يعيش في تونس اليوم حوالي المليون مواطن أسود البشرة بالإضافة إلى جالية تقدر بـ10 آلاف من جنسيات إفريقية مختلفة، فيهم من هو طالب وفيهم من يعمل في المؤسسات الخاصة. ويعاني أغلب هؤلاء من صعوبات على مستوى الاندماج أو على مستوى فرص العمل مقارنة بالمواطنين أصحاب البشرة البيضاء. فظاهرة العنصرية ليست جديدة على المجتمع التونسي، وحالات الإهانة التي يتعرض لها أصحاب البشرة السوداء تعود إلى عقود طويلة، سواء لفظياً أو مادياً. ورغم أن البلاد رائدة على مستوى العالم في إلغاء العبودية فإن عدداً من المظاهر الاجتماعية السلبية في التعامل مع المواطنين السود لم تزل منتشرة، إذ تسمع مصطلحات مثل "عبيد ووصيف وخادم وكحلوش" لوصف المواطن الأسود البشرة في كل حي. والتزاوج بين أصحاب البشرة السوداء وأصحاب البشرة البيضاء أمر شبه مستحيل لدى التونسيين، ومن الصعب أن تجد شخصاً أسود البشرة في إحدى الوظائف الكبرى في الدولة، إذ لم يعرف عن تونس، على الأقل في تاريخها السياسي الحديث، أن شغل شخص أسود البشرة وظيفة سياسية كالوزارات والمناصب العليا. فوجىء التونسيون مساء السبت، 24 ديسمبر، بحادثة اعتداء بالطعن على طالبتين من الكونغو الديمقراطية، من قِبل شاب تونسي في قلب العاصمة، مما أسفر عن إصابات بليغة للطالبتين اللتين تقيمان في المستشفى تحت مراقبة استمرة، في حادثة تبيّن لاحقاً أنها عنصرية. فتحت الحادثة النقاشات مجدداً عن هذه الظاهرة وسلبياتها وكيفية معالجتها. وولّدت ردود فعل عنيفة لدى جمعيات المجتمع المدني والحقوقيين الذين شاركوا في وقفة احتجاجية، مساء الأحد، بدعوة من رابطة الطلبة والمتدربين الأفارقة بتونس، وبحضور عشرات الطلبة الأفارقة أمام المسرح البلدي في الشارع الرئيسي بالعاصمة، للتعبير عن رفضهم لمثل هذه الممارسات التي أصبحت تتفشى داخل المجتمع التونسي وتشكل مصدر قلق لأصحاب البشرة السوداء التونسيين والأجانب. وقد دعا رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد الاثنين مجلس النواب إلى "تعجيل النظر" في مشروع قانون يجرم العنصرية، وهو مشروع كان قد قدم قبل نحو عامين إلى البرلمان لتسهيل ملاحقة مرتكبي مثل هذه الجرائم. خلال الوقفة الاحتجاجية نمساء السبت، كانت غالبية الكلمات قوية ومنفعلة، كشف فيها كل متحدث عن الحوادث العنصرية التي وقعت له، سواء في وسائل النقل، أو في الأسواق، أو في المدارس والجامعات، وهي حوادث تصل في الكثير من الأحيان إلى الاعتداءات المادية، كما أن المتحدثين قالوا إنها يومية وجعلتهم يتجنبون الاحتكاك بالناس والاكتفاء بالعزلة أو اللقاءات الخاصة بينهم. لكن حالة الطعن الأخيرة التي كادت تودي بحياة الطالبتين هي التي أفاضت الكأس وجعلتهم يدقون ناقوس الخطر للسلطات بأن الوضع أصبح مقلقاً، كما طالبوا التونسيين بضرورة الوقوف معهم ضد مثل هذه الممارسات. رشيد أحمد سليمانوفي هذا الإطار، تحدث لرصيف22 رشيد أحمد سليمان، طالب الهندسة التشادي ذو الـ28 عاماً، وهو رئيس رابطة الطلبة والمتدربين الأفارقة بتونس، عن مظاهر التمييز العنصري الذي يتعرضون له في تونس، قائلاً إنهم لا يريدون أن يفتحوا هذا الملف تجنباً لأي إحراج لهم، لكن أن يصل الأمر إلى محاولات القتل، فهذا ما أجبرهم على الاحتجاج والتعبير عن غضبهم، خاصة أن الحادثة ليست الأولى. وذكر أن الطالب الإفريقي في تونس يتعرض للكثير من الإهانات، من أصحاب المنازل الذين يصل بهم الأمر إلى طرده ونعته بأبشع الصفات فقط لأنه يتأخر يوماً أو يومين عن دفع الإيجار، أو في الإدارات التي تبتزه في الكثير