تكمن ثورة التنمية الاقتصادية حرفيا في راحة كف واحدة. فمع انتشار الهواتف المحمولة والتكنولوجيات الرقمية بسرعة في مختلف أنحاء العالم، لا يمكننا أن نُدرك بعد بشكل كامل تأثيراتها في التنمية الاقتصادية، خاصة التمويل. وكلما تغير هذا بسرعة كان أفضل للناس في مختلف أنحاء العالم. في الاقتصادات الناشئة اليوم، ووفقا لتقرير الباحثتين لورا تايسون وسوزان لوند فإنه لا يملك ملياران من البشر ــ 45 في المائة منهم بالغون ــ حسابا رسميا في مصرف أو مؤسسة مالية أو مع أي شركة مقدمة لخدمة المال المحمول. ويرتفع معدل "غير المتعاملين مع مصارف" بين النساء، والفقراء، وسكان المناطق الريفية. وهناك فضلا عن ذلك 200 مليون مشروع صغير ومتوسط الحجم في أقل تقدير تفتقر إلى الائتمان الكافي، أو لا يمكنها الوصول إلى الائتمان على الإطلاق. وتعاني ريادة الأعمال، والاستثمارات، والنمو الاقتصادي عندما يجري تخزين المدخرات خارج النظام المالي الرسمي، ويصبح الائتمان نادرا وباهظ التكلفة. من حسن الحظ، وفقا لتقرير حديث صادر عن مؤسسة ماكينزي العالمية، من الممكن أن تعمل التكنولوجيات الرقمية ــ بدءا بالهواتف المحمولة ــ على غلاج هذه المشكلة بسرعة، وأن تعمل على تعزيز النمو الأسرع والأكثر شمولا. كما يخلف التمويل الرقمي تأثيرين إيجابيين عندما يتعلق الأمر بالشمول المالي. فهو أولا يعمل على توسيع القدرة على الوصول إلى التمويل. ففي الأسواق الناشئة في عام 2014، كان نحو 55 في المائة فقط من البالغين لديهم حسابات مصرفية أو يحصلون على خدمات مالية، ولكن ما يقرب من 80 في المائة منهم كانت لديهم هواتف محمولة. ومن الممكن غلق هذه الفجوة من خلال تحويل الخدمات المصرفية المحمولة والمحافظ الرقمية إلى واقع. لكن الفجوة بين الجنسين أيضا لا بد أن تغلق: ففي مختلف أنحاء العالم، تبلغ الفجوة بين النساء والرجال فيما يتصل بامتلاك الهواتف المحمولة أو القدرة على الوصول إلى الإنترنت نحو 200 مليون، لمصلحة الرجال. ثانيا، يعمل التمويل الرقمي على خفض التكاليف: تشير تقديرات مؤسسة ماكينزي العالمية إلى أن التكاليف التي يتحملها مقدمو الخدمات المالية قد تنخفض بنسبة 80 في المائة إلى 90 في المائة ــ لكي تصبح عشرة دولارات سنويا، مقارنة بنحو 100 دولار سنويا اليوم ــ بتوفير الخدمات الرقمية لعملائها، مقارنة بالحسابات من خلال أفرع المصارف التقليدية. وبالتالي فإن استخدام قنوات رقمية بحتة يجعل من الممكن تلبية احتياجات العملاء من ذوي الدخل المنخفض. ويُصبِح الشمول المالي مربحا لمقدمي الخدمات حتى عندما تكون أرصدة الحسابات والمعاملات صغيرة. مع التمويل الرقمي، يصبح بوسع 1.6 مليار شخص من غير المتعاملين مع المصارف ــ أكثر من نصفهم من النساء ــ اكتساب القدرة على الوصول إلى الخدمات المالية، وهذا يعني تحويل نحو 4.2 تريليون دولار من الأموال النقدية والمدخرات، التي يُحتَفَظ بها حاليا في هيئة أدوات غير رسمية، إلى النظام المالي الرسمي. وهذا من شأنه أن يسمح بتقديم 2.1 تريليون دولار إضافية