أوصى مؤتمر أدباء مصر الذي اختتم فعالياته بمحافظة المنيا ظهر اليوم، على التأكيد على موقف أدباء مصر الثابت برفض كافة أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، بالإضافة إلى تمسك أدباء مصر بحقهم في حرية التعبير ورفض أشكال الوصاية على الإبداع والفكر كافة. كما أوصى المؤتمر بتأسيس مشروع ثقافي مصري يدعم قيم التنوير ويؤكد على مدنية الدولة، مع إدانة أدباء مصر كافة أشكال الإرهاب بما يحفظ سلامة الدولة واستقرارها، وأعلن أدباء مصر رفضهم كل المحاولات التي تستهدف وحدة النسيج المصري، واحترام أحكام القضاء المصري فيما يخص قضية جزيرتي تيران وصنافير. وطالب المؤتمر الدولة بالاهتمام الشامل بالمناطق الحدودية، والتنسيق بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني لنشر ثقافة النوع، وناشد الأدباء الدولة القيام بدورها في إعادة الاعتبار للهامش الذي يتكامل بالضرورة مع المركز. أما التوصيات الخاصة فجاءت على النحو التالي: يطالب أدباء مصر الدولة بزيادة ميزانية الهيئة العامة لقصور الثقافة بما يمكنها من أداء دورها، ويرى أدباء مصر ضرورة تقديم مشروع يتعلق بإعادة هيكلة أندية الأدب من خلال لجنة متخصصة، وطالب الأدباء وزارة الثقافة بتخصيص ميزانية مستقلة للمؤتمر، وحث المؤسسات الثقافية على خلق آلية ثابتة لتسويق المنتج الثقافي، والمطالبة بعودة المجلات التي تصدرها الأقاليم الثقافية بدلا من المجلات التي يصدرها الفروع، كما طالب الأدباء بإعادة النظر في مشروع النشر الإقليمي، وعودة مجلة ابن عروس. وكان مؤتمر أدباء مصر انطلق مساء الخميس على مسرح محافظة المنيا تحت عنوان "ثقافة الهامش والمسكوت عنه في الثقافة المصرية" دورة الكاتب الراحل يحيى الطاهر عبدالله، وبدأت فعاليات المؤتمر باسكتش مسرحي غنائي لفرقة المنيا القومية المسرحية يتناول قصتين خالدتين من قصص الحب بالمنيا وهما: قصة اخناتون ونفرتيتي، وقصة حسن ونعيمة، من تأليف الشاعر أشرف عتريس وإخراج حمدي طلبة، واختتمت العروض برقصة على أنغام صفائح العسل والهون وأغطية أواني المبطخ، في دلالة تراثية لصعيد مصر. وفي كلمته أشار أمين عام المؤتمر سعيد عبدالمقصود إلى أن المؤتمر ينعقد هذا العام تحت عنوان "الهامش والمسكوت عنه في الثقافة المصرية" وقصدنا بهذا رد الاعتبار للمتن المهمل لأن ما نعيشه يؤسس لتهميش الثقافة في الوقت الذي لا بد من التعامل معها تعاملا استراتيجيا. وأكد رئيس المؤتمر الدكتور شاكر عبدالحميد – وزير الثقافة الأسبق – على أن هذا المؤتمر هو أكبر مؤتمر ثقافي شهدته مصر خلال السنوات الأخيرة مشيرا إلى أن العنوان الرئيسي للمؤتمر حول ثقافة الهامش والمسكوت عنه، متسائلا هل ثقافة الهامش الآن هي ثقافة ثقافة الهامش أمس، وخاصة بعد هذه التطورات المتلاحقة والسريعة في الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن هناك تغيرا كبيرا في ثقافة الهامش والمسكوت عنه. وأشار د. سيد خطاب – رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة – إلى أن اختيار المنيا لإقامة المؤتمر لم يكن اختيارا مجانيا وأن مبادرة محافظ المنيا باستضافة المؤتمر ليست مبادرة مجانية، بل عن وعي مؤكدا على أن المنيا هي النموذج الأعظم للتكوين المصري، وأضاف أن التعدد اللوني وتراكم الطبقات الثقافية في المحافظة يجعلنا نصفها بأنها نموذج للتحدي الذي نبغيه. وأكد محافظ المنيا اللواء عصام البديوي على أن الثقافة ليست ترفا بل ضرورة ملحة، وأن مواجهة الفكر المتطرف لن تتم