من الأحيان. أقوال جاهزة شارك غردما زلنا نسمع في تونس مصطلحات مثل "عبيد ووصيف وخادم وكحلوش" لوصف أصحاب البشرة السوداء! شارك غردحادثة طعن لشابتين من أصحاب البشرة السوداء في تونس تعيد فتح الجدل حول العنصرية التونسية.. كما تحدّث عن حالات تحرش بالفتيات من أصحاب البشرة السوداء، وعن طلبة يحتاجون إلى العمل، لكنهم يجدون أنفسهم يشتغلون أشغالاً شاقة لأكثر من 10 ساعات يومياً بأجر زهيد وبإهانات لا تُحتمل من أصحاب العمل. وأضاف رشيد أنهم اختاروا تونس لأن الجميع أعطاهم عنها صورة جميلة، وطالب السلطات التونسية بردع مثل هؤلاء العنصريين لأنهم يقدمون صورة سيئة عن التونسيين. معموري سيدي محمد، طالب موريتاني، 25 عاماً، يدرس العلوم الاقتصادية في محافظة نابل وهو عضو اللجنة العلمية برابطة الطلاب والمتدربين الأفارقة بتونس، قال لرصيف22 إن العديد من الاعتداءات العنصرية وقعت أمام رجال الأمن دون أن يقوموا بمعاقبة المعتدي وحتى من يتم توقيفه لأجل اعتداء عنصري يُطلق سراحه دون تهمة. كما أشار إلى العرقلة الإدارية في مستوى الإقامة في تونس وفي مستوى ترسيمهم في الجامعات، إذ يضطرون إلى دفع تكاليف كبيرة في تحضير الوثائق، وهذا لا يتم التعامل به إلا مع الطالب الإفريقي، ويستشهد بالتعامل مع طلبة المغرب العربي السلس والمعتمد على قوانين تفضيلية. واستدرك سيدي محمد بالقول إنهم يريدون أن تكون العنصرية في تونس حالات فردية لا تمثل كل التونسيين وهم لا يضعون الجميع في سلة واحدة. كذلك صرّح آدم عبدالسلام، وهو مستثمر تشادي مقيم في تونس منذ سنوات، أن العنصرية ظاهرة منتشرة في كل المجتمعات، لكن تختلف حدتها من مجتمع إلى آخر. ويشير إلى أنه تعرض لعملية احتيال كبيرة من شريك تونسي، عندما اتفقا على مشروع استثماري، لكنه تخلى عن تعهداته معه ووصلت القضية بينهما إلى المحاكم دون أن يحصل على شيء رغم ثبوت حقه في القضية. واعتبر أن الأسباب العنصرية هي التي كانت وراء خسارته حقه، مضيفاً أن حالات مشابهة لضحايا أفارقة لم ينالوا حقهم بعد التعدي على حقوقهم، داعياً إلى حمايتهم من مثل هذه التجاوزات. لكن عبد السلام أضاف أن هذه التجاوزات فردية ولا يمكن من خلالها الحكم على كل التونسيين الذين عرف فيهم الكثير من الأصدقاء الجيدين. من جانبها، شاركت النائب في مجلس النواب التونسي وعضو البرلمان الإفريقي جميلة دبش الكسيكسي، وهي من التونسيين أصحاب البشرة السوداء، في الوقفة أمام المسرح الوطني. واستنكرت في حديثها إلى رصيف22 حالة الاعتداء المؤسفة التي طالت الطالبتين، وأكّدت أن العنصرية موجودة في المجتمع وزادت حدتها بعد الثورة رغم أن البعض ينكرها ويعتبرها حرجاً كبيراً لصورة تونس، مطالبة بالتصدي لهذه الظاهرة بالاشتراك مع كل المؤمنين بقضية التساوي بين كل التونسيين. ووعدت بأن تنقل هموم الطلبة المحتجين إلى البرلمان لمناقشتها من أجل تجريم العنصرية بقوانين واضحة لكي لا تتكرر حالات الاعتداء. وتضاف حالة الاعتداء على الطالبتين الإفريقيتين إلى سجل حافل من الممارسات بحق أصحاب البشرة السوداء في تونس سواء في التعامل اللفظي أو في التعامل اليومي معهم، فلا هم يعاملون معاملة بقية المواطنين، ولا يضمنون سلامتهم الجسدية، مما يفرض أولاً على الدولة حمايتهم وضمان حقوقهم، وثانياً على المجتمع قبولهم دون تمييز. اقرأ أيضاً هكذا جعلت العنصرية منهم نجوماً في مصر، العنصرية واحدة تجاه المحجبات وغير المحجبات نماذج من العنصرية اللبنانية المقيتة تجاه السوريين كلمات مفتاحية العنصرية تونس التعليقات
مشاركة :