مع حلول الربيع وأعياد النوروز تصبح الحدائق ملاذ الإيرانيين

  • 3/30/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

طهران: فيروزة مير رضوي مع دخول العام الجديد وفصل الربيع الذي يحتفل فيه الإيرانيون بأعياد النوروز تصبح الحدائق الإيرانية ليس ملاذا لقضاء أوقات الراحة فقط، وإنما مكان للاستمتاع بجماليات هذا الفن المعماري التاريخي الفريد. فقد أثارت الحدائق والغابات والأغادير والينابيع منذ قدم الزمن إعجاب الإيرانيين الذين كانوا مولعين بالطبيعة، والأشجار والزهور. وحفلت المدن التاريخية في إيران بالحدائق بأشكالها المتنوعة وأبعادها المختلفة. واتخذت الحدائق في كل منطقة طابعا خاصا نظرا للبيئة، والإقليم، والثقافة. ولم يقتصر تصميم الحدائق الإيرانية على الحدائق المنفردة، بل تجلت أشكال مختلفة منها في الحياة الخاصة والاجتماعية للشعب الإيراني. وينطبق مسمى الحديقة الإيرانية على فناء البيوت الصغيرة، والحدائق المنتشرة في المدن الكبرى مثل مدينة أصفهان، عاصمة الحكم الصفوي في إيران. فلذلك تحظى الحدائق في المدن الإيرانية بأهمية خاصة. تعتبر حديقة «إرم» في مدينة شيراز من المتنزهات الرائعة التي تجذب السياح في إيران. يشابه أسلوب بناء الحديقة التي تم إنشاؤها في فترة حكم الشاه ناصر الدين القاجاري العمارات في فترة حكم الزند والصفويين. تقع الحديقة في شمال غربي مدينة شيراز، لكن الوثائق التاريخية تشير إلى أن موقع الحديقة كان خارج مدينة شيراز حتى عام 1946، وتحيط بها الصحراء، والأنهار، والأحجار. وأخذت مدينة شيراز في التوسع شيئا فشيئا، حيث أصبح موقع الحديقة في شمال غربي المدينة، غير أنها باتت في الوقت الحاضر تقع في شمال المدينة. وتحد الحديقة من شمال الغرب «شارع دانشجو» (أسياب الثلاثي)، و«شارع ارم» من شمال الشرق، و«ساحة ارم» شمالا. وتقع الحديقة على سفح جبل «أسياب الثلاثي»، وتبعد نحو 2 إلى 3 كيلومترات عن جبل «باباكوهي» الشهير. كما تعد حديقة «جهان نما» من أقدم الحدائق المنتشرة في إقليم شيراز، وهي تقع بالقرب من مقبرة الشاعر الإيراني حافظ الشيرازي. كانت المنطقة جزءا من صحراء «جعفر آباد»، وسهل «مصلى». وكانت الحديقة في فترة حكم آل مظفر وآل اينجو مزدهرة. وذكر الشاعر الإيراني حافظ الشيرازي سهول جعفر آباد ومصلى في أشعاره بسبب الروعة والنقاء التي كانت تتمتع بها هذه السهول. وأثارت الحديقة اهتمام القائد العسكري التركي تيمورلنك عند إقامته في مدينة شيراز، إذ قام بإنشاء حديقة مماثلة لها نحو مدينة سمرقند وسماها «جهان نما». وكانت تحظى الحديقة الواقعة في الزاوية الشرقية لشارع حافظ في مدينة شيراز بأهمية في فترة حكم الصفويين. كما تنتشر حدائق عديدة وسهول خضراء في كل أنحاء مدينة أصفهان، وذلك بسبب نهر زاينده رود. وتشتهر مدينة أصفهان بمدينة الحدائق في إيران التي صممها الصفويون منذ 400 