إلا بنهضة ثقافية كبرى. وقال إن الثقافة كالماء والهواء وإحياء المكتبات المتنقلة على رأس أولوياتي، وأوضح أن بعض الأعمال الدرامية خلقت تعاطفا مع الإرهابيين، وشدد على أن تجديد الخطاب الإعلامي ضرورة. وعلى هامش المؤتمر - الذي أقيمت معظم فعالياته في مكتبة مصر العامة بالمنيا - افتتح سيد خطاب معارض لفناني محافظة المنيا وقال الفنان والكاتب أبو الفتوح البرعصي (قومسيير عام المعرض) إن المعرض يضم عددا من اللوحات التشكيلية من تصوير وأعمال نحتية على الحجر والخشب، بالإضافة إلى أعمال تشكيلية بالخزف والنسيج والجرافيك وفن الخرز الملون والخط العربي. وضمن فعاليات اليوم الأول للمؤتمر أقيمت جلسة "ثقافة الهامش الجغرافي" تحدث فيها د. شعيب خلف عن الهامش كما يصور في الأعمال الأدبية المصرية وخصوصا في الأعمال الروائية، وركز على المكان لدى إبراهيم عبدالمجيد وإدوار الخراط ونجيب محفوظ ويحيى حقي وعبدالحكيم قاسم، واستفاض بالحديث عن فكرة تناول الشخصيات الهامشية والأماكن المهمشة حتى صار المكان المهمش في عدد من الأعمال الأدبية متنا وأصبح العمل الكتابي ممثلا لفئات مهمشة وبعيدة عن بؤرة الاهتمام. أما الباحث حمد شعيب فقد اعتمد في بحثه "الأغاني سيرة وجع" على مجموعة من نصوص مرسى مطروح وما حولها من الأماكن الجغرافية المتميزة ثقافيا واجتماعيا، واعتمد في توضيح أفكاره على نصوص مجموعة من الأغاني الشائعة في شمال غرب مصر، وبقراءة النصوص استنتج مجموعة من النتائج المتميزة أهمها هذه الغنائيات (سواء في الأفراح أو الأحزان) تمثل خريطة نفسية واجتماعية لأصحاب هذه المنطقة. بينما تناول محمود الطهطاوي الهامش الجغرافي بوصفه حالة ثقافية متميزة حيث يضفي الهامش الجغرافي سمات ثقافية محددة مميزة للموقع السكني الهامشي، مؤكدا أن التعددية الثقافية في صورها المتنوعة تعد إضافة وضرورة في الثقافات الوطنية. وفي جلسة بعنوان "مداخل نظرية لمفهوم الهامش في الفكر الحديث" رأسها د. جمال التلاوي، تناولت د. عفاف عبدالمعطي موضوعات ذات أهمية عن الرأسمالية ومصطلحات ما بعد الحداثة أهمها التفكيكية التي تستخدم حاليا لتحليل النصوص، كما تطرقت إلى التفاوت الطبقي وإلى انقسام المجتمع إلى ثلاث طبقات اجتماعية رئيسية على رأسها الطبقة العليا مشيرة إلى أن غياب الطبقة الوسطى يعد أمرا خطيرا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وأشارت إلى بعض الروايات التي تحدثت عن الموضوع نفسه مثل عمارة يعقوبيان وغيرها. بينما تناولت منال فاروق مفهوم الهامش المنسي والمهمل من كل شيء، ما لم يقع في دائرة اهتمام أهل الحل والعقد، كما تحدثت عن إيكولوجيا المكان ودوره في أنساق خطاب الهامش، باعتبار أن علم الإيكولوجي يعرف العلاقات المتبادلة بين الإنسان والبيئة التي يعيش فيها. ومن ناحية أخرى حذر أدباء مصر من التراجع الكبير في التعامل باللغة العربية الذي جعلها لغة مهمشة في بلاد العرب لحساب لهجات عامية ولغات أجنبية، وطالبوا بإصدار تشريعات تلزم باللغة العربية خاصة في وسائل الإعلام وفي التواصل داخل المدارس. وجاء ذلك خلال الجلسة البحثية التي حملت عنوان "الهامش اللغوي" ورأسها د. سعيد الوكيل وشارك فيها د. السيد نجم ومحمد ريان. وتحدث نجم في بحثه الذي حمل عنوان "اللغة العربية في الإنترنت والهامش الثقافي" عن ثلاثة أشكال للهجات العربية على شبكات التواصل الاجتماعي وهي الكتابة باللهجات الدارجة، فعلى سبيل المثال هناك أربع لهجات واضحة يكتبها السعوديون، وكتابة