في هيئة قروض لأفراد وشركات صغيرة. وبوسع الشركات أيضا أن توفر من تكاليف العمالة، بما يقدر بنحو 25 مليار ساعة سنويا، عن طريق مبادلة المعاملات النقدية بالمدفوعات الرقمية. ومن الممكن أن تستقبل الحكومات 110 مليارات دولار إضافية سنويا ــ للاستثمار في الخدمات العامة المعززة للنمو مثل التعليم ــ لأن القنوات الرقيمة تجعل تحصيل الضرائب أرخص وأكثر جدارة بالثقة. الآن، بدأت خدمات الأموال المحمولة تُظهِر بالفعل إمكانات التمويل الرقمي. ففي كينيا، استفاد تطبيق M-Pesa ــ الذي يحول الهاتف إلى محفظة متنقلة ــ من تأثيرات الشبكة القوية في إحداث توسع هائل في نسبة البالغين الذين يستخدمون الخدمات المالية الرقمية. فقد ارتفعت هذه النسبة من صِفر إلى 40 في المائة في غضون ثلاث سنوات فقط، ثم ارتفعت إلى 68 في المائة بحلول نهاية العام الماضي. تميل حسابات الخدمات المالية التقليدية إلى النمو بوتيرة الدخل الوطني، ولكن معدل تبني تطبيق M-Pesa كان أسرع كثيرا، ما يدل على أن التمويل الرقمي قادر على تحقيق اختراقات كبيرة في السوق حتى في الدول الأكثر فقرا في العالم. كما ينبغي للحكومات أن تعمل على إنشاء أشكال مقبولة عالميا للهوية، حتى يتسنى لمقدمي الخدمات السيطرة على عمليات الاحتيال والغش. في الاقتصادات الناشئة، واحد من كل خمسة أشخاص غير مسجل، مقارنة بواحد فقط من كل عشرة أشخاص في الاقتصادات المتقدمة. وما يقرب من 20 في المائة من النساء غير المتعاملات مع المصارف في الدول الناشئة لا يحملن الوثائق اللازمة لفتح حسابات مصرفية. وحتى عندما يحمل المرء هوية معترف بها، فيجب أن يكون قابلا للتصديق الرقمي. وربما تُثبِت الهويات الرقمية التي تستخدم الرقائق، أو بصمات الأصابع، أو مسح القزحية كونها مفيدة ــ وهي تكتسب شعبية بالفعل ــ في الاقتصادات الناشئة. وأخيرا، يتعين على الحكومات أن تعمل على تنفيذ القواعد التنظيمية الكفيلة بإيجاد التوازن بين حماية المستثمرين والمستهلكين، ومنح المصارف، وشركات التجزئة، وشركات التكنولوجيا المالية والاتصالات الحيز الكافي للمنافسة والإبداع. ولأن القواعد التنظيمية كثيرا ما تُقصي المنافسين غير المصرفيين، فينبغي للحكومة أن تفكر في الاستعانة بنهج متدرج، تستطيع بموجبه الشركات التي لا تحمل رخصة مصرفية كاملة تقديم منتجات مالية أساسية للعملاء الذين لديهم حسابات أصغر. ومن النماذج الجيدة لهذا "حوض الرمل التنظيمي" الذي يحكم عمل شركات التكنولوجيا المالية في المملكة المتحدة، الذي يفرض متطلبات تنظيمية أقل على الشركات الناشئة إلى أن تصل إلى حجم معين. إن الشمول المالي أمر بالغ الأهمية لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمساواة بين الجنسين، وقد لعب بالفعل دورا بارزا في جهود التنمية العالمية، حيث يهدف البنك الدولي إلى تحقيق الشمول المالي العالمي بحلول عام 2020. ومع استخدام مليارات من البشر في الاقتصادات الناشئة للهواتف المحمولة بالفعل، فإن التمويل الرقمي يجعل تحقيق هذا الهدف في حكم الممكن.
مشاركة :