعاية أمها وغياب والدها، لكن لم تؤثر هذه الطفولة على حياتها كثيراً، وعملت لاحقاً في أحد البنوك ثم في وكالة أسفار، أما فيما يتعلق بحياتها الخاصة، فهي لم تتزوج ولم تنجب أطفالاً. طمس الملامح النازية يوجد أمام منزل هتلر نصب تذكاري وهو عبارة عن صخرة من الغرانيت وقع إحضارها من مخيم ماوتهاوزن، وكتب على هذا النصب العبارات التالية "ذكرى مهداة لملايين الضحايا من أجل السلام والحرية والديمقراطية، وضد الفاشية". وقد وقع اعتماد هذا النصب التذكاري لضحايا النازية لأول مرة العام 1989. وتجدر الإشارة إلى أنه فتح جدل واسع ضد الرئيس السابق، كورت فالدهايم، بسبب ماضيه النازي القديم، لكن لم يدرج اسم الرئيس السابق على هذا النصب التذكاري بجانب الضحايا. من جانب آخر، وبما أن المنزل تحت سلطة الجمهورية النمساوية، فقد أصبحت تملك جميع الصلاحيات للتصرف فيه كما تريد، وأوصى خبراء بتعجيل عملية التحويل المعماري لطمس الملامح القديمة للمنزل لكي لا يصبح مكاناً مقدساً يحج إليه النازيون الجدد. وقد علق فلوريون كوتونكو ساخراً "لقد اقترح أحدهم أن يجهز المنزل بنوافذ سوداء تمنع الرؤية بهدف عدم تصوير ما بداخله"، لكن هناك مخاوف حقيقية من أن يكون المنزل رمزاً للتطرف. وقد دعا وزير نمساوي إلى عقد مسابقة للهندسة المعمارية لتغيير الشكل الهندسي للمنزل، في المقابل، سيبقى منزل هتلر مهجوراً تماماً إلى حين الإعلان الرسمي عن انطلاق المسابقة، ويرى المؤرخ الألماني، أندرياس ماينزلنغر، أنه لا بدّ من جعل المنزل مكاناً يجتمع فيه الشبان الأوروبيون ويتناقشون فيه حول مواضيع ثقافية. من جهة أخرى، يفضل كل من، المستشار الوزاري ورئيس بلدية المدينة وبعض المؤرخين طمس الرمزية السياسية للمنزل وربما تحويله لثكنة لرجال الإطفاء. لكن ماذا لو تحول المبنى إلى مقر لذوي الاحتياجات الخاصة؟ لقد انتشرت هذه الفكرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما دعا البعض إلى تحويله إلى مركز تجاري، في المقابل، يرى البعض الآخر أنه من الممكن جعل المنزل مقراً إدارياً أو مركزاً للعمل الاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن الألمان حولوا مسكن هتلر السابق في مدينة ميونخ مركزاً للشرطة، لكن النمساويين يفضلون توريث المنزل لأشخاص عاديين. هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Le Figaro الفرنسية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .

مشاركة :