العربية بحروف أجنبية أو العربية التي يتخللها كلمات أجنبية والثالثة كتابة الصورة أو الموسيقى والتي يصبح الفن التشكيلي فيها جزءًا من الكتابة. وحذر نجم من أن هذا يمثل خطورة على اللغة العربية الأم والتي تعتبر حائط الصد الأخير على حد تعبيره، وأعطى مثالا بما تصرفه فرنسا على رابطة الشعوب الفرنكفونية لحماية اللغة الفرنسية، فيما يبدد العرب لغتهم، واختتم قراءته بأنه لا يمانع من استخدام بعض المفردات العامية والمصطلحات العلمية وبعض الإبداعات ولكنه يرفض أن يتحول الإبداع ككل إلى العامية لأنه يؤسس للانعزالية والانفصال ويؤدي إلى ضعف اللغة. وفي بداية بحثه الذي حمل عنوان "أدب الهامش ومواقع التواصل الاجتماعي"، قال الباحث محمد ريان إن رسالة الإنترنت الأساسية هي كسر الحاجز بين الهامش والمركز، وإن الإنترنت بدأ بالبحث عن المعلومة وانطلق إلى التواصل الشخصي ثم إلى التواصل الاجتماعي، ويأتي الجيل الرابع ليرسخ لتقنيات العالم الافتراضي وله سماته فتحول مفهوم النشر الإلكتروني إلى الانتشار الإلكتروني ومنها الميتا تاج و"opso" حتى أن هذه التقنيات تم استخدامها في الكتابة فهناك الكتابة بالصور. وكشف ريان أن مواقع الهيئة العامة لقصور الثقافة على الإنترنت غير فاعلة ولا تتجدد، وأكد أن مواقع التواصل رغم أن ما يحتويه من كم كبير من القراء إلا أنه يتأرجح بين الثقافات متوسطة المستوى والدنيا منها ولا يصل إلى الثقافة الرفيعة، وتحدث عن أزمات المبدعين والمؤسسات الثقافية مع التسويق الثقافي وآلياته. وتحدث الشاعر أحمد فضل شبلول في مداخلته في تلك الجلسة عن تهميش اللغة العربية في مؤتمر يتناول أدبياتها سيعقد في أكتوبر 2017 في دبي وفضلَّت الجهة المنظمة للمؤتمر أن يكون الحوار والمداخلات والمناقشات باللغة الإنجليزية. وتساءلت مرام يوسف عن دور الدولة في تنظيم فوضى النشر التي نعانيها، بينما أكد عبدالرازق عبدالرازق على أن اللهجات هي بثور على جسد اللغة صنعها الاستعمار بفعل فاعل. وانتقدت د. هدى عطية عنوان المؤتمر بوجود كلمة ثقافة في بداية العنوان واقترحت حذفها لتنضبط الرؤية، أو استبدالها بكلمة سلوك، كما طالبت بألا تكون الأبحاث راصدة بل تتناول نظرة ناقدة تخلص منها لثقافة بديلة، وأصرت عطية على أن مناقشة أعمال الكتاب الراحلين وليس الانتاج العام الحي ابن المرحلة هي الأوقع والأكثر ربطًا. كما عقدت جلسة تحدث فيها مجموعة المكرمين بالمؤتمر، وبدأ عبدالرحيم طايع قراءة تجربته مع الشعر التي صاغها في إطار أدبي وأشار إلى بدايات الكتابة لديه منذ السنوات الأولى، والأحلام الكبرى بالنجومية الشعرية التي تصاحب مرحلة المراهقة الأولى، وأكد أن الشعر جمر يقبض عليه أصحابه، وندد بالقصور اللغوي لدى الشعراء المعاصرين، كما تحدث عن تجربته مع كتابة الأغنية وسوق الأغاني الذي يعج بالركاكة والغناء، ولهذا إنصرف عن هذا الوسط وركن إلى شعر الفصحى والعامية، ونصح الشعراء جميعا من المبتدئين ألا يسرقوا ولا يقلدوا حتى لا يصبح صوتهم صوت غيرهم أو امتداد لهم. أما إبتسام الدمشاوى فقد قرأت بعض سيرتها مع كتابة القصة القصيرة، وبدأت حيث نشأت في بيت له بعض الاهتمام الثقافي من خلال اهتمام أبيها باللغة العربية والأدب، ثم أشارت إلى تحامل المجتمع على المرأة ومشكلاتها في مجموعتها القصصية المتعددة، وأكدت أن خبراتها التي مرت بها طوال سنوات عمرها هي المعين الذي تنهل منه من أجل وصف الواقع والدفاع عن المهمشين. ثم حكى سعيد نوح شهادته، فبدأ حديثة بطفولته الأولى في