عام، حيث تعتبر حديقة «جهلستون» نموذجا لحديقة ملكية في فترة الحكم الصفوي بمساحة تبلغ 67000 متر مربع. وتم إنشاء الحديقة في فترة الشاه عباس الأول، إذ تتوسط الحديقة عمارة «جهلستون». شهدت العمارة إحداث تغييرات كبيرة في فترة الشاه عباس الثاني، وتم إلحاق قاعة «أينه» وقاعة «هجده ستون»، وغرفتين من الجهتين الشمالية والجنوبية لقاعة «أينة»، والشرفتين لقاعة الملك، وبركة مياه عظيمة أمام القاعة مزودة بكل فنون الزينة والزخرفة التي تستخدم في الرسم على الجدران والأسقف. تقع حديقة «جهلستون» في مدينة أصفهان، وشرق شارع «جهار باغ» وجنوب «شارع سباه»، وغرب «ميدان نقش جهان»، حيث تحيط بها حدائق أخرى مما يسهل الوصول إليها عن طريق هذه الحدائق. وتشكل هذه الحدائق المنتشرة على طول شارع «جهار باغ» أحد المكونات الرئيسة لمدينة أصفهان في فترة حكم الصفويين، إذ تعد حديقة «جهلستون» حلقة وصل بين هذه الحدائق وساحة «نقش جهان» في المدينة. وعزلت الجدران حديقة «جهلستون» عن محيطها في المدينة، ولا ترتبط في الوقت الحاضر بباقي المكونات في المدينة. وكانت المكونات الرئيسة للمدينة (ساحة «نقش جهان» أو سائر المعالم التاريخية) متصلة ببعضها البعض، مما يقدم نموذجا لهيكل المدينة. وليس هناك حاليا ما يربط بين ساحة «نقش جهان» وحديقة «جهلستون»، مثل حلقات الوصل في الماضي والتي تتجسد في المداخل. وكانت الحديقة تتمتع ببهاء خاص كعمارة منفردة وكأحد مكونات المدينة الرئيسة. أما حديقة «غولشن» فهي إحدى أعتق وأهم الحدائق في إقليم شيراز، وكانت محل إقامة للملوك في فترة الصفويين. وقام حاکم إقليم فارس في عهد الشاه عباس الصفوي بتشييد قلعة في زاوية من هذه الحديقة، مستخدما صخورا من مقبرة «جعفر آباد» و«مصلى». وقام ميرزا علي محمد خان قوام الملك في عام 1863 بإعادة إعمار الحديقة بعد أن تم تدميرها إثر الإطاحة بحكم الصفويين، وأصبحت الحديقة أرضا متروكة. وأضحت الحديقة من أجمل حدائق إقليم شيراز في عهد القاجار، وتم وضع سياج من الورود للحديقة التي غرست فيها أشجار فواكه متنوعة، وبنيت فيها شوارع تحيط بها أشجار الأرز، والحور، والصفصاف، والسماء، إضافة إلى شلالات صخرة تجري فيها المياه، وتم زرع الأعشاب على جانبي الشلالات. وبقيت برکة المياه الواقعة في فناء القصر بعد تدمير الحديقة. تعتبر حديقة «الأميرة ماهان» نموذجا عن الحدائق الإيرانية التي تتوسطها طاولات كبيرة تجري بجانبها الأنهار، ويجلس الناس عليها ويستمتعون بمشاهد طبيعية رائعة. لقد أصدر عبد الحميد ميرزا ناصر الدولة القاجاري (1919 - 1930) أمرا بإنشاء الحديقة التي لم يُستكمل بناؤها بعد وفاته. وتقع الحديقة بالقرب من مقبرة شاه نعمت ولي الله ولي الواقعة في سفوح جبل جوبار. فقد أسهمت الأراضي الخصبة، وأشعة الشمس، والنسيم العليل، وإمكانية الحصول على الماء، في إنشاء هذه الحديقة الواقعة في