عن الموقف من اغتيال السفير الروسي في أنقرة

  • 12/26/2016
  • 00:00
  • 39
  • 0
  • 0
news-picture

تفاعلات الكارثة السورية وآثارها المباشرة وغير المباشرة، لم تتوقّف في جوار سورية كما في غير مكان من العالم. تفاعلٌ جديد، هو الأول من نوعه (هل سيكون الأخير؟) وقع مساء الإثنين 19 كانون الأول (ديسمبر) 2016، في العاصمة التركيّة أنقرة، حين قام شابّ تركي يُدعى مولود ألطنطاش بإطلاق الرصاص على أندريه كارلوف، السفير الروسي لدى أنقرة، وذلك خلال إلقاء الأخير كلمةً في افتتاح معرض فني للصور، حمل عنوان «روسيا بعيون تركية». لقي منفّذ العملية مصرعه على يد قوات الأمن التركية، بعدما كان قد استمرّ بالصراخ أمام الكاميرات لبعض الوقت، قائلاً: «نحن من بايع محمّداً على الجهاد»، ومردّداً هتاف «الله أكبر»، مع ذكر اسمَي سورية وحلب، معلناً تضامنه معهما. وكما في كلّ حدث جديد، سرعان ما انقسم السوريون على صفحات مواقع التواصل في الموقف من الحدث، بين مؤيّدٍ للعمليّة مهلّلٍ لها ومحتفٍ بمنفّذها، ومن أدانها وحذّر من آثارها التي ستنعكس سلباً على من يُفترض أنّ المنفّذ قام بها تعبيراً عن تضامنه معهم. بل إنّ من أدانوها انقسموا بدورهم في خلفية موقفهم، إذ انطلق بعضهم من رفضه المطلق للاغتيال السياسي واستهداف أي مدنيٍّ كائناً من كان، فيما ارتبطت إدانه البعض الآخر بأسباب «مصلحية» بحتة، تتعلّق بما قد تسبّبه الواقعة من انعكاسات سلبية إضافية على السوريين، وليس رفضاً لها بذاتها، إذ لم يخفِ كثيرون من أصحاب هذا الرأي شماتتهم بمقتل الديبلوماسي الروسي. بعض من أيّدوا العملية واعتبروها عملاً مشروعاً في إطار محاربة الاحتلال الروسي واستهداف مصالحه أياً كانت وحيثما وُجِدت، دعّموا وجهة نظرهم بعقد مقارنات بين ما جرى وبين العمليات الفلسطينية التي كانت تستهدف مصالح إسرائيل وداعميها في الخارج. ولكن هل تصحّ المقارنة؟ في السبعينات، حين نفّذت ما كان يُسمى «فصائل الثورة الفلسطينية» عملياتها الخارجية الكبرى، كاستهداف السفارات والمطارات وخطف الطائرات، والتي اشتهرت بها على نحو خاص «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» عبر وديع حداد واستراتيجيته الشهيرة «وراء العدو في كل مكان»، حينها كانت الغاية من العمليات لفت أنظار العالم إلى قضية فلسطين، واستقطاب حلفاء من أنصار الحرية وقضايا الشعوب في العالم. وقد حققت هذه الاستراتيجية بادئ الأمر مراميها الإعلامية وسلّطت الضوء على قضية الشعب الفلسطيني، غير أنه ما إن بدأت تلك العمليات تذهب في اتجاهات وغايات حرفَتْها عن هدفها الأول، حتى طالب تيار فلسطيني واسع بالحد منها، وهو ما جرى داخل الجبهة الشعبية نفسها خلال مؤتمرها الوطني الثالث في آذار (مارس) 1972، وتطوّر الموضوع إلى إعفاء وديع حداد من مهماته في المجال الخارجي وقطع الدعم عنه، وصولاً إلى تجميده من الجبهة ثم فصله نهائياً منها عام 1975. وبالمقارنة مع عملية اغتيال السفير الروسي في تركيا، فإنّ ما جرى لن يلفت النظر إلى قضية الشعب السوري بمقدار ما سيؤدي إلى حرف أنظار العالم عن المجزرة المستمرة في حلب وسورية لمصلحة صورة الديبلوماسي الروسي (المدني) الذي قتله شخصٌ «بايع على الجهاد!»، وأتبع فعلته بهتاف «الله أكبر» وفق ما وثّقته الكاميرات. ومعلومٌ حجم الحمولة السلبية التي تحملها رسالة كهذه إلى العالم المهجوس بإرهابٍ بات لصيقاً بالخطاب الإسلامي- الجهادي. والغريب أنّ كثيرين ممن هلّلوا لهذا «المجاهد»، كانوا استنكروا من قبلُ إطلاقَ البعض هتافات دينية وشعارات إسلامية خلال الوقفات التضامنية مع حلب التي نُفّذت في العديد من العواصم الأوروبية، نظراً لتأثيرها السلبي على الجمهور الغربي! إنّ حوادث كهذه كثيراً ما تُوظّف لتبرير ما قد يتبعها. ويذكر التاريخ كيف كانت محاولة الاغتيال التي تعرض لها السفير الإسرائيلي في لندن (شلومو أرجوف) عام 1982، ذريعة إسرائيل لاجتياح لبنان بهدف القضاء على عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، على رغم أنّ منفّذي العملية كانوا خصوم عرفات، من جماعة أبو نضال الذي خصّه باتريك سيل بكتاب «أبو نضال: بندقية للإيجار». ولا عجب أن يبرّر الغزاة الروس ما سيأتي (بل ما سبق أيضاً) من أعمال عدوانية تقوم بها قواتهم في سورية، بزعم «الحرب على الإرهاب». بدورها، لم تقتصر التصريحات الرسمية التركية على الإدانة والعبارات الديبلوماسية التقليدية، وإنما ذهبت أبعد في ما يخص العلاقة مع موسكو، والتي عادت إليها الحرارة أخيراً بعد جفاءٍ مزمن على خلفية الملف السوري، ففي تصريح رسمي لوكالة الأناضول عقب الحادث، أكّد أردوغان توافقه مع الرئيس الروسي بوتين حول أن هذا الهجوم «عمل استفزازي يستهدف ضرب مرحلة تطبيع العلاقات بين تركيا وروسيا، لكن الإدارتين الروسية والتركية تملكان الإرادة الكافية للتصدي لهذا الاستفزاز»، والأهم أن أردوغان أضاف: «اتفقنا في حديثنا مساء اليوم (مع بوتين) على أن يكون تضامننا أقوى وأكثر تميّزاً، خصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب العالمي خلال المرحلة القادمة». ولمّا كانت تركيا من أهم داعمي الثورة السورية، وفق ما يتوهّم سوريون كثيرون، يبقى السؤال: كيف سيترجم «الطيّب» تضامنه «الأقوى والأكثر تميزاً» مع روسيا في مكافحة الإرهاب، وهو العنوان الذي تغلّف به احتلالها لسورية؟     * كاتب سوري

مشاركة :