المدارس ومشكلات التعليم والقهر الذي كان يمارس على الأطفال، ثم الألم الذي تنضح به عبر مشاعر الفقد والحزن والاحتياج. وتحدثت منى الشيمى في شهادتها أن هوايتها للكتابة كانت أشبة بظاهرة مفزعة أو خطيرة في حياتها، وكانت في بداياتها تنتظر أن يهتم بها المجتمع أكثر من اهتمامه الذي حدث، كما تحدثت عن بعض معاناتها من أجل الكتابة حيث كان التغلب على كل المشكلات بقوة إرادتها وعزمها، وأكدت أن الكتابة ساعدتها على الاطلاع الرحب على العالم والثقافات المختلفة، وجاء ذلك من خلال الأسفار والفوز وفي المسابقات ونحو ذلك، ثم أشارت في ختام كلمتها أنها لا تعاني من التهميش في الكتابة. وأوضح الشاعر والناقد شريف رزق في مفتتح شهادته أن الصراع وتبادل الاتهامات بين الكتاب والنقاد صراع وهمي، وأكد أنه ينتمى إلى النقاد الذين جمعوا بين الشعر والنقد، وأوضح أن ممارسته للنقد جاءت تالية للشعر، وعدّد بعض مؤلفاته عن الشعر ودافع عن قصيدة النثر، ونوه باعتزازه بالنقد كالشعر تماما. وعلق الكاتب سعيد الكفراوي على مجمل الشهادات قائلا أنه كان ينتظر من أصحاب الشهادات أن يقدموا رؤاهم للواقع ووعيهم بالحقل الأدبي، وليس مجرد الحديث عن يات انجازات أو تعريف بالذات. إلى ذلك أقيمت عدة جلسات أخرى ومائدة مستديرة حول المسكوت عنه وغير المرئي في الثقافة المصرية شارك فيها كل من: حمدي أبوجليل ومحمد الفخراني ومحمد عبدالنبي وعصام زهيري، ومائدة أخرى حول شخصية المؤتمر الأديب الراحل يحيى الطاهر عبدالله رأسها د. حسين حمودة. كما أقيمت جلسة حول ثقافة الهامش الاجتماعي رأسها د. أحمد الشيمي وتحدث فيها عمرو العزالي وأحمد محمد انبيوه ومحمود أحمد زكري، وكان لنصيب إبداعات محافظة المنيا التي يقام فيها المؤتمر جلسة خاصة رأسها د. محمد سمير عبدالسلام وتحدث فيها د. أحمد تمام عن ملامح جمالية في شعر الفصحى، ود. تامر عبدالعزيز عن "الواقع والتاريخ والحلم" ود. عادل ضرغام عن القصة القصيرة وانزياحات الشكل، بينما تحدث د. وائل علي السيد عن الإبداع المسرحي في المنيا. بينما رأس د. بسيم عبدالعظيم جلسة "تجليات الهامش الديني" وفيها تحدث طلعت رضوان عن الهامش الديني في الأعمال الأدبية، وتناول فؤاد مرسي التدين الشعبي أزمة المصطلح ومرايا الأزمة". بالإضافة إلى عدد كبير من الأمسيات الشعرية والقصصية والندوات الثقافية العامة في عدد من المواقع الثقافية والمقاهي ومراكز الشباب والمدارس الثانوية وكلية الآداب جامعة المنيا، كما عرضت بعض الأفلام السينمائية مثل "دعاء الكروان، والطوق والأسورة، والطريق إلى إيلات" مع مناقشة مفتوحة لهذه الأفلام. وأعرب الدكتور شاكر عبدالحميد رئيس المؤتمر – ووزير الثقافة الأسبق - عن سعادته بهذه الدورة من مؤتمر أدباء مصر بداية من فعاليات حفل الافتتاح وحتى هذه انتهاء المؤتمر الذي تناول موضوع الهامش والمسكوت عنه في الثقافة المصرية، مشيرًا أن حضور الجلسات والفعاليات أعلى كثيرًا وأكثر تفاعلا في المناقشات من الدورات السابقة. وأكد عبدالحميد، أن تكامل الفنون من خلال إقامة 4 معارض فنون تشكيلية ومشاركة عدد من فرق الفنون الشعبية وتقديم عروض أغانى مصاحبة للأمسيات الشعرية والقراءات القصصية طوال فترة المؤتمر أثرت فعالياته بشكل كبير وزات من أعداد المشاركة. وتمني عبدالحميد أن تعقد في الدورات القادمة جلسات خاصة لإبداعات الشباب وأن تتسع دائرة المشاركة أكثر ليصبح المؤتمر منارة ثقافية تزور كل قرية من قرى المحافظة المستضيفة. أحمد فضل شبلول
مشاركة :