أرض قاحلة. وتعرضت حديقة «الأميرة ماهان» إلى أضرار بالغة رغم الميزات الطبيعية التي كانت تتمتع بها، وأصبحت أرضا متروكة لفترات مديدة بسبب تغير الظروف السياسية والاجتماعية التي عاشتها البلاد في تلك الفترة. ولحقت خسائر بالغة بالحديقة شملت الأجزاء الرئيسة والمحيطة بها. وقد تعرض فن إنشاء الحدائق، والمكونات الرئيسة لها (كالأنهار، وبرك الماء، والأرصفة، والطبيعة مثل الأشجار، والزهور، والأراضي) إلى أضرار جسيمة وغير جسيمة بسبب تطورات الأوضاع السياسية والاجتماعية في إيران. وتبعد حديقة «الأميرة ماهان» عن مدينة كرمان مسافة 35 كيلومترا جنوب شرق، وتقع في طريق كرمان – مدينة بام، وبالقرب من مرتفعات جوبار، حيث تبعد عن قرية ماهان مسافة 6 كيلومترات. وتستقر الحديقة في أحضان الصحراء، وتحيط بها مرتفعات جوبار، وبولوار. وتحظى الحديقة بمشهد رائع بسبب جبال جوبار التي تكتسيها الثلوج، مما يجعلها تحفة مميزة في هذه المنطقة. ويبلغ ارتفاع المنطقة عن مستوى سطح البحر 1850 مترا، في الوقت الذي يبلغ فيه ارتفاع الحديقة عن مستوى سطح البحر 2000 متر بسبب موقعها في سفوح جبل جوبار. تذكر كتب التاريخ الخاص بإقليم يزد العديد من الحدائق الجميلة في هذا الإقليم، ومنها كتاب «ذكريات يزد»، حيث يشير الكاتب ايرج افشار إلى أن تاريخ إنشاء الحدائق المهمة والعظيمة في يزد يعود إلى القدم. ويلمح كتاب «تاريخ يزد الحديث» إلى حديقة تسمى بـ«الحدائق الثلاثين» أو «سي باغ»، غير أنه لم يوجد أثر أو ما يدل على وجود هذه الحديقة حاليا. وتم إنشاء الحديقة وهي إحدى أعظم الحدائق الإيرانية في عهد الزند في عام 1781. وكان صاحب هذه الحديقة هو محمد تقي خان المعروف بالخان الكبير في إقليم يزد، وأحد أكبر الرجالات في تلك الفترة، وقد حفر قناة تدعى «دولت آباد» مستخدما مياه القناة لإنشاء حديقة «دولت آباد». وتشكلت القناة المهمة من مجموع خمس قنوات، ويعود تاريخ حفرها إلى أكثر من 200 عام. تقع مدينة كاشان على حافة الصحراء، وهي تبعد عن طهران 220 كيلومتر جنوبا و86 كيلومترا عن مدينة قم جنوبا، وتعد حديقة «فين» أحد المتنزهات السياحية التي تحيط بمدينة كاشان. تعرف المنطقة التي تستقر فيها الحديقة بـ«فين الصغير»، وهي واقعة في جنوب غربي مدينة كاشان. وتقع حديقة «فين» التاريخية في جنوب شرقي طريق «فين» في مدينة كاشان بالقرب من ينبوع «سليمان» التاريخي. وفيما كانت تضم منطقة «فين» مجموعة من الحدائق، تعتبر حديقة «فين» درة المجموعة هذه. الحدائق الإيرانية هي أحد الإنجازات المهمة والفردة من نوعها والتي حققتها الثقافة الإيرانية، ولم يقتصر انتشار هذه الظاهرة على الحدود الإيرانية، بل إنها امتدت إلى أنحاء هضبة إيران. وما يجعل هذا الإنجاز ذياقيمة فريدة هو استمراره على امتداد تاريخ الحضارة الإيرانية. *إعداد «الشرق الأوسط» بالفارسية «شرق بارسي»